الارتباط بين الإنسان و المكان أمر فطري و غريزة أزلية متأصلة في النفس البشرية تنمو طردا مع مرور الزمن . إلا أن هناك عوامل قد تجعل الحب يتحول إلى كراهية والانتماء يتحول إلى براءة و المواطنة إلى غربة . لك في أهل بيشة مثال حي على ذلك الارتباط وتلك المواطنة المثالية . بيشة التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام و تضرب بجذور نشأتها في باطن التاريخ الأصيل تواجه تحديات في جبهات عدة بداية بالتصحر و مرورا بالكثافة السكانية و انتهاء بالإهمال و التهميش. بيشة التي تعيش الذكرى المئوية لإنشاء إمارتها في العهد السعودي كأول إمارة في المنطقتين الجنوبية و الغربية تقبع اليوم بين مطرقة الظروف و سندان المسؤول. بيشة التي كانت ملاذا للراحلين من شتى الأقطار لمن لفظه الفقر أو رمته يد العوز تعجز اليوم عن الإيفاء باحتياجات أبنائها البررة. بيشة التي طالما و أغدقت على زائريها من كرمها الجنوبي و أذاقتهم حلو تمرها و أطفأت ظمأ عابريها من زلال مائها تقابل اليوم بالجحود لتشرب مياه الصرف الصحي في حين كانت تحلم بمشروع التحلية شأنها كغيرها. بيشة التي تعتبر أقدم مهبط للطائرات في الجنوب هي الآن تستقبل الهموم و تودع الأحلام في مطار أصغر بكثير من طموحات أهاليها لتحدث ساكنيها عن ذكريات أمست وفاء و أصبحت جفاء. بيشة التي كانت كل الطرق تؤدي إلى نعيمها ،أصبحت منطقة محظورة محفوفة بالخطر إذا ما علمنا أن كل الطرق إليها عبارة عن مقابر للموت الجماعي.لتصبح إزدواجية بعض الطرق من المعجزات بمكان. رغم كل ذلك إلا أن أهالي بيشة ضربوا أوفى الأمثلة في الولاء والحب .بمجرد أن يتحدث إليك أحدهم عنها إلا وتشعر وكأنه يتحدث عن أمه التي انجبته أو صديقه الحميم الذي يحفظ أسراره و يبادله النجوى ،عبارات عاطفية و شعور لا تجده إلا على لسان المواطن البيشي. الأهالي اليوم ورغم كل هذا فهم لا يزالون يقدمون ما في وسعهم لإنقاذ هذه الأم الحنون من عبث العابثين و أيدي الفساد التي طالت كل شبر في جسدها. مطالبات و حقوق أستعانوا بنشرها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي و جهود ذاتية تبذل لإيصال أمانيهم لجهات أعلى بعد أن أضحت أصواتهم مزعجة في نظر السيد المسؤول .