تلامس الروائية منيرة السبيعي أحد أكثر مناطق المجتمع تكتما، من خلال تناولها بجرأة وموضوعية أقصى الحالات التي يتم كتمانها في الزوايا الضيقة وتنتج عنها ردة فعل متذبذبة في المجتمع، بين رفض مكتوم تحت شعار «الستر» وبين «تشهير» لا يرد المسلوب لكنه يتراوح بين مصطلح «الفضيحة» وبين ثأر يهدئ لوعة المغصوب، وبين من يعتبره حتى الآن «عاديا»! «شمس» التقت السبيعي مقتربة أكثر من منطقة ملتهبة ومستترة في آن، في حوارية لا تخلو من جرأة في استقصاء الجوانب الإبداعية في تشريح الواقع. العنوان «ظلال الوأد».. هل تريد السبيعي أن تقول إن المرأة لا تزال توأد حتى في زمننا الحالي؟ أردت الإشارة إلى أن هنالك ظلالا للوأد لا تزال تخيم على الوضع الاجتماعي للأنثى حتى وقتنا الحالي، بالرغم من انتهاء عصر دفن البنات وهن حيات، كالخوف من التبعات الاجتماعية والثقافية التي يجرها نوع الأنثى أو جنسها على أسرتها، والتستر على العار المرتبط بها والذي يلجأ الأهل إلى دفنه والتكتم عليه حتى لو كان في ذلك تجن عليها، وسلب لحقها في الحياة والكرامة كإنسانة غير مسؤولة عن أخطاء الآخرين وظنونهم ونظرتهم لها كجسد فقط. هل تسربت الحكاية من أحد الشخصيات التي تعاملت معها في مجال عملك كاختصاصية اجتماعية.. بمعنى: هل نستطيع أن نقول إن عبارة «كل شخصيات هذه الرواية وأحداثها من وحي الخيال، وأي تشابه في الأسماء والأحداث من قبيل المصادفة» كاذبة؟ لا شك أن الروايات بشكل عام مرتبطة بالواقع المحيط بنا، إذ توجد قصص مشابهة لها في الحياة الاجتماعية، وربما كان لطبيعة دراستي وعملي في المجال الاجتماعي دور بارز في معالجة الشخصيات، على سبيل المثال قرأت كثيرا في الكتب التي تحدثت عن نمط شخصية المتحرش بهم جنسيا، والمعتدي أي الذي قام بالفعل حتى أتمكن من رسم الشخصيات وردود أفعالها وآثار المشكلة عليها بشكل قريب من الواقع الذي تئول إليه حالهم، أما عن كون هذه الشخصيات نابعة فعلا أو مرتبطة بشخص بعينه فلعلها تتكئ على ما نقرؤه في الصحف والمجلات من حوادث مشابهة يكون فيها الفاعل أو المنحرف فردا من أفراد أسرة الضحية كالأب أو الخال أو الأخ.. وغيرها. هل تتهم السبيعي في روايتها «الستر» الذي يميل إلى المجتمع بتأجيج مثل هذه المشكلات؟ وهل تنصح الرواية بشكل ما إلى «فض» الستر؟ هذا يعتمد على المفهوم الذي يشير إليه الستر، بمعنى إذا كان الستر يؤدي إلى حفظ الخصوصيات وإخفاء أخطاء معينة ارتكبها الشخص وتاب عنها وصححها دون أن تمس الآخرين أو تضر بهم فهذا من الستر المحمود الذي لا بد من الحث عليه، ولكن إذا استخدم مفهوم الستر من أجل التكتم على جرائم قائمة ومستمرة تضر بإنسان بعينه وتهتك كرامته وإنسانيته وحقه في الحياة بسلام وصحة نفسية جيدة، فهنا ينتفي عن الستر كل فضائله التي يدعو إليها ويصبح أداة يخنق بها الإنسان رجلا كان أم امرأة، وهنا أكون أول الداعين إلى فض هذا الستر المزعوم. من خلال مواقف شخصيات الرواية تجاه ما حدث للبطلة نكتشف أن هناك من يعتبر ما يحدث «من اعتداء الأخ على أخته» أمرا عاديا يحدث في كل البيوت ولا يستحق الوقوف عنده، لكن في الواقع هل هذه النظرة موجودة فعلا؟ وهل تتهمين أولياء الأمور والأمهات تحديدا بتبنيها؟ هذه النظرة موجودة بالفعل في مجتمعنا المحلي وبعض المجتمعات العربية الأخرى المشابهة لثقافتنا الاجتماعية، لكنها ليست نظرة عامة ولله الحمد، بل هي حالات متفرقة، ولعلها لا تصل إلى مستوى الظواهر الاجتماعية خاصة إذا تمت معالجتها والتصدي لها عن طريق تناولها أدبيا في القصص والروايات، أو علميا في البحوث والدراسات، وهذا ما ساد أخيرا في الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية التي ركزت جهودها على معالجة قضايا العنف ضد المرأة والطفل بشكل عام سواء أكان العنف جنسيا أو نفسيا أو اجتماعيا. اختلفت لغة روايتك الثانية عن الأولى بفارق كبير، هل كان ذلك بسبب رهبة الرواية الأولى، أم أنه التطور الطبيعي للرواية، أو كانت عقدة الحكاية هي السبب؟ يصعب علي تقييم نتاجي الأدبي، ولكني مؤمنة بأهمية التنويع والتطوير في الأدوات الفنية للكاتب بشكل عام، وفي تصوري أن هنالك الكثير من العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تنويع لغة الرواية ومن أهمها الراوي، فعندما يكون الراوي هو البطل كما في «ظلال الوأد» فإن لغة الرواية كلها ستميل إلى التأمل وحديث الذات وتكثيف الوصف وما إلى ذلك، حيث لن يكون بإمكانه التوسع في التحدث عن الآخرين بحرية كاملة حتى لا تكون رؤيته الخاصة هي ما ترسم الأحداث.. كذلك فإن لطبيعة أحداث الرواية وعقدة الحكاية كما أشرت علاقة بلغتها، إذ تستلزم بعض الأحداث أن يتخلل السرد حوارات كثيرة، بينما في أحداث أخرى تكون الحوارات أقل.. وهكذا. هذا بالإضافة إلى أن كل رواية هي مولود جديد للكاتب، وغالبا ما تحمل معها ملامح التحولات والتطورات التي تطرأ على أسلوب الكاتب، إن وجدت. وضعت نموذجا إيجابا للرجل السعودي في نهاية الرواية، وهذا غير معتاد عن الروائيات السعوديات، هل تريدين أن تنصفي الرجل على حساب النص، وأن تحثي الشباب على اتخاذ موقف مشابه، أم أنك تلمحين إلى أن سعادة وتعاسة المرأة كلها تبدأ ب«الرجل»؟ السبب الرئيس في ذلك كون هذا النموذج الإيجابي موجودا بالفعل في واقعنا ولله الحمد، فهنالك الكثير من الرجال المؤمنين بحقوق الأنثى وإنسانيتها، وبكونها ليست جسدا فقط إنما روح من حقها أن تعيش في سلام وسعادة وإنصاف. النهاية الإيجابية مفقودة في أغلب الروايات السعودية، روايتك ذات نهاية إيجابية، هل كان المقصود منها إزاحة الستار عن فسحة أمل أم أنه اختلاف عن السائد؟ بالفعل أردت بث الأمل في روح القارئ، كذلك أنا بطبيعتي أميل إلى التفاؤل، وشعاري دائما أن الغد أجمل بكثير. اعتمدت على مفارقة التناقض بين الأسماء والشخوص، ف«آمنة» لا تشعر بالأمان وينتابها الخوف، هل أصبحت مفارقة التناقض بين الاسم والشخصية ديدنا وإستراتيجية كتابية؟ ولماذا الاعتماد عليها من قبل كثير من الكتاب؟ في تصوري أن الأسماء سواء للأشخاص أو الأماكن يمكن أن تختصر الكثير من الوصف، وأحيانا يكون التضاد بين معنى اسم الشخصية وواقعها مؤشرا فنيا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون دائما ذا دلالات معينة، فبعض شخوص رواية ظلال الوأد لا صلة بين معاني أسمائهم ودورهم في الرواية، بل إنها مجرد أسماء فقط، كما في اسم البندري ومنصور، وفي النهاية يبقى إطلاق أسماء على شخصيات الرواية أمر حتمي، فماذا لو قام الكاتب بتوظيف هذا الاسم ليسبغ المزيد من الوصف للشخصية أو لحالها، أتصور أن ذلك ربما كان إضافة للعمل الأدبي.