الثامن عشر من شهر ديسمبر هو يوم اللسان العالمي، نعم هذا هو التوصيف الأصح من حصره من عالميته إلى محيطه العربي، ومن وصفه بالخطأ بدلاً عن البيان! فهل يُعقل أن تكون الرسالة السماوية الأخيرة موجهة للبشرية كافةً، ثم تكون ب(لغة) قوم لمجرد أنهم يسكون في شبه جزيرة العرب! كلمة لغة ليست التسمية الأصح لوصف ما نقصده، قال جلَّ من قائل: “وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ”. وأصل كلمة لغة من الفعل (لغا)، وفي لسان العرب: “اللَّغْو واللَّغا: السَّقَط وما لا يُعتدّ به من كلام وغيره”، وفيه أيضا: “وفي الحديث: مَن مَسَّ الحَصى فقد لَغا أَي تكلم، وقيل: عَدَلَ عن الصواب، وقيل: خابَ، والأَصل الأَوَّل”. لذلك كان العرب يستعملون مفردة (لغة) أو (لحن) إشارة لما نسميه (لهجة)، ويقصد بها الإمالة -في طريقة النطق- عن الأصل من قبيلة أو أناس بعينهم، فيقال على سبيل المثال؛ لغة هذيل أو لغة تميم. لم تُذكر كلمة لغة في القرآن الكريم، بل استعملتْ كلمة لسان -للمعنى المقصود- في عدة مواضع، منها: “لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ”. في (قاموس لسان العرب): “رجل لَسِنٌ بَيِّنُ اللَّسَن إِذا كان ذا بيان وفصاحة”، وأيضاً: “أَلْسَنَ عنه: بَلَّغ”. وقال تعالى: ” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ”. يقال رجل أَعْجَميٌّ إذا كان في لسانه عُجْمة، والأعجم من لا يُبن منطقه، وليس المقصود غير العرب من العَجم. من عدلِ الله سبحانه وتعالى أنه أرسل الرسل بألسنة قومهم ليفقهوهم، وبذلك يتحقق المقصد من إرسالهم. قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ”. لكنه سبحانه حينما ختم الرسل بمحمد (صلى الله عليه وسلم)، كانت معجزته القرآن، والذي كان باللسان العربي! إذاً كيف تكون رسالته (صلى الله عليه وسلم) للناس كافة، وهي بلسان قوم دون غيرهم؟ كنت أتساءل كثيراً عن ذلك، قال تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”. سؤال: لماذا كان للعرب فضل -دون غيرهم- فاختصهم الله بكون آخر رسالة سماوية بلسانهم؟ الجواب: ليس لهم فضل، فلسانهم العربي هو لسان العالم أجمع. يقال “عرب” للفصاحة ووضوح المقصد، والعجمة تفيد العكس، ولذلك يقال أعْرَبَ فلان عن شكره، أي بيّنه. وفي معجم لسان العرب: “والإعراب الذي هو النحو إنما هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ”. وفي الحديث الشريف: “الثيب تُعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها”، وعَرَّبَ مَنطِقَه، أي هذَّبه من اللحن. إذاً، فليست العربية حصراً على العرب، وإلا لَمَا اختارها الله لحمل رسالة الإسلام العالمية، ولم نسمى عرباً إلا لأننا نطق بها. حينما ترى طفلاً من أقاصي الدُول -لا يفقه من العربية حرفاً واحداً- يبكي عند مواضع الخشوع في القرآن، لا تتعجب. صحيح أن القرآن معجزة إلهية، ولكن ذلك لا يتعارض مع كون أصوات حروف العربية انفعالية، ذات دلالات وأحاسيس عميقة. لو كانت لي سلطة لقمتُ بتغيير مسمى اليوم العالمي للغة العربية ليصبح (يوم اللسان العالمي). فهد بن جابر @FahdBinJaber