مع التغيرات المناخية التي تواجهها الجزيرة العربية هذه الأثناء، والتي يعتبر بعضها طبيعيا واعتياديا، فيما تعتبر حالات منها غريبة وغير مسبوقة، زوَّد “شمس” الدكتور عبدالله المسند، عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم، بمقالة علمية أكاديمية، تتناول أوضاع الطقس محليا، وتركز على حالات تكوُّن الضباب والندى والصقيع، وهي الحالات التي حملها عنوان المقال. وأوضح الدكتور المسند في مقالته أن الضباب هو عبارة عن قطرات مائية مرئية دقيقة وعالقة بالهواء، وهي تعتبر سحبا منخفضة فوق سطح الأرض مباشرة. والضباب يتكون بتكثُّف بخار الماء العالق في الجو عندما تنخفض درجة الحرارة إلى أو دون درجة الندى أو التشبُّع (أي درجة الحرارة التي يتكثف عندها بخار الماء العالق بالهواء). ويحدث الضباب في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي بارتفاع يصل أحيانا إلى ألف متر. وغالبا يتزامن حدوثه في المناطق البعيدة عن السواحل في السعودية في ساعات الصباح الأولى في فصل الشتاء. والضباب عندما يكون كثيفا يعتبر إحدى أخطر الظواهر المناخية على وسائل النقل المختلفة؛ حيث تشتت قطرات الماء العالقة بالهواء الضوء؛ ما يؤدي إلى انخفاض مدى الرؤية إلى مستويات متدنية، تصل أحيانا إلى بضعة مترات؛ ما يعيق الحركة، وربما يتسبب في حوادث جماعية. الضباب في المناطق الجافة ويضيف: “في منطقة جافة كالوسطى (على سبيل المثال)، التي تتميز بشدة جفافها وندرة أمطارها وارتفاع درجة الحرارة فيها، فإن ظاهرة الضباب نادرة الحدوث، وقد لا يتجاوز تكرارها 15 يوما في السنة. والضباب في هذه المناطق يحدث في فصل الشتاء؛ حيث يتوافر شرطان أساسيان، الأول: تدني درجة الحرارة. الثاني: ارتفاع معدلات الرطوبة النسبية فوق 90 في المئة. ويتعاظم الضباب في الأرياف وبالقرب من المسطحات المائية أيضا، كما تظهر هذه الظاهرة في أعقاب أمطار غزيرة يعقبها انخفاض في درجة الحرارة إلى مستوى نقطة الندى أو التكاثف. أما المناطق الساحلية فيتشكل الضباب في أي وقت من السنة، خاصة في ساعات الصباح الأولى؛ وذلك لتشبع الهواء ببخار الماء وارتفاع نسبة الرطوبة إلى معدلات يعجز الهواء عن حملها؛ فتتكثف على صورة ضباب”. الضباب الإشعاعي أما الضباب الذي يشاهَد في كثير من مدن ومحافظات السعودية هذه الأيام عقب الأمطار الغزيرة فهو يدعى (بحسب الدكتور المسند) الضباب الإشعاعي Radiation fog، الذي يتشكَّل في فترة آخر الليل وأول النهار، ويرجع سبب تلك الظاهرة المائية إلى عوامل عدة، منها أولا: ارتفاع نسبة الرطوبة بعد نزول الأمطار الغزيرة. ثانيا: الرياح الساكنة. ثالثا: خلو السماء من السحب ليلا، التي تحبس الحرارة؛ ما يسرع في تبريد سطح الأرض عبر الإشعاع الأرضي؛ فعندئذ يبرد الهواء السفلي فيتكثف بخار الماء العالق في الهواء مشكلا ضبابا مرئيا. والضباب الإشعاعي يبقى حبيس المنطقة الدنيا من الغلاف الجوي بسبب طبقة الهواء التي تعلوه، وهي أدفأ من طبقة الهواء الحاملة للضباب، (وهذا ما يسمى بالانقلاب الحراري، وهو ارتفاع درجة الحرارة بالارتفاع عن سطح الأرض)، وعندما تشرق الشمس وترتفع حرارة سطح الأرض ومن ثم الهواء الملاصق لها يبدأ الضباب بالتلاشي بشكل تدريجي وسريع. ضباب الوادي أما ضباب الوادي Valley fog فسبب تشكُّله يعود إلى أن الهواء البارد أثقل من الهواء الساخن؛ لذا فإنه يهبط إلى المنخفضات كالأودية (على سبيل المثال)؛ فتتشكل ظاهرة ضباب الوادي بصورة أكثر من الأراضي المنبسطة، ولاسيما إذا كان في الوادي مزارع أو فيه نهر جار؛ حيث ترتفع الرطوبة. ويمكن ملاحظة ذلك في وادي لبن في الرياض ذي العمق السحيق، الذي تستوطنه مزارع عدة، أو في منطقة الحدريين بحائل؛ فهذه الأماكن، ورغم أنها جافة، وليس بجوارها أي مصادر مياه سطحية، إلا أن الضباب يتكون فيها في الأوقات المبكرة من أيام الشتاء؛ نظرا إلى ما أوضحه الدكتور المسند في كون الهواء الساخن يرتفع إلى الأعلى فيتبقى الهواء البارد الذي تدعمه رطوبة الأرض الزراعية فيتكون الضباب. كيف يتكون الندى؟ ويشير الدكتور المسند إلى ظاهرة أخرى من الظواهر الجوية المائية التي تصاحب الأجواء التي نعيشها حاليا، وهي ظاهرة الندى Dew أو التكاثف السطحي، ويتكون عندما يتكثف بخار الماء العالق بالهواء الملامس مباشرة لسطح الأرض أو أوراق النباتات أو السيارات ونحوها، ويرجع سبب ذلك إلى تبرد تلك الأجسام ليلا ومن ثم تفقد حرارتها عبر ظاهرة الإشعاع إلى ما دون نقطة ندى الهواء الملاصق لهذه الأسطح؛ فينتج منه تكثف بخار الماء على الأسطح مباشرة عبر قطرات الندى المشاهَدة. وهي مصدر لشرب بعض الطيور والحيوانات، وتبقى هذه القطرات حتى تتبخر مع شروق الشمس. الصقيع.. عدو المزارعين وعندما تنخفض درجة الحرارة إلى مستويات متدنية تحدث ظاهرة أخرى وهي الصقيع Frost، وهو تحوُّل قطرات الماء فوق الأسطح إلى جليد بلوري. والصقيع أهم أعداء المزارع؛ حيث يشكِّل خطورة لبعض المحاصيل الزراعية التي ربما تموت أو تتضرر إذا وصلت درجة الحرارة إلى ما دون الحد الأدنى لتحمُّل المحصول؛ لذا نجد بعض المزارعين يعمدون إلى إشعال النار، ونشر الدخان لرفع درجة الحرارة ومنع حدوث الصقيع فوق حقولهم، ومنهم مَنْ يعمد إلى تغطية محاصيله بالبلاستيك، وفي بعض المزارع المتطورة نشاهد مراوح ضخمة وسط المحاصيل لتحريك الهواء ومن ثم تفويت عملية تكوُّن الندى والصقيع. الرأي غير العلمي ويُروى في القصص الشعبية أن مزارعا جمع أبناءه الثلاثة بعد موجة صقيع أقبلت على حقل العائلة، وسألهم عن التصرُّف المناسب في هذه الحالة؛ فقال الابن الكبير، وكان أحمق: “نغطيها بعباءة أمي!”. فسأل الأب ابنه الأوسط، ولم يكن يختلف عن الكبير؛ فقال: “نضع فزاعة لتخيف البرد فلا يأتي!”، فسأل الصغير، وكان الذكي بينهم فأجاب: “نسقي الزرع بالكثير من الماء؛ فلا يؤثر فيه الصقيع”، وكانت إجابة الصغير هي الحل الفعَّال، على الأقل بحسب وجهة نظر سكان الجزيرة العربية القدماء.