هل هو كره للنخل؟ معاذ الله ومن يكره النباتات عموما والنخل خصوصا إلا جاهل. لكن أخشى ذلك اليوم أن تبهت مكانة هذه الشجرة في عيون الصغار والجيل القادم؛ بسبب طريقة زرعها وتوزيعها في الشوارع من قبل الأمانات في مدن المملكة وللأسف الشديد. إذ وأنت تسير في طريقك تراها مصفوفة في الرصيف الأوسط بالعشرات من دون مسافة بينها شهباء وقد تشبعت بالرصاص وعادم السيارات والشاحنات ففقدت الهدف من زرعها وصارت مجسمات نخيل وكأنها صناعية!، أين وزارة الزراعة وكليات الزراعة في الجامعات من هذا التضييع لقيمة هذه الشجرة، حيث تموت ببطء وتقتل بزرعها بهذه الطريقة المتخلفة. ثم أين البلديات من الأشجار الأخرى التي تسهم في الحد من التلوث البيئي، وحتى البصري والنفسي الذي يعيشه سكان المدن السعودية؟ أحد الباحثين من مصر الشقيقة ذكر أنه لو تم زراعة شجرة (النيم) بمقدار شجرة كل كيلومتر واحد لأسهمت إلى حد كبير وجذري في مكافحة التلوث في المدن. النخيل ثروة اقتصادية، ليس فقط من ناحية التمور ومساهمته في الأمن الغذائي كما يعلم الجميع، لكن كذلك من ناحية كل ما تنتجه هذه الشجرة المباركة من سعف وألياف وأخشاب وبذور تدخل جميعها في صناعات معروفة ومتعددة كانت رافدا اقتصاديا واجتماعيا لدول الخليج قبل النفط، ويمكنها أن تكون كذلك مع النفط. وأذكر أن هناك اتفاقية تمت بين شركة ماليزية وأخرى سعودية للاستفادة من منتجات النخيل، فليت الوزارات المعنية والغرف التجارية تتوسع وتستفيد من خبرة الشركات الآسيوية والعالمية في هذا المجال، فليس العيب في ذلك، بل العيب في المكابرة بأننا نعرف كل شيء، وبإمكاننا أن نعمل بأنفسنا كل شيء، وهذا ضحك على النفس وكذب أيضا؛ إذ قامت أمريكا وكندا وأستراليا اقتصاديا وعلميا على خبرات وشهادات المهاجرين. إذن مكان النخيل ليس أرصفة الشوارع الملوثة مرصوفة بهذه الطريقة ووحيدة وكأن الأرض خلت من الأشجار. ما أجملها في الحدائق، التي تشكر الأمانات بأنها بدأت تعيد الحياة إليها، ومكانها البساتين، وحتى الشوارع، لكن بطريقة مدروسة وعلى الأرصفة الجانبية كذلك. ومن منا لا يشده منظر النخلة شامخة تداعب سعفها النسمات بفيئها وجمال طلعها، ويكفي هذه الشجرة أن وصفها الله عز وجل بأنها شجرة طيبة (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء). ويكفيها أنها غذت مريم عليها السلام حين المخاض، وأن جذعها أول منبر للنبي صلى الله عليه وسلم، شجرة كهذه، تستحق منا أكبر الاهتمام، وبإمكانها أن تكون رافدا للاقتصاد مع النفط، فلا تهملوها بقتلها ببطء على أرصفة الشوارع.