عندما يختلف المجتمع على تعريف العنف الأسري وأشكاله وأدواته، وهل هو مشكلة أم ظاهرة، يكون ذلك حقيقة يجب أن نواجهها، وأن الاختلاف في الطرح والتعاطي مع المشكلات بشكل عام، يؤخر النتائج الإيجابية لحلولها، ويضعنا في مأزق للتعرف على أنجع الوسائل لحل تلك المشاكل. من خلال ندوة «شمس» حاولنا التعرف على مفهوم العنف الأسري، ووضع الحلول ومواجهة المشكلة بشكل حقيقي وواقعي، والحديث مع المختصين في عدة محاور للوصول إلى نتيجة إيجابية لتلك القضية.. في البداية تحدثت المستشارة الاجتماعية والمتخصصة في الشؤون الأسرية نورة الصويان بأن العنف الأسري هو سلوك عدواني يصبح بين أفراد الأسرة، وممكن يكون بعدة مستويات من لفظي ونفسي وجسدي. وأشارت نورة الصويان إلى أن المجتمع السعودي يغلب عليه عنف الإهمال على حسب الإحصائيات المنتشرة ضد الأطفال، ويأتي العنف الجنسي من أقل النسب، والعنف الجسدي يأتي في المرتبة الثانية، وفيما يخص الزوجات يأتي العنف النفسي، والعنف اللفظي أكثر انتشارا، ويأتي بعدهما العنف الجسدي، ثم العنف الجنسي. وحذرت الصويان من تناول هذه القضايا فيما يخص العنف الجنسي، لأنها مواضيع حساسة وفي ظل أننا نعرف الإحصائيات فيها تحفظ، موضحة أن الباحثين يصعب عليهم كثيرا الحصول على الإحصائيات. وأضافت: «يجب عدم وجود تحفظ لأننا بدورنا نريد أن نعالج قضية في المجتمع، ونحن أبناء هذا البلد لن نبحث عن تشويه بل نريد إيجاد الحلول». من جانبه، أكد عضو مجلس الشورى الدكتور مازن خياط أن العنف الأسري لا يعد ظاهرة في المجتمع السعودي، فهي حالات موجودة في المجتمع، وتعتبر من قضايا المجتمع، مشددا على أن هذه القضية غير ظاهرة، والظاهرة التي هي تكون منتشرة بشكل واسع بين أفراد الأسر في المجتمع السعودي بعدد كبير جدا. وأشار إلى أن هذه الحالات موجودة ويجب علاجها، ونحن قبل كل شيء مجتمع إسلامي محافظ، والإسلام أمرنا بعدم العنف، ولدينا أواصر الصلة بين الأسرة كبيرة كمجتمع عربي. وأكد أن هناك حالات فردية في الاستخدامات المسيئة من خلال استخدام المرأة للسرقة وللجنس، ولكن لا تعد ظاهرة كما هو مستخدم في الدول الغربية. وفيما يخص شؤون الملف في قبة الشورى، أكد الدكتور مازن أن هناك ملفات تطرح سواء بالاتصال المباشر للأعضاء أو ما يطرح في الإعلام أو بتوجيه من المقام السامي، حيث يجب أن يدرس الموضوع ويناقش، وكذلك من خلال التقارير التي ترفع من وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية، بحيث تصل بعض المواضيع ونناقشها بشكل موسع ودقيق. وهناك ملف في الشورى يدرس فيما يخص العنف ضد الأطفال والنساء، ولا يزال في اللجنة يدرس ويسأل أهل الاختصاص في هذا الشأن والجهات ذات العلاقة، فيما يخص المعضلات التي ممكن حلها، حتى نجد حلا أمثل فيما يخص العنف بأنواعه وبطريقة وبمفهوم صحيح. وفيما يخص تطور المجتمع وتعدد ثقافته وهل كان له دور في العنف الأسري، ومطالبات الزوجة في الحصول على ساحات أكثر داخل المجتمع، هل هذه مسببات في العنف الأسري، حيث أكدت نورة الصويان أن هناك ارتباطا، فنجد اختلاف شخصية المرأة بين الماضي والآن سواء في الاستقلالية ماديا أو المستوى التعليمي، وأصبح لديها الوعي وتطالب بحقوقها. وفيما يخص المطالبة بحقوق المرأة وهل ولد ذلك لدى المجتمع السعودي عنفا أسريا، أشارت الدكتورة الصويان إلى أن هذه المطالبة أحد أسباب العنف الأسري، حيث إن شخصية المرأة تغيرت وشخصية الرجل لم تتغير. وأوضحت أن المجتمع السعودي تطور من الناحية المادية والمظاهر والاستهلاك والتطور العمراني لكنه لم يتغير في العادات والتقاليد والمورث الثقافي، وأن هذه المفاهيم لن تتغير بسهولة، ويجب أن يكون هناك حزمة من الإصلاحات وإرادة جادة للتعامل مع هذه الظاهرة. وطالبت الصويان بأن تكون معالجة العنف الأسري على صعيد مجتمع وشراكة مجتمعية، وأكدت أن على المستوى السياسي أصبح هناك اعتراف بالمشكلة، وهذا إيجابي ويمكن التعامل معه. من جهته، أكد الدكتور مازن خياط أن هذه المشاكل لا يمكن أن تقع على مؤسسة أو إدارة واحدة متخصصة، فلابد أن يكون هناك تعاون مع جهات مختصة لإيضاح ثقافة العنف الأسري وخاصة في مناهج وزارة التربية والتعليم وكذلك وجود عنصر مهم في وزارة الإعلام ووزارة الصحة، وكذلك وزارة الداخلية، وجميعها جهات ذات علاقة. من جانبه، أكد إسماعيل همامي أن هناك جهات ذات علاقة يجب أن تتحرك لمعالجة هذه القضية، ولكن لا يمكن وصفها بأن العنف الأسري يعتبر ظاهرة في المجتمع. وفيما يخص قضايا التعامل مع العنف الأسري، أكدت الصويان أنها إشكالية ويجب أن يكون التعامل بحرص معها لعدم التفكك الأسري، حيث إن تعامل المختصين مع هذه القضايا للربط الأسري، وليس التفكك الأسري، مشيرة إلى أن المرأة تجبر على السكوت على العنف الأسري من خلال ثقافة المجتمع الذي يحرص عليها على السكوت للحفاظ على أسرتها. وتساءل إسماعيل همامي عن وجود جهة معينة خاصة بعلاج العنف الأسري، حيث أكدت الدكتورة الصويان أن هناك جهة تابعة للشؤون الاجتماعية ولكن يجب أن تفعل بشكل كبير، حيث إنها الوحيدة التي لديها الصلاحية للتعامل مع مشاكل العنف الأسري. فيما يخص الرقم المجاني 1919 الخاص ببلاغات العنف الأسري، أكدت الصويان أنه من المفترض أن يكون هذا الرقم على مدار 24 ساعة، بحيث يخصص للعمل في وقت محدد فقط، مشددة على ضرورة وجود كوادر قادرة على التعامل مع البلاغات فيما يخص الرد على البلاغات. وأشارت الصويان إلى تجربة دولة الإمارات فيما يخص العنف الأسري من خلال تخصيص سيدات يتعاملن مع بلاغات العنف الأسري بعد تدريبهن، وعند تلقي البلاغ يكون هناك انتقال للمنزل والتحقيق مع هؤلاء السيدات، مشددة على إلزامية مشاهدة هذه التجارب والاستفادة منها. وأضافت: «مشكلة الرقم المجاني الخاص بالعنف الأسري، أنه عند الاتصال يلزمون المرأة بالحضور للتبليغ، فبعض النساء لا يمكنهن الحضور للمقر والإبلاغ عن المشكلة، وتعتبر إشكالية وتجربة الإمارات حلا رائعا. كما أن عدم تطوير خدماتهم وإلزام المرأة بالحضور للتبليغ يعتبر تقصيرا كبيرا من وزارة الشؤون الاجتماعية لأن الجهة الخاصة بالعنف الأسري هي جهة تابعة لهم. فيما يخص الآثار المترتبة على العنف الأسري، أكدت الدكتورة الصويان أن الآثار المترتبة تعتمد على ما يحدث بعد العنف، هل سيكون هناك تأهيل فهذا بحد ذاته يحد من تفاقم المشكلة، إذا ما تم التأهيل والمعالجة، وستكون الآثار سلبية على الأسرة والمجتمع، وأكدت أنه سيصل حتى للمستوى الأمني. وعن الإعلام هل قدم فيما يخص العنف الأسري ملفا كاملا تعريفيا للمجتمع، قال الدكتور مازن خياط إن الإعلام المرئي كان له دور كبير في عرض برامج متخصصة خاصة في العنف الأسري، ولكن الإعلام المقروء كان له حضور في عرض حالات معدودة فقط. وأضاف: «نحتاج من الصحافة صفحات متخصصة لمناقشة العنف الأسري، ولكن لا يمكن اعتبارها ظاهرة، هي حالات تحدث ويجب مناقشتها للحد منها فقط». وأكدت الدكتورة الصويان أنه يجب تثقيف المجتمع فيما يخص العنف الأسري، وتفعيل القوانين بشكل جدي، وكذلك تفعيل آلية التبليغ فيما يخص المرأة لحالات العنف الأسري، حيث إن كثيرا من السيدات تضطر للسكوت لحمايتها من العواقب. وفيما يخص الإعلام وجعل قضية العنف الأسري مصطلحا شائعا، شدد خياط على إلزامية وجود إحصائيات خاصة بالعنف الأسري، من أجل مناقشة مثل هذه القضايا، حيث تغيب الإحصائيات في مثل قضايا العنف الأسري، وغياب التعاون من الجهات المختصة. وأضاف: «عند مناقشة مثل هذه القضايا دون إحصائيات تكون هناك ردود الأفعال حيث لا توجد أرقام تستند إليها لمناقشة مثل هذه القضايا». وفيما يخص الحلول والتقليل من العنف الأسري، أوضحت الدكتورة الصويان أنه يجب التركيز على رجال الدين من خلال تفعيل دورهم ومن خلال النمطية في خطب الجمعة، ويجب تناول هذه المشكلات التي يعانيها المجتمع الأسري، ومن خلال وزارة الشؤون الإسلامية، ويجب أن تكون هناك حلول لآلية التبليغ، ووجودها الآن بشكل ضعيف. وأضافت: «أنه يجب تسهيل وصول المبلغين إلى مقر الجهة المختصة، ووجود مختصين في هذا الشأن، وتفعيل القوانين». من جانبه، أوضح الدكتور مازن خياط أن العمل الآن على الوقاية والعلاج مع الجهات ذات العلاقة سواء أهلية أو حكومية لإنشاء ثقافة تحد من العنف الأسري، مؤكدا أن الجهات تعمل بشكل جبار من أجل الحد من هذه الظاهرة، مشيرا إلى أن القوانين والتشريعات في سبيل تطويرها .