أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي المسلمين بتقوى الله عز وجل فتقوى الله وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) . وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام : مما يجب ألا يغيب عن كل مسلم أن الشيطان عدو لا يفتر ولا يقصر عن محاربة العباد قال سبحانه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ فهُوَ لا يزال يعادينا بكل ما يستطيع، فَعلينا أن نستفرغ الوسع في محاربته ونُحرِز أنفسنا من كيده بملازمة ذكر الله ولا نكون ممن قال الله فيهم (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) . وبين أن من المسائل الدقيقة التي قد تخفى على كثير من الناس وتُعدُّ من مكايد الشيطان الخبيثة ومكره الكبار ألا يكتفي بإيقاع العبد في المحرمات، بل يوقعه أيضاً في ترك الواجبات؛ إذ قد يصاحب وقوعَ العبد في المعصية قنوط من التوبة وشعور بالعجز أن ينفك عن حاله؛ فيدفعه ذلك إلى ارتكاب جميع المعاصي ويكون معتقداً أنه مادام مسرفاً على نفسه بالعصيان فلا توبة له ويسوغ لنفسه أن يتوقف عن أداء ما افترض الله عليه وأوجب بحجة أنه لا يصلح للعاصي مثله أن يصلي ويصوم وينصح ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويفعل الخير. فما أعظم تلبيس إبليس عليه، إذ سول له أن يقطع صلته بدينه وما يجب عليه! وهذا حال من يغفل عما ينبغي للمذنب أن يعمل، من التوبة والاستغفار والفزع إلى الصلاة، كما أُرشدنا إليه قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهم).. فيا عبد الله: متى ظفر الشيطان منك بخطيئة وأوقعك في زلة فاتَّبع ما أرشدك إليه نبيك صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَأَتْبِعِ السَّيِئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا). وإن قُدِّر أن عدت للذنب بعد التوبة؛ فعليك أن تعود مرة أخرى لهذا الدواء الناجع، وتحذر أن يغلبك الشيطان مرتين مرة بإيقاعك في الذنب وأخرى بتركك الطاعة، وتحرص أن تصنع لك مسارًا ثابتًا للطاعة، لا يتأثر بوقوعك في الذنب وارتكابك المعصية، ومهما غلبتك نفسك فيجب ألا تنقطع عن ثوابت العمل اليومية: القرآنِ والصلاة والذكر والدعاء التي هي زادك الإيماني، وحصنك الحصين . وأضاف يقول : فيا مخطئاً وكلنا ذوو خطأ: لا تكن كحال من كبله الشيطان ومنعه من الخير والإحسان وحجبته معاصيه أن يُصلح نفسه ويتلافى نقصه؛ فإن من الناس من إذا نصح في ترك شيء من المعاصي امتنع ولم يستجب للنصيحة بحجة أن لديه من كبائر العصيان ما لا يعلمه هذا الناصح وأن الأمر ليس متوقفاً على هذه المخالفة وحسب، وهذا خطأ؛ فكلّ ذنب له توبة تخصّه، ولا تتوقّف التّوبة من ذنب على التّوبة من بقيّة الذّنوب ، كما لا يتعلّق أحد الذّنبين بالآخر، والواجب على العاقل ألا يستجيب لمكر الشيطان وألا ييأسَ من روح الكريم المنان؛ إذ إنّ في النفس البشرية فطرةً طيبة تهفو إلى الخير وتُسَرُّ بإدراكه، وتكره الشر وتحزن من ارتكابه، وترى في الحقّ امتداد وجودها وصحّة حياتها . وأكد أن فضل الله واسع، لا تقتحمه العبارة، ولا تجسر إليه الإشارة، فلا يأس من رحمة الله، بل كلما وقَعَتْ مِن العبد زلة أحدث لها توبة متذكراً على الدوام قول الملك العلام ﴿إِنَّ 0للَّهَ يُحِبُّ 0لتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ 0لْمُتَطَهِّرِينَ﴾ ففيه تأنيس لقلوب المتحرجين من معاودة التوبة بعد الوقوع في ذنب ثانٍ؛ فمن عرف عظيم عفو الله وأن رحمته أوسع من ذنوبه لم يقنط من روحه ولم يتوقف عن تجديد توبته . وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الرسائل التي ينبغي أن تصل إلى كل مسلم ومسلمة وتبلغ كل ملازم للمعصية أن الإنسان مفطور على الفطرة السوية ومحبة الخير وقبوله وإيثاره، وكراهية الشر ودفعه ورفضه، فعلى كل عاصٍ لله أن يجاهد نفسه ويستدعيَ ما لديه من صفات الخير فيُقوِّيَها ويُنَمِّيَها، فكلّما قويت تضاءلت في نفسه نوازعُ الشّرّ، وضاقت مسالك المعصية، وسُدّت منافذ الشيطان، كما عليه ألا يجعل ما ارتكب من العصيان سداً منيعاً بينه وبين التوبة والغفران، وليعلم أنه لا يضيق على المذنبين ما وسعهم من رحمة أرحم الراحمين وأن أي ذنب مهما كان كبيراً لا يمنع المرء من محاولة العودة عنه ليكون من التائبين فذاك الرجل الذي قتل مئة نفس رغم ما ارتكب من كبائر الذنوب لم ييأس من حاله وخرج من أرضه تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فتوفاه الله وهو في طريقه إلى الأرض التي أراد أن يعبد الله فيها فأدركته رحمة الله وقبضته ملائكة الرحمة. وأشار فضيلته إلى أن مما يدفعنا إلى التوبة استشعارَنا أن الله كتب على نفسه الرحمة ووسع الخلائقَ عفوُه ومغفرتُه، وأنَّ رحمته سبقت غضبَه، وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق السماوات والأرض إلى آخر الزمان وأن الله تعالى يريد منا أن نتوب ونُهدى ويريد الشيطان أن نضل ونشقى ففي الحديث: (إن الشيطان قال وعزَّتِك يارب! لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم. فقال الرب عز وجل: وعزَّتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفَرُوني) فكن عبدالله من الشيطان على حذر واستعذ بمن خلقه وإليه فر، فهو سبحانه على طرده عنك أقدر . وبين الدكتور الغزاوي أن مما يستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام: (كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ) أنه لا غرابة في وقوع المرء في الذنوب لكن الغرابة أن يستمرئ المعاصي والعيوب وأن يستمر في طريق الغواية ولا يسلك سبيل الهداية، وليس الخطر أن يُخطئ العبد بعد استقامته لكن الخطر في عدم اليقظة التي ترده إلى الله بعد إساءته، فيا أخا الإسلام: بادر بالتوبة ولا تتردَّد ولا تسوف، ولا تَبْعُدْ عن ربك ولا تقطع صلتك بمولاك ولا تقل عن نفسك: ما فيَّ خير ولا أصلح للتوبة فهذا من مداخل الشيطان الخفية، وأحابيله الدنية. ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام كل من استزله الشيطان و كل من حاد عن سبيل الرحمن، و كل من بعد عن ربه المنان وكل من أسرف على نفسه بالعصيان، و كل من أثقلته الخطيئات، و كل من أصابه اليأس من رحمة رب البريات، و كل من غلبه هواه فأظلم قلبه وضاق صدره و كل من ظنّ أنّه فقد الأمل في التوبة فعسر أمره.. إلى كل هؤلاء أقول: تذكروا أن ربكم رحيم غفور، عفو شكور، متى أقبلتم عليه قبلكم مهما عظم ذنبكم ومهما كان من أمركم؛ ففي الحديث: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) فاهرعوا إلى من وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها، وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، وخرقت السَّبعَ الطِّباق دعواتُ التائبين والسائلين فسمعها، إنه أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة... أفلا يجدر بنا وهذا شأن ربنا أن نقبل عليه ونؤوب إليه؟! ونحن أحوج ما نكون لمغفرته، ولا غنى لنا طرفة عين عن رحمته . وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله تعالى . وقال فضيلته : أمر الله الناس بعبادته قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ففي هذه الآية العظيمة في أول سورة بعد الفاتحة يأمر الله تعالى بعبادته إحساناً من ربنا وكرماً ورحمة وإعداداً للإنسان وإمداداً له ليرقى في درجات الكمال البشري في الدنيا بإصلاحها بسنن الله المرضية التي أرشد إليها عباده الصالحين وليترقى الإنسان في درجات العبادة ليبلغ ماقدره الله له من الكمال بهذه العبادة، وليصلح الإنسان نفسه بعبادة ربه التي اشتملت على جميع الأعمال الصالحات وحفظت العبد من الخبائث والشرور والمهلكات ، وضمنت له نعيم الآخرة في الجنات فقد تكفل الله لمن قام بعبادته بالنجاة في الآخرة من العذاب ذي الدركات. وأضاف : ولأن عبادة الله هي التي تحفظ حقوق الله وهي الوسيلة اليه وتحفظ حق رسوله صلى الله عليه وسلم ثم تحفظ حق الوالدين وحق ولي الأمر وحق الأقرباء وحق الخلق على بعظهم وجزاء من قام بهذه العبادة ماقال الله عز وجل : {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ* ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ* يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ? وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ? وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ* لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } . وأشار إلى درجات الناس في عبادة الله فقال : والناس درجات في القيام بعبادات الله درجات بعضها فوق بعض فأعلى الناس درجة في عبادة الله من إذا قام بعمل صالح أراد به رضوان الله وثوابه فهو يجمع بين الأمرين وهذه الدرجة للمهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان قال تعالى : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} . وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن الناس في مرادهم بالعمل الصالح فضلاً من الله وهو ثوابه ، ورضوان الله وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} وقال تعالى: { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} فأحرص على ان تريد رضوان الله أولاً مع رجاء ثوابه لتكون ممن أتبعهم بإحسان . وبين فضيلته أن الدرجة التي دون الأولى القيام بالعمل الصالح يريد به الثواب من الله ويغفل أحياناً أن يستحضر رضى الله فهو على خير وعمله مجزى عليه الجزاء الأوفى قال تعالى : {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى? لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَ?ئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}. وأضاف : أن الدرجة الثالثة أن يقصر في بعض الأعمال ويغشى بعض المحرمات تقصيراً لايبطل أعماله ويحبطها فإن مات على ذلك فهو تحت رحمة الله إن شاء رحمه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه. وأقل الدرجات وأخطرها الدرجة الرابعة وهو أن يدخل في العبادة ويخرج منها ويدخل فيها ويخرج فهو على ما مات عليه إن كان خارجاً من العبادة فهو في النار وإن مات وهو داخل في العبادة حاسبه الله على ظلمه لنفسه أو لغيره فهو تحت فضل الله وعدله قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ?لِكَ لِمَن يَشَاءُ}. وأفاد أن أعمال القلوب هي أساس عمل الجوارح مشيراً إلى أن الصحابة رضي الله عنهم اعتنوا بعمل القلوب وأن عمل الجوارح هو أركان الإسلام الخمسة. وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي أن الغاية والحكمة من العبادات لله تعالى هي أن الوجود لا يصلح بها قال تعالى ((وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ? بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ )) وفي الخطبة الثانية بين إمام وخطيب المسجد النبوي أن القيام بالواجبات ومجانبة المحرمات ييسر الله أمره ووقاه المهلكات ، حاثاً المسلمين على عمل الصالحات وإحسان الظن بالله فالفائز من عبد الله وأحسن العمل وظن بربه خيراً قال تعالى ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَ?ئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ? وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) وفي الحديث القدسي (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي )