استعراض إنجازات لجنة السلامة المرورية أمام محمد بن ناصر    طيران ناس يُطلق رحلتين أسبوعية مباشرة بين المدينة المنورة وكراتشي    واشنطن: تعهدات تعلق "الرسوم" على المكسيك وكندا    خطوات استشرافية    مترو الرياض.. وإعادة تشكيل الهوية    9 تنبؤات لأكبر اختراقات بحثية لعام 2025    6 مناطق الأقل ممارسة للألعاب الشعبية    إسبانيا تعتزم خفض عدد ساعات العمل الأسبوعي    تهديدات ترمب التجارية تؤثر على دفاع "الأوروبي"    ترمب: معادن أوكرانية نادرة "ضمانة" المساعدات    الهلال يقسو على برسبوليس الإيراني برباعية في دوري أبطال آسيا للنخبة    طلاب وطالبات جامعة الملك سعود يُتوجون ببطولة الجامعات التنشيطية للبادل    الأهلي يطرح تذاكر مواجهة النصر "دورياً"    فهد بن نافل: صافرات الاستهجان لا تمثل جماهيرنا ولا تمثل الهلال ولا تخدم النادي    القيادة تهنئ الرئيس السريلانكي    مجلس الوزراء يشيد باجتماع الحوار الاستراتيجي بين المملكة واليابان    فريق جرعة عطاء ينظم فعالية للتوعية بمناسبة اليوم العالمي للسرطان    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي الثاني لطب حديثي الولادة في جازان    نورة الجربوع: العمل الفني ترجمة للمشاعر في مساحات اللون    أزياؤنا إرث وتاريخ حضاري    حايل تراه الحل وكلمة جميلة    وزارة الصحة بالمدينة المنورة تنظم دورة تدريبية للمتطوعين الصحيين    شتان بين القناص ومن ترك (الفلوس)    نصائح عند علاج الكحة المستمرة    علاج السرطان بتقنية cytokinogenetic therapy    السعودية تقود المسار.. وسوريا تبدأ صفحة جديدة    666% نموا بدعم مربي النحل وإنتاج العسل    قانون أمريكي يسجن مستخدمي DeepSeek    الصين تخطط لإرسال مسبار في 2026    بئر بروطة    تطبيع البشر    الكويت: مرسوم أميري بتعديل وزاري يشمل «الداخلية» و«الدفاع»    رؤساء أمريكا وأزمات المراقبة الجوّية    80 يوما على سقوط المطالبات التجارية    الوعي السياسي.. و«الشرق الأوسط الجديد»!    الهلال يستعيد الصدارة برباعية في شباك برسبوليس    «حرس الحدود» يهيب بهواة الرحلات البرية والباحثين عن «الفقع» عدم الاقتراب من المناطق الحدودية    جدة: القبض على وافد روّج «الشبو»    4,546 كم رحلة جائزة «سيف السعودية 2025»    الزي السعودي يكسو مدرجات «فارس العرب»    سمو أمير الشرقية يترأس الاجتماع الأول لمجلس إدارة جمعية البر لعام ٢٠٢٥م    كرسي أرامكو للسلامة المرورية بجامعة الإمام عبد الرحمن يطلق دورة تدقيق سلامة الطرق    محافظ الأحساء يكرّم مدير شرطة المحافظة السابق    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    "الجوازات"تصدر 18,838 قرارًا إداريًا بحق مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    فيصل بن مشعل يدشّن هدية أهالي القصيم لأبطال الحد الجنوبي    نائب أمير تبوك يتسلم تقرير أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر    أمير الشرقية يرعى مؤتمر "السمنة" بمشاركة 100 متحدث عالمي بالخبر    الصحة تُدشن الوصفة الإلكترونية لحوكمة الوصف والصرف للأدوية المخدرة والمؤثرات العقلية والخاضعة للرقابة    وفاة المهندس أحمد العيسى بعد رحلة عطاء والعناية بمساجد الطرق بالمملكة    الشرع: لقاء ولي العهد يؤسس لبداية علاقة إستراتيجية    تحديث بيانات مقدمي خدمات الإفطار بالمسجد النبوي خلال شهر رمضان المبارك 1446ه    «911» يتلقى (2.606.704) اتصالات خلال يناير    في الشباك    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    رئيس الوزراء الصومالي يصل إلى جدة    عبدالله آل عصمان مُديراً لتعليم سراة عبيدة    العلاقات بين الذل والكرامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصبحت تتداول بسرعة البرق ...واتقنها السعوديون
نشر في الرأي يوم 27 - 01 - 2011

لم يكن السعوديون كشعب في تاريخهم أبناء نكتة كما يُقال، فلم يكونوا أبدا كالشعب المصري مثلاً والذي اشتهر بروح النكتة، بحيث صارت جزأ من قوته اليومي.. لكن هذا لا يعني أن السعوديين لا يحبون هذا الفن التعبيري الشعبي المهم أو أنهم يستقبحونه، كان هنالك في السابق ما يسمى ب "العيارين"، وكانت كل مدينة أو قرية تردد في مجالسها الخاصة والعامة بعض الطرف القولية أو الحركية لمن اشتهروا بصناعة هذه التعليقات، وهم في الغالب لا يمكن أن يتجاوزوا الاثنين أو الثلاثة في المجتمع الواحد. حتى أن المجتمع أصبح يختفي خلف طرائف هؤلاء المبدعين.. بحيث بات يُنسب إليهم بعض النكت والطرف حتى ولو لم تكن من صنيعهم.. تماماً كما هو الحال مع شخصية جحا وشخصية أشعب وسواهما من الشخصيات الهزلية التي كانت تُنسب لها الكثير من النكات والمواقف؛ لأن المجتمع يدرك أن حجم استقبالها بدون إسنادها لهم سيفقدها نصف قوتها على الأقل.
ولكنها مع هذا بقيت نكتة مقيدة.. لأنها ترتبط باسم معروف، وعلم لا تخطئه الذاكرة، بحيث كانت تتحاشى الخطوط الحمر اجتماعياً ودينياً وأخلاقياً، بمعنى أنها بقيت نكتة تخضع أو يجب أن تخضع لمقص الرقيب الاجتماعي حتى تضمن حرية التداول.. مع بعض الاستثناءات التي لا تُروى إلاّ في المجالس الخاصة، وتبعا لهذا.. ظن بعض الدارسين أن المجتمع السعودي ليس ابن نكتة أو أنه يفتقد أدواتها.. نسبة إلى طبيعة تربيته وثقافته وأنماط معيشته، وتقاليده وأعرافه.. غير أن دخول وسائل التقنية الحديثة التي تسمح على رأي النقاد الحداثيين بموت المؤلف، بحيث لا يُعرف من هو صانع النكتة.. وبالتالي يمكن التحلل من مسؤوليتها وتبعاتها..
ظهر على السطح الاجتماعي جيل جديد بمؤهلات مخيفة من السخرية.. يستطيع أن يصنع النكتة الناقدة بمهنية خارقة.. تبلغ أحياناً في مهارة الالتقاط ومهنية التركيب والمشابهة ما اتفق على تسميته بنكات "الحشاشين"؛ التي تتجاوز المألوف إلى مسافات بعيدة لا تخطر على الذهن، وقد تم توظيف هذه النكات في ملاحقة الأحداث الاجتماعية اليومية، لا بل تجاوزت ما يسمى بنكتة الموقف إلى نكتة التعبير عن الموقف ونقد الذات أو الواقع بطريقة حيرت الكثير من الدارسين لطرق التعبير.. ووفرت لهم السؤال الأهم: كيف يستطيع شعب وصف بالعبوس طويلاً.. بالوصول إلى كل هذه اللغة الساخرة والمتهكمة التي تغني في بعض المواقف عن مليون مقال وألف كاريكاتير؟، ومن أين أتت كل هذه البراعة في صناعة النكتة بكل أطيافها وأصنافها؟.
الكرم وقناع المجاملة
الإنسان السعودي بطبيعته إنسان مجامل، وينتشي كثيراً بوصفه بالكريم، وبالتالي هو يخشى على هذه الصفة الأخلاقية من أن تتهالك أو تشوبها أي شائبة.. حتى ولو بالقول.. لذلك هو لا يريد أن يتحمل وزر نكتة قد تصيب طرفاً أو تؤذيه أو تؤذي مشاعره، وحينما وجد ضالته في أجهزة الاتصال الحديثة التي تستطيع نقل حديث نفسه دون أن يتحمل مسئولية النقل عنه باسمه.. لم يتوان عن إظهار دفائنه ومواهبه المعطلة، فأصبح لا يكاد يمر حدث سواء كان صغيراً أو كبيراً دون تعليق ساخر.. تتركب من خلاله آلاف النكات اللاذعة أو الشامتة أو الساخرة، أو العابثة.. المهم أن يستثمر الحدث لصناعة البسمة.. حتى لم يعد غريباً أن تجد من يرن هاتفه المحمول إشعاراً بوصول رسالة، وما إن يفتح الرسالة حتى يستسلم لهستريا من الضحك المحموم.. وكأنما تعرض لمن يدغدغه، أو يعبث بباطن قدمه، أو ما تحت إبطيه، وبسرعة مذهلة تنم عن الاقتصاد الفظيع في استخدام الكلمات اللازمة لإخراجه من وقاره.
حتما الموهبة لا تهبط بمظلة من السماء، ولا تأتي بفرك مصباح علاء الدين.. هي لابد وأن تكون موجودة في الأصل، وهنالك ما ينميها أو يفلت لها عقالها.. فكيف إذن تحوّل هذا المجتمع الذي وصف طويلاً بالعبوس إلى مجتمع ساخر.. والنكات التي تداولها السعوديون حول حادثة إقصاء الرئيس التونسي المخلوع، وما تم تركيبه من قصص ساخرة حولها سواء على سبيل المماثلة أو التشبيه خير دليل.. ثم -على سبيل المثال- توظيف هذه الواقعة السياسية بكل أبعادها للنقد الذاتي، ومعالجة الكثير مما يراه صناع هذه النكت باباً من أبواب التعبير الاجتماعي حول مسائل معينة.. وإذا كان أحد المسرحيين المصريين يقول: "إن المسرح الكوميدي في مصر لم يزدهر في الستينيات والسبعينيات إلاّ بسبب وجود رصيد ضخم من السخرية في الشارع المصري".. فإننا وتأسيساً على هذا القول سنتساءل: ماذا لو كان لدينا مسرح بمعنى الكلمة أو صناعة سينمائية، خاصة بعدما كشف المجتمع عن ذاته الحقيقية من خلال وسائل الاتصال الحديثة التي سمحت له أن يتنازل عن بعض وقاره المبالغ به.. ليظهر كمجتمع قادر على صناعة السخرية وبمهارة فائقة.
لقد كشف اليوتيوب ورسائل الجوال بأنواعها والانترنت عموماً عن مواهب محلية في مختلف الفنون؛ ما كان لها أن تبرز لولا هذه التقنيات التي اختصرت المسافة بين سلطة المجتمع وتلك القدرات التي صنعت الفارق لمجتمعات أخرى.. تم توهيمنا طويلاً بأنها ليست لنا!!.
حماة الوقار وتداول النكتة
لا تزال هنالك أصوات كثيرة تستفحش النكتة وترى أنها شيء من سقط المتاع، وترفع صوتها علناً بأنه تقف ضدها وضد انتشارها.. رغم أننا لو فتشنا خانة الرسائل الواردة والمرسلة والحافظات في موبايلاتهم لوجدنا أنهم أكثر من يتداولونها.. وهذه الازدواجية نجمت عن الإصرار على أننا مجتمع له خصوصيته، وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ لأن الخصوصية هي خصوصية مكان.. لا خصوصية إنسان، ولأن أيضاً مشاعر الناس واحدة تميل إلى الظرف مثلما تميل إلى الجد، وتنحاز إلى الفكاهة مثلما تنحاز إلى ما عداها.. شريطة أن يأخذ كل معنى موقعه الطبيعي كتعبير بشري، لا كحالة خوف من تهمة اجتماعية، الفرق الوحيد ما بيننا كشعب وبين سوانا.. أننا نظل ننتظر إلى أن تفرض المتغيرات نفسها علينا بقوة الحضور، فيما غيرنا يسمح للتعبير أن يأخذ مداه طالما أنه جزء من السلوك البشري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.