تميزت سنة 2006 في اسبانيا بمحاولة هذا البلد الأوروبي التوصل الى اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف بشأن ملف الهجرة السرية الذي تحول الى أكبر قضايا بداية القرن العشرين والى موضوع حاضر قوة في أجندة الحكومة والمعارضة ولا يخلو من توظيف سياسي. هذه السنة الميلادية التي بقيت أيام على توديعها شهدت تشديد المغرب للحراسة على شواطئه لمنع خروج قوارب الهجرة نحو الشواطئ الأندلسية ونحو جزر الخالدات بعدما كانت هذه الطرق هي التقليدية طيلة 15 سنة الأخيرة. وفي الوقت الذي كان المراقبون يعتقدون بنهاية هذه الظاهرة، إذ تفاقمت بشكل خطير بعدما بدأ المهاجرون الأفارقة ينطلقون من شواطئ موريتانيا والسنغال نحو جزر الخالدات ونسبيا من شواطئ الجزائر نحو الأندلس. وإذا كانت جزر الخالدات تستقبل سنويا قرابة خمسة آلاف مهاجر في الماضي فخلال هذه السنة تجاوز العدد 33 ألف مهاجر افريقي موقوف، لكن الخطير هو ان قرابة ثلاثة آلاف فقدوا حياتهم في هذه المغامرة بعدما كان عدد الضحايا خلال السنوات الماضية لا يتجاوز المائة. حكومة مدريد ووعيا منها بخطورة هذه الظاهرة تحركت على أكثر من مستوى في زيارات مكوكية لوزرائها وخاصة الخارجية ميغيل موراتينوس والداخلية بيريث روبالكابا الى الدول الافريقية في محاولة للتوصل الى اتفاقيات ثنائية حول مكافحة الهجرة السرية في حين ركز رئيس الحكومة خوسي لويس رودريغيث ثابتيرو على نظرائه الأوروبيين للحصول على دعم وافي سياسي ومالي لمواجهة الظاهرة. وأسفرت هذه التحركات عن اتفاقيات ثنائية مع السنغال وموريتانيا عبر تسيير دوريات بحرية مشتركة لاعتراض قوارب الهجرة كما تمكنت مدريد من جعل المفوضية الأوروبية ظاهرة الهجرة كموضوع ذوأولوية مطلقة في الأجندة، وأبرز نجاح في هذا الشأن هو تنظيم اسبانيا رفقة المغرب في العاصمة الرباط خلال يوليو الماضي المؤتمر الأورو افريقي للتنمية والهجرة الذي انتهى بمجموعة من التوصيات التي توازن بين المقاربة الأمنية والمقاربة التنموية في معالجة هذه الظاهرة. ولم تواجه حكومة مدريد فقط مشاكل في الخارج عبر إقناع دول افريقية بالانخراط في مراقبة حدودها بل كان عليها مواجهة الداخل. فالمعارضة اليمينية بزعامة الحزب الشعبي وظفت الهجرة لمواجهة الحكومة الاشتراكية متهمة إياها بأن مسلسل تسوية أوضاع قرابة 750 ألف مهاجر سري هي التي شجعت الأفارقة للقدوم الى اسبانيا علاوة على اتهام الهجرة السرية بالرفع من معدل الاجرام والعمل السري غير القانوني. وهكذا، فالمصادر الحكومية في مدريد تؤكد بتحقيق تقدم في مكافحة الهجرة، لكنها تعترف بأن الطريق طويلة وشاقة للغاية وأن الهجرة أصبحت تأخذ قسطا كبيرا من عمل الدبلوماسية الاسبانية في دول المغرب العربي وافريقيا الواقعة جنوب الصحراء كما تحول الموضوع الى تراشق بين الحكومة والمعارضة وسيكون من ضمن العوامل الرئيسية التي ستحدد الفائز في الانتخابات التشريعية المقبلة. //نتهى// 1356 ت م