في رواية (قنبلة) للإعلامي القطري الدكتور أحمد عبدالملك اتكاء على أزمة العلاقة الزوجية التي تفرز صراعا معلنا بين الزوجين وأحيانا صراعا صامتا.وهذه العلاقة المضطربة والمشوهة استطاع مؤلف قنبلة توصيفها بجرأة إلى حد كبير. ورواية (قنبلة) تمثل ملمحاً للمشهد السردي القطري والذي يبدو أنه يقدم نفسه في حالة مشابهة للسرد الخليجي سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى التكنيك السردي. وفي هذا الحوار ل "ثقافة الرياض" نرصد رؤى المؤلف احمد عبدالملك عن روايته(قنبلة). @ في رواية (قنبلة) رصدت تكراراً للهاجس وللهم الاجتماعي الخليجي المكرر. والذي يتقاطع مع الشأن الدرامي الذي يتم تناوله من خلال المسلسلات الخليجية.،أيضا في الرواية تكريس للنمط الاجتماعي الذي أفرزته مرحلة مابعد النفط. لماذا لجأت في روايتك إلى تكرار هذا الهم الاجتماعي المكرر؟ - لجأتُ لهذا الهَمِّ الاجتماعي "المُكرر".. لأن حالات اغتصاب أعصابِ الإنسان هي ذاتها التي تتكرر ولكن في أماكن مختلفة! نحن نعيش وسط مجتمع مُنهك، ومسلوب الإرادة، فحياة - بطلة الرواية - يُمكن أن تظهر في أي بيت، وناصر أيضاً يمكن أن يكون الزوج المُحَطَّم في الدوحة أو الرياض او الرباط!؟ فالتكرار هنا يكون بالحدث ولكن ليس بالموقف والألفاظ والمشاهد. نحن لا نستطيع الانفصال عن مجتمعنا ونكتب عن أشياء وأشكال نتخيلها في المريخ أو بلوتو!؟ ثم إن كتبتَ رواية سياسية وقف أمامها مقصُ الرقيب، وإن كتبتَ عن المثلية أنت تتهم بانك تتبع الروائيات الخليجيات البارعات في هذا المنحى!؟ @ إذا ما رصدنا لغة السرد في (قنبلة) نجدها لغة مباشرة.. هذه اللغة كان يطغى عليها صوت المؤلف.وفي مقاطع كثيرة من الرواية كانت هناك خطابية مباشرة. كيف تنظر إلى مسألة اللغة في روايتك؟ - اللغة في الرواية كانت تجري على لسان الراوية (حياة) وبالتالي فهي الحدث والحديث وهي اللغة! صحيح تكون للروائي مساحات للخروج من استحواذ بطل الرواية، لكن الأهم هنا أن اللغة لم تخرج عن الخط الدرامي للحدث الروائي! كما أن شخصية البطلة (حياة) كانت تتلون وبالتالي تتلون معها اللغة حسب الموقف - لا تنس أن البطلة تعاني من شخصيتين في روحها وجسدها!؟ وذلك حتّم أن تكون اللغة مباشرة، فلم تخرج (حياة) من جسدها لتتحدث عن الآخرين! حتى وهي تتحدث عن زوجها (ناصر) فإنها بطبيعة الحال تتحدث عن نفسها أو شطرها المكسور. كما أن حدث الرواية أو الحدوته لا تستحمل لغة الوصف أو السرد غير الذاتي! وعندما تحدث (ناصر) عبر مذكرته الحمراء كان أيضاً يُمحور الحديث عن علاقته بحياة فقط، ولم يكن هنالك داع أو سبب - حسب تصوري- لما تفرضه الرواية، أن يخرج عن لغة المباشرة والشكوى والانتقاد. @ في رواية قنبلة لحظات تعرّ شفافة لأبطال الرواية..ولكنك صادرت هذه الشفافية والبوح الجريء.بأن جعلت أن ماحدث من خطايا البطلة حياة.. كان مجرد كذبة من الشغالة. هذه المصادرة هل هي نتاج خوف المؤلف من ردود الفعل؟ - كلا لم يكن الأمر كذلك، أي الخوف من ردود الأفعال الغاضبة!؟ بل إنني أشفقت على (حياة) من حالات البوح الكبيرة المساحة في الرواية!؟ ولعلك هنا تطالب بأن أتحدى (التابو) ولقد فعلتُ ذلك، خصوصاً وأن الرواية طُبعت ووُزعت في لبنان وليس في دول الخليج!؟ كما أن ما كان يحدث للبطلة، لم يكن كذبة بقدر ما هو تمازج أو تلاق بين كذبة الشغالة و حالات المرض التي كانت تهاجم (حياة) كل ليلة، وتجعلها في موقف الإثم!؟ لعل الشخصية المُركبة والمُرتبكة لبطلة قد أوحت بذلك؛ لكني أعتبر أن حالات تعرية الموقف الدرامي كانت متواجدة بكثرة في الرواية، وموقف الشغالة كان حدثاً ثانياً يسير باتجاه متوازن مع حالة (حياة). @ التوغل في الحياة الزوجية كان مغايرا في رواية قنبلة.. حتى على مستوى الرواية الخليجية لم ألحظ رصداً سردياً لمثل هذه العلاقة المضطربة. ولكن كانت مسألة التوغل محصورة في بعدها العاطفي المتشكك. الم يكن هناك اتساع لتوسيع دائرة الحياة الروائية لأبطال قنبلة؟ - أتفق معك بأن المجال كان رحباً لتوزيع دائرة الحياة الروائية لأبطال الرواية! وهذا قد يكون حافزاً لشيء قادم!؟ فنحن لم نستثمر حكايا النساء في المجلس، ولا مصير السائق الإفريقي الذي أغرم بحياة - التي تنثر العطور الشرسة داخل السيارة الفخمة التي تقلها ليلياً من مجلس (أم علي)، ويتخيلها مائدة لذيدة تغري بالالتهام!؟ خصوصاً بعد الشريط الذي يدينه!؟ ولكن شخصية (حياة) الضعيفة ومرضها حتما أن يتركز السرد حول حياتها! هنالك أيضاً حياة ابنيها عمر وعبدالله ولجوء الابن منصور إلى الجماعات الإرهابية - وهو يشكل انعطافة مثيرة في الرواية - وبالتالي سجنه وخروجه من السجن. هنالك الروي أيضاً على لسان (ناصر) فقد يجوز استثماره في خلق تداخلات عديدة نظراً لعلاقاته في القبيلة وسلوكه الحضاري وسفراته المتعددة!؟ @ لاحظت أن حياة ترتكب ما يشبه الخطيئة تحت تأثير الحالة الفصامية، لا واعية..بينما زوجها ناصر يرتكب الخطايا عن وعي تام.. بماذا تفسر هذا الانحياز والتبرير لما تفعله (حياة) تحت مظلة الحالة الفصامية. لماذا لم تتم الادانة الكاملة لشخصية حياة؟ - ناصر كان يحب حياة.. وهذا ماصرّح به في نهاية الرواية عبر المفكرة الحمراء..ولكن لم يكن هنالك انحياز لما تقوم به حياة، ولعل الانحياز أو التبرير الإيجابي كان عبر الحالة المرضية التي تنتابها لكنها كأنثى تراودها أفكار غريبة، مثلها مثل أية امراة تحتج إلى الإطراء والجنس معاً في الليالي الخاويات؟! ولايمكن أن تدان حياة إدانة شاملة - صحيح أن حالة العقل تأتيها خصوصاً مع شريط السائق الإفريقي.. وكونه حاذاها ذات ولم تمانع، لكن عذرنا لها أنها مريضة وتقوم بتصرفات غير مسئولة؟! @ سائق أم علي الأفريقي.. هو نموذج مكرر تم استحضاره في اكثر من رواية..في تصورك لماذا يتم استحضار هذا النموذج في دوره الغاوي والفحولي فقط؟ - سائق أم علي الإفريقي - قد يكون نموذجاً مكرراً - واستحضر في أكثر من رواية - هو جزء من حياة الليل في بعض المدن ؟! وهو المؤتمن على الأجساد الغضة التي تسبح في بحور العطش نتيجة هجران الزوج!؟ أما عن الدور الغاوي والفحولي - فهذا معروف في علم الأنثروبولوجيا، أن سكان إفريقيا يتمتعون بفحولة وقوة، ألا تشاهد معي دورات الأولمبياد، خصوصاً الألعاب الشاقة؟! كما أن رجلاً يتمتع بصفات رجولية كاملة، ويعيش عازباً لسنوات، وهو يشتم أنفس العطور كل ليلة من تلك الأجساد المترجرجة البيضاء لا حظ لون السائق ولون من يركب معه -!؟ أليس ذلك مدعاة أو تبريراً لاستثارة قوة وفحولة السائق؟ يعني هل تعتقد أن سائقاً بريطانياً يمكن أن يلعب الدور! الحالة في منطقة الخليج - خصوصاً المكان الذي وقعت في أحداث الرواية - تحتم أن يكون السائق بهذه المواصفات، وتلك الحالة ،ولا بأس من تكرار تلك الشخصية في أكثر من رواية!؟ @ التجربة القطرية الروائية مازالت محدودة..هل هذا يفسر أن رواية (قنبلة) مكتوبة تحت سطوة نموذج الرواية السعودية؟ - تجربة الرواية القطرية - متمثلة في القنبلة - مكتوبة تحت سطوة نموذج الرواية السعودية!! هذا قول غير حكيم! فالتجارب الإبداعية لا نقيسها بالجنسيات! فالفضاء واسع وكبير، وللعلم توجد روايات قطرية قديمة قدمت منذ أكثر من 15عاماً، قبل الموضة النسائية المثيرة للروايات السعوديات.. وأنا لن أتخاصم مع الروائيات السعوديات.. ولكن لدي رواية أخرى قبل (القنبلة) هي (أحضان المنافي) ودار حولها حديث مثير قبل 3سنوات. وهنالك رواية لكاتبة قطرية هي (مريم آل سعد) واسمها (تداعي الفصول) وصدرت قبل شهور. أنا ضد ترسيم العمل الإبداعي ووضع ختم القبيلة عليه! @ تقول(وإن كتبتَ عن المثلية أنت تتهم بأنك تتبع الروائيات الخليجيات البارعات في هذا المنحى!؟).. هل الممكن أن تسمي الروائيات البارعات في هذا المنحى؟ - أما تسمية الروائيات السعوديات البارعات في ذاك المنحنى فهذا سؤال ملغوم!؟! القارئ الكريم يدرك حجم ومساحة (الجنس) في أعمال الروائيات السعوديات!! أنا مثلاً قرأت 3روايات كلها تتحدث عن المثلية والجنس! أعفني من ذكر الأسماء، لأن بعضهن زميلات لي! ولكن هذا لا يعفينا من تشريح الأعمال الفنية الروائية، ونذكر أن بعض الروائيات يبرعن في تصوير مشاهد الجنس في الرواية، لربما أكثر من الروائيين الرجال @ هناك من يرى التجربة الروائية في قطر..هي تجربة أنثوية.وذلك باعتبار ان الأصوات النسائية هي الأبرز في كتابة الرواية.ويظل احمد عبدالملك الصوت السردي الذكوري في التجربة السردية القطرية.إلى أي حد تتفق مع هذه المقولة؟ - التجربة الروائية في قطر تجربة أنثوية. هذا ناتج عن أن أولى الروايات كتبتها امرأة (دلال خليفة) ولكن الحال قبل عشرين عاماً تختلف عما هي عليه الآن! فالتجارب أصبحت أكثر نضجاً بحكم تبلور مفاهيم الرواية، ووضوح أسسها، وتطور أساليب ولغة الرواة! أنا قدمت روايتين خلال الأعوام الأربعة الماضية، ولا يهمني من قدّم بل ماذا قدّم أو قدّمت؟ الورق كثير.. ودور النشر تلهث غالباً وراء الأسماء النسائية في عالمنا العربي وهنالك العديد من الروايات وكأنها حديث (شاي الضحى) أو تأوهات غرف النوم! أنا لا أعترض على الاتجاهات الفنية، والحفاظ على بنية الرواية وتطور شخصياتها!؟ أختلف على تسطيح الرواية وجعلها قناة فضائية تعلن عن اسم يسعى وراء الشهرة!؟ أعتبر نفسي اسماً مبتدئاً في فضاء الرواية.. ولا أتفق معك على أن الأصوات النسائية هي الأبرز في كتابة الرواية إلا من حيث الكم.