ترقيق القلوب أسلوب لا يجيده إلا الواعظ الديني، ويحتاج إلى مهارات خاصة في الخطابة وتوجيه الخطاب بحسب أفهام السامعين وإدراكهم، وبالنظر إلى وضع الخطاب ومواضيعه فقد استحدثت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وظيفة «داعية» التي كانت في السابق يقوم بها بعض المجتهدين لإصلاح السلوكيات الخاطئة بإلقاء الكلمات والمواعظ، ليبرز من خلال حيثيات الواقع الوعظي الذي يغلظ ويتشدد فيه الوعاظ في الخطاب سؤال مهم عن مدى قيام الواعظ الرسمي بدوره الحقيقي أم إنه يحتاج إلى واعظ يرقق قلبه؟ وفي ظل عدم كفاية وكفاءة الوعاظ الرسميين يبقى المجال مفتوحا لغير الرسميين لملء الفراغ. محمد بن مسلم مؤذن جامع الحصيني بغرب الرياض، يقول: «هناك بعض المساجد في أماكن متفرقة من الرياض لا يتواجد بها أحد من الوعاظ غير الرسميين سوى بعض الاجتهادات التي تتم عن طريق المحتسبين، في الأحياء الفقيرة»، مشيرا إلى أن «العديد من الجوامع والمتلقين من العامة خاصة في المساجد غير المعروفة وذات الأحجام المتوسطة غير راضين عن أداء الوعاظ الرسميين، فيما يرى العديد من أئمة المسجد أن الكلمات التي تلقى غير منتقاة بعناية من حيث مراعاة موقع الجامع والمستويات العلمية لمرتاديها، وتذمر بعض الدعاة الرسميين من التدخل في مواضيع الكلمات التي تفرض عليهم والتي لا تناسب أفراد المجتمع، أو قد تكون مستهلكة من كثرة التكرار». ويضيف: «كما أن هناك بعض الوعاظ الرسميين يتجاهلون المواعيد التي تتم بين إمام المسجد ومكتب الدعوة والإرشاد في عدم الالتزام بالحضور وإحراج إمام الجامع بعد الإعلان مما يضطر مجبرا إلى الاجتهاد وتوفير واعظ بطريقة غير رسمية حتى يقوم بدور الواعظ الرسمي». إمام جامع بجنوبالرياض «رفض ذكر اسمه» يشير إلى أن الأئمة والقائمين على نشاط المسجد يرغبون في الوعاظ غير الرسميين الذين يمارسون دورهم بكل احتساب دون النظر إلى أن هذه المحاضرة تكليف رسمي، ويضيف: «ليس هذا كلاما عشوائيا بل لا حظنا ذلك من خلال الأصداء التي نلمسها من تفاعل جماعة المسجد مع كلمة الواعظ». ويؤكد «الوعاظ غير الرسميين يتمتعون بقبول كبير بين أفراد المجتمع، من حيث طريقة الوعظ وتلمس حاجات الناس، واطلاعهم على كل ما يدور في عالم الشباب والفتيات، إضافة إلى معرفتهم التامة بطبقات وشرائح كل حي ومجتمع، وهذه الأمور كفيلة بأن تميزه عن الواعظ الرسمي». ويستدرك قائلا: «ليس كل الواعظين الرسميين غير مؤهلين في وظائفهم بل هناك نماذج تعمل بكل إخلاص، ولكن ما يؤلمنا أن بعض من يأتي إلى المسجد «بارد»، ويتحدث بلغة علمية بحتة بعيدا عن الطبقة العامة التي ترتاد المسجد من كبار السن والشباب الذين ليسوا طلاب علم». قد يرى الوعاظ غير الرسميين «المحتسبون» أن وجودهم لم يكن إلا بسبب تقصير بعض الجهات في القيام بكامل دورهم من ناحية توجيه الشباب والمخالفين في أماكن لا يصل إليها الوعاظ الرسميون. الداعية ناصر الجديد يشدد على ضرورة احتواء الوعاظ وصقل مهاراتهم وتوجيه قدراتهم عبر معاهد ودورات: «الوعاظ الذين يعملون في الميدان هم الأقرب إلى عامة الناس والأعلم بما يدور في أوساط الشباب، وهؤلاء الوعاظ لا يطلبون أجرا من أحد وأغلبهم على مستوى علمي يؤهلهم لإلقاء الكلمات والمواعظ بطريقة علمية، بل بعضهم يتجهون إلى القرى والهجر التي لا يوجد بها أي داعية أو واعظ رسمي من قبل الوزارة ويقومون بدور التوجيه والإرشاد والدورات العلمية قبل موسم الحج وفي الإجازات بالتنسيق مع أئمة المساجد وبعض مكاتب الدعوة. وعن تواجد الوعاظ غير الرسميين في الأرصفة والمقاهي وغيرها من أماكن تجمع الشباب، يقول: «النقاد يوجهون التهم العشوائية إلى الوعاظ غير الرسميين دون أدنى معرفة، فكثير من الشباب الذين نزورهم في السجون يلوموننا وبعض منهم لا يستقبلنا، وهي عبارة دائما ما نسمعها منهم: «وينكم عنا ونحن ضائعون في الشوارع» والمحتسبون لا يقومون بعمل مخالف إنما بالكلمة الحسنة، والهداية بيد الله عز وجل، وبفضل الله نرى قبولا كبيرا في أوساط الشباب في الجلسات؛ حيث إن أغلب الوعاظ هم من الشباب». ويرى عبدالرحمن الزامل المسؤول عن أنشطة جامع الشعبي أن دور الداعية أو الواعظ في غاية الأهمية، مؤكدا أن وضع الدعاة والوعاظ لا بد أن يطور وتفعل العديد من البرامج التنويرية التي تهم المجتمع بطريقة عصرية حتى يتفاعل الشباب مع أسلوب الدعوة، ويستفاد من الطاقات المهدرة في الأحياء بإعداد برامج أسرية منطلقة من المسجد تحت مظلة وزارة الشؤون الإسلامية. الشيخ منصور الثاري مدير مكتب الدعوة والإرشاد في حي الشفا جنوبالرياض يؤكد أن مكتب الدعوة غير مسؤول عن الدعاة غير الرسميين الذين يتحدثون في المساجد، حيث إن المكتب لا يصرح لأي شخص بإلقاء المواعظ حتى لو كان قاضيا ما دام اسمه غير موجود في البيان الرسمي الصادر من وزارة الأوقاف. ويقول: «يعود الأمر بالنسبة إلى الوعاظ غير الرسميين إلى إمام المسجد لأنه من يعرف الداعية، وقد يكون شيخا فاضلا أو طالب علم فيسمح له بالتحدث». ويستطرد الثاري: «مكاتب الدعوة جهة منسقة مع الواعظ أو الداعية في تكليفه بمهام العمل بخطة سنوية توضح الخطة التي يسير عليها، وهذه المكاتب تتلقى طلبات من أقسام الشؤون الدينية بالدوائر الحكومية والمؤسسات والمستشفيات والجامعات وغيرها لتوفير دعاة يتحدثون في مواضيع معينة، أو المشاركة في برامج، وهؤلاء الوعاظ متفرغون تماما بوظيفة داعية ومؤهلاتهم لا بد أن تكون عالية من خريجي كليات الشريعة ومعروفون بطلب العلم ومزكون من قبل كبار العلماء، والرسميون منهم يسيرون على خطة معينة في الشهر بحيث يعرف كل داعية كم كلمة لديه وفي أي مكان من المدينة التي يقطنها» .