تتطلع الدول العربية باهتمام بالغ إلى التجربة السعودية في مجال التعليم الفني والتدريب المهني، باعتبارها نموذجا أثبت فعاليته سواء على صعيد المخرجات أو استقطاب العديد من الشباب، ومعالجة أوجه القصور في مخرجات التعليم العام التي قد لا تتناسب مع متطلبات خطط التنمية وسوق العمل بخصوصيتها المحلية وارتباطها بالاقتصاد العالمي من حيث اعتماد التقنية والتوجه نحو اقتصاد المعرفة. ومن هذا المنطلق تم اختيار الرياض لتكون مقر انعقاد المنتدى العربي الأول للتعليم الفني والتدريب المهني واحتياجات سوق العمل، الذي يأتي انعقاده خطوة من خطوات ترجمة قرارات القمة العربية التي انعقدت في الكويت مطلع العام الماضي، واحتل الشأن الاقتصادي المحور الأساسي على مداولاتها، حيث يمثل موضوع العمالة الفنية تحديا عربيا شاملا، وتحديا يواجه كل دولة بمفردها. وتواجه سوق العمل الخليجية التي من التحديات، منها ازدياد أعداد السكان الذي يدفع كل يوم بأعداد جديدة من الباحثين عن فرص العمل. وتبرز حدة هذه القضايا والهموم بشكل خاص في السعودية والبحرين، وسلطنة عمان التي اتخذت في السنوات القليلة الماضية العديد من السياسات والإجراءات لمعالجة الخلل الهيكلي في أسواق العمل، وبالأخص ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين. التأكيد على أن ذلك خلل هيكلي نابع من كون 60 في المئة من الأيدي العاملة في البلدان الثلاثة، هي أيد عاملة أجنبية، وذلك حسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الوزارات المعنية في هذه البلدان. لقد اتخذت البلدان الثلاثة العديد من الإجراءات في السنوات القليلة الماضية للحد من معدلات البطالة، إلا أن هذه الإجراءات لم تؤد إلى إحداث التغيير المطلوب والخاص بإحلال الأيدي العاملة الوطنية محل الأجنبية، خصوصا بعد أن تشبع القطاع الحكومي وأصبح من الضرورة بمكان أن يصل هذا التغيير إلى القطاع الخاص الخليجي، الذي ينظر بحساسية كبيرة إلى هذا التوجه الرسمي. ونجحت هذه السياسة إلى حد ما في السعودية من خلال اعتمادها برامج الشراكة مع القطاع الخاص، وخطط التدريب المنتهية بالتوظيف، والمدعومة من قبل صندوق تنمية الموارد البشرية، بينما أدت سياسة الفرض إلى تعميق أزمة البطالة بدلا من حلها في كل من البحرين وسلطنة عمان، إذ إن العديد من الشركات فضلت إغلاق أبوابها بدلا من توظيف عمالة غير مدربة تدريبا كافيا، ما يؤثر على الإنتاجية والربحية، وهي مكونات أساسية لعمل القطاع الخاص. وهناك تجربة إماراتية جديرة بتسليط الضوء عليها في مجال توطين القطاع المصرفي، حيث ارتفعت نسبة المواطنين في هذا القطاع من 9 في المئة فقط في عام 1997 إلى 26 في المئة عام 2003، كما تضاعف عدد المواطنين ثلاث مرات تقريبا في غضون ست سنوات، وذلك على الرغم من بعض المصاعب التي واجهت هذه التجربة في الآونة الأخيرة. صحيح أن هناك قرارات وزارية اتخذت في هذا الشأن، إلا أن أسلوب وسياسات التنفيذ اختلفت تماما، فبجانب القرار الوزاري، كان هناك حوار وإقناع وتدرج مرحلي، واستخدمت قوة الفرض بالقرار الرسمي في حدود ضيقة جدا. عربيا، مسائل العمل والعمال أصبحت تحظى بمكانة مرموقة، تتصاعد وتزداد أهمية مع التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، ما يفرض على أطراف الإنتاج الثلاثة (وهي الحكومات، وأصحاب الأعمال، والعمال) تعزيز الحوار فيما بينهم، وتطوير علاقات العمل تبعا لذلك. وتشير التقارير إلى أن معدل البطالة في البلدان العربية يقدر بنحو 14 في المئة من مجمل القوى العاملة، أي نحو (12.5) مليون عاطل عن العمل، فضلا عن انتشار البطالة المقنعة والتشغيل الناقص. وغالبية العاطلين عن العمل هم من الداخلين الجدد في سوق العمل، أي من الشباب، بل برزت منذ سنوات ظاهرة بطالة حملة الشهادات التعليمية.