الرؤية التي يطرحها الدكتور خالص جلبي لعلاج الأزمة الحضارية لدى الأمة تقوم على إحياء العقل المسلم وتحريره من خلال نظرية (اللاعنف) التي يدعو إلى تطبيقها على أرض الواقع، وهي معقولة على المستوى الفردي، وقد تصلح للتطبيق، لكنها غير منطقية على صعيد الأمة؛ لأنها تتصادم مع حقائق الواقع وتتجاهل شهادة التاريخ. فالدكتور جلبي يخلط بشكل جلي في كتاباته التي تعبر عن تلك الرؤية بين (الجهاد) بأحكامه وضوابطه المعتبرة، وبين (المقاومة) التي هي حق لأي شعب محتل، و(الإرهاب) المرفوض شرعا وعقلا وقانونا؛ فهو يضعها جميعا في إطار (العنف)، كما أنه يتوهم أن الحروب في طريقها إلى الإلغاء فلا يمارسها إلا المتخلفون، كأنه لا يرى أن العالم المتحضر هو مَنْ يصنع السلاح، ومَنْ يشعل الحروب في العراق وأفغانستان! وهو مَنْ يدعِّم آلة القتل الإسرائيلية، هذه الآلة التي يرى جلبي أن يواجهها الفلسطينيون بالورود والموسيقى والمسرحيات النقدية والمظاهرات الصامتة!. لأن هذا حسب رأيه سيكون حساسا لدى الغرب ويؤنب الضمير الإسرائيلي (انظر مقاله جدوى المقاومة المدنية)، وهو بهذا يكشف جهله بطبيعة الصراع مع اليهود، وجهله بالتاريخ عندما يستشهد ب(تجربة غاندي) في استقلال الهند من الاستعمار البريطاني، وهذا تسطيح واضح؛ لأن الاستقلال تحقق بعوامل أخرى إلى جانب (سلم غاندي)، أهمها غروب شمس الإمبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية (انظر مقاله الحاجة إلى غاندي فلسطين). لذلك فإن التجربة الهندية الغاندية لا يمكن تطبيقها على حالات الدول المحتلة؛ فلكل احتلال ظروفه وتعقيداته وجذوره. وفوق هذا فإن جلبي يؤيد الاتهام بأن المسلمين أهل عنف وإرهاب وكأن جيوشهم هي التي تحتل دول الغرب، وليس العكس. إن كلام جلبي خطير؛ لأنه يعني ترك حدودنا وأراضينا تستباح لكل طامع فينا، فمَنْ يقبل الاحتلال يقبل العدوان. محمد بن عيسى الكنعان (كاتب سعودي)