المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    رسالة إنسانية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما تدونه أميمة في رواياتها يبدو وكأنه سجل لمراحل مختلفة متوالية من تاريخ الرياض
الدكتورة سعاد المانع في حوار عن تجربة أميمة الخميس الروائية:
نشر في الرياض يوم 16 - 04 - 2009

*في البحريات قدمت لنا أميمة الخميس عالماً الحريم في مرحلة الستينات، عالما مأهولا بالخيبات والمباهج والحكايات ، عالماً متعدد النكهة ومتعدد الأطياف. كانت الحكاءة في داخلها بارعة فسردت بإنصاف دون الاتكاء على لغة العويل أو النحيب كان سردا يتسم بالشفافية ..كأنك ترى البحريات بوضوح هائل أثناء السرد .وفي الوارفة تخلت عن الشخصيات الجماعية واكتفت بالجوهرة .وكأنها تلم الحكايات المتعددة في البحريات وتختص بها شخصية الجوهرة .الجوهرة التي تمثل نموذج امرأة الثمانينات. تلك المرأة استطاعت أن تنهض بالسرد لتقدم لنا كيف الخذلان اللا مرئي صانع جيد لحكاية آسرة كحكاية الوارفة .وفي هذا الحوار مع الدكتورة سعاد المانع نرتحل إلى ملامح تجربة الروائية أميمة الخميس :
يقول الروائي إبراهيم الخضير في روايته عودة الأيام الأولى" "ما عادت الرياض هي الرياض، شيء ما تبدل فيها " من هذه المقولة كيف تجدين الرياض في روايات أميمة وهل نستطيع القول بأنها لا تكتب تاريخ الرياض الاجتماعي في شكلها العلني ولكن نرصد ذلك التاريخ في رواياتها من خلال رائحة المكان والطقوس التي تمارسها الشخصيات في علاقاتها الإنسانية والعاطفية ؟
- ربما أمكن القول إن التاريخ الذي تحمله روايتا أميمة الخميس "البحريات" و"الوارفة " لمدينة الرياض هو تاريخ المرأة في هذه المدينة في فترة زمنية معينة لكن من الصعوبة أن نقول إن تاريخ المرأة وتطوره في الرياض ينفصل عن التطورات الأخرى المتصلة بالسياسة والاقتصاد والتعليم وتركيبة السكان المتنوعة التي حدثت في هذه المدينة . وتاريخ المرأة هنا يحمل صورة المرأة وصورة المجتمع من زاوية نظر النساء خلال الشخصيات النسائية التي ظهرت في الروايتين . هذا التاريخ غير المكتوب رسميا هو تاريخ شريحة من المجتمع الداخلي في الرياض من خلال رصد صورة المرأة وتنوعها في أسر تقليدية عريقة في المنطقة تنتمي إلى طبقة ثرية أو وسطى قريبة من الثراء ( آل معبل ،آل مسير ،آل مبطي ) ، ومن خلال نساء عربيات قادمات من الشمال ارتبط بعضهن بهذه الأسر التقليدية من خلال الزواج فأصبحن شريكات لهؤلاء النساء في أزواجهن يشعرن بالتعالي عليهن من خلال تفضيل الزوج لهن ومن خلال التقدم النسبي الحضاري الذي تحمله المدن الشمالية التي جئن منها ،كما ارتبط بعضهن الآخر بهذه الأسر من خلال التدريس للبنات أو العمل أو الصداقة . تاريخ المرأة في الروايتين يصور جانبا من تاريخ المرأة في السعودية يرتبط بمنطقة نجد عموما بتقاليدها المتوارثة كما يرتبط بمدينة الرياض ومعالمها البيئية والاقتصادية والسكانية الخاصة بصفتها العاصمة . مع هذا يمكن القول إن ما تحمله الروايتان مع تنوعه في النظرة إلى طبقات المجتمع بين( مجتمع الحلة )مثلا ، ومجتمع الأطباء (طلاب وطالبات الجامعة) في كلية الطب في جامعة الملك سعود ،وبين فئة العمال ( العاملة الهندية ) التي تحضر الساندويتشات من خلف باب المنزل لسيدتها في البحريات ، و(السائق الفلبيني بابلو) في الوارفة الذي يوصل عثمان المسير إلى المسجد في أوقات الصلاة .
مع كل هذا يمكن أن أقول إن الروايتين حين تقدمان شريحة من تاريخ النساء في الرياض، لا يعني هذا أن هذه الشريحة تمثل كل ما كان موجودا في الرياض في الفترة الزمنية التي تصورها الروايتان. بطبيعة الحال ليس المطلوب من الروائي أو الروائية أن يمثل تمثيلا تاما جميع الفئات التي عاشت في فترة معينة في بيئة معينة، لكن يكفي أن يقدم شخصيات نشعر كأننا نعرفها في هذا المجتمع أو سمعنا عنها .أما بالنسبة لرصد تاريخ الرياض الاجتماعي في شكله غير العلني من خلال "رائحة المكان والطقوس التي تمارسها الشخصيات في علاقاتها الإنسانية والعاطفية " ، في قراءتي للروايتين أجد تصورا مختلفا . هناك روايات أخرى سابقة رصدت التاريخ غير العلني للمجتمع في الرياض . ما أراه في ما أشرت إليه على أنه "رائحة المكان والطقوس ... " أراه يقدم سمات خاصة لشخصيات الرواية مما يعطي هذه الشخصيات خصوصيتها التي لا تجعلهما تغيب في ضباب كثيف ضمن شخصيات روايات أخرى سابقة ، كما أراه في الروايتين يقدم جانبا من صور النساء في الرياض لا نجدها في روايات سابقة .
في رواية البحريات نجد أبو دحيم وبناته السبع الذين اختفوا في ظروف غامضة، كانوا يمثلون رعباً حقيقياً لآل معبل فذلك الاختفاء الغامض جعل أبو دحيم وبناته حكايات أسطورية واصبحوا في مصاف الجن، وفي رواية الوارفة كانت هناك إشارات بتمتع الجوهرة بمزايا وكرامات. لكن تلك الإشارة انقطعت خلال السرد. هذه الخطفات الأسطورية ماهي دلالتها في السرد وهل هذه الإشارات تدخل نص أميمة في الواقعية السحرية ؟
- تنبع قوة الحكايات الأسطورية في كل مجتمع وفي كل زمن من وجود ذهن يصدقها .والرعب الحقيقي الذي استولى على آل معبل من وراء الاختفاء الغامض لأبي دحيم وبناته السبع يوحي للقارئ (القارئة ) ببساطة العقلية التي ينتمي إليها المجتمع الذي يعيش فيه آل معبل و الاستجابة لهيمنة الخرافة عليه .نجحت الرواية في تصوير مجتمع يهيمن عليه ذهن بسيط يجنح إلى تصديق الخرافة ويبتعد عن النظرة الواقعية للأشياء والتحليل الذهني للأمور. أما بالنسبة للوارفة وتميز الجوهرة بما أطلقتَ عليه "مزايا وكرامات" يبدو لي هذا مختلفا ، يبدو هذا امتدادا لخيالاتنا حول الحياة والناس. كثير منا تكون له تصوراته الخاصة عن الآخرين وتخيلاته المميزة لكل واحد منهم وليس ضروريا أن تكون كرامات . و يبدو لي – إن كنت ُ فهمت السؤال على وجه يتفق مع ما قصدتَ إليه - أن الإشارة إلى ما أطلقتَ عليه "كرامات" الجوهرة لم تنقطع أثناء السرد وإنما استمرت هذه "الكرامات " حتى نهاية الرواية. لقد ظل السرد في الرواية يصف شبقلي من خلال تخيل الجوهرة له مشيرة إلى قرينه "ظل قرينه يلهو في أردية لاعب أكروبات السيرك ، يلوح لها خلفه .." ص132 .وظل السرد يحدثنا عن ليبرمان الطبيب الكندي من خلال رؤية الجوهرة له فقد كانت تتأمل قرينه" كان قرينه باهتا مخفيا لا تبدو منه سوى نظارتيه ..." ص257
زمن الوارفة ابتدأ من حيث انتهى زمن البحريات.. هل هذا يشير إلى أنها تنطلق في زمن سردي برؤية محددة تاريخيا؟
- أجد بصفتي قارئة –تنتمي إلى نجد وعاشت معظم حياتها في الرياض – ان الروايتين تبدوان وكأنما هما سجل لمراحل مختلفة متوالية من تاريخ الرياض . وعلى وجه التحديد قد يبدو في البحريات بدايات دخول النساء في الرياض إلى التعليم ، وبدايات التقاء بعضهن بالعالم الحديث وبالدراسة العليا في الغرب من خلال السفر مع الزوج فنوال زوجة متعب " تتحدث عن شهادتها التي نالتها من بريطانيا " و" كونها أول سعودية باستطاعتها تصميم ميزانية لمؤسسة تجارية كبيرة وعن الشهادة التي حظيت بها من الأكاديمية الملكية البريطانية " (كما بدا تلقي بعضهن العلم عن طريق الابتعاث . وقد يبدو في الوارفة معاناة فتاة نجدية تنتمي لأسرة تقليدية تماما لكن طموحها هيأ لها أن تثبت مكانا لنفسها ضمن جيل الطبيبات في الرياض. ربما يكون هناك في الوارفة تداخل وامتداد لزمن البحريات فلا تبدو لي نهاية زمن البحريات تمثل البداية لزمن الوارفة .
في الشخصيات الذكورية لروايتي أميمة .ليس هناك نموذج سلبي تماما وأيضا ليس هناك نموذج ايجابي. هناك ما يشبه الاتقان في كتابة الرجل ودون مواقف مسبقة.. هل تجدين ذلك الحياد الذي شعرت من خلال النماذج الذكورية في البحريات والوارفة؟
- لو كانت الشخصيات (الذكورية) تحمل نموذجا سلبيا تماما أو نموذجا إيجابيا تماما لفشلت الرواية أن تصل إلى أدنى حدود كونها رواية! هذا ليس له علاقة (بالحياد وعدم وجود مواقف مسبقة من الرجل ) لكن طبيعة الفن في العمل الروائي في رواية تتعامل مع المجتمع ومع التاريخ تتطلب شخصيات طبيعية في حدود البيئة التي توجد فيها . الشخصيات في الطبيعة لا يمكن أن تكون إما بيضاء أو سوداء ، لكن ما يوجد هو ذلك التداخل المعقد بين الأسود والأبيض ومختلف الألوان. قد تزيد أحيانا نسبة لون معين على غيره فتتضح سمة معينة في إحدى الشخصيات (سواء أكانت شخصية رجل أم شخصية امرأة ) .
شخصية ( سعد ) في البحريات هو اليساري الذي انضم لتلك الشلة التي تمارس الشرب والشتم وتقتات السياسة في إحدى شقق «العطايف». هذا الاقتراب من استحضار شخصية السياسي الخائب .ماهو دلالة استحضاره بتلك السلبية ؟
- في تصور( النقد المعاصر) ليس بإمكان أي قارئ أن يتنبأ بمقاصد (المؤلف) المؤلفة حول دلالة استحضار هذه الشخصية في الرواية في إجابة محددة . لكن يمكن أن يقدم القارئ رؤيته الخاصة واستنتاجاته الخاصة حول وجود هذه الشخصية . في قراءتي تبدو هذه الشخصية تعكس جانبا ملحوظا لشريحة من شرائح المجتمع ليس لها من الثقافة إلا السطح ,وليس لها من الخبرة بالسياسة غير معرفة الأسماء (اليمين واليسار مثلا) ، لكنها تعيش تحت وهم أنها تؤدي دورا( تقدميا) في المجتمع ، لكنها في حقيقة الأمر لا تقوم بأي شيء. هذه الشخصيات تتسم بالتقليد لمجتمعات أخرى مجاورة أو لما قد يمر بها من معلومات من خلال قراءة سطحية للصحف أو سماع للأحاديث في المجالس في البلد نفسها أو عند السفر خارج البلاد لسبب أو آخر. وهي غالبا خاوية الوفاض من الثقافة .
لدى أميمة ولع بالشخصيات الهامشية في رواياتها. وبرغم ذلك الولع إلا إنها تجعل حضورهم كالبرق في النص. يضيئون ثم يختفون. هذه الشخصيات الهامشية بكثافة تعدديتها ، كيف تجدين قدرة أميمة في توظفيها والإمساك بها إلى ما يخدم نصها الروائي ؟
- في تصور( النقد المعاصر) ليس بإمكان أي قارئ أن يتنبأ بمقاصد (المؤلف )المؤلفة حول دلالة استحضار هذه الشخصية في الرواية في إجابة محددة . لكن يمكن أن يقدم القارئ رؤيته الخاصة واستنتاجاته الخاصة حول وجود هذه الشخصية. في قراءتي تبدو هذه الشخصية تعكس جانبا ملحوظا لشريحة من شرائح المجتمع ليس لها من الثقافة إلا السطح، وليس لها من الخبرة بالسياسة غير معرفة الأسماء (اليمين واليسار مثلا) ، لكنها تعيش تحت وهم أنها تؤدي دورا( تقدميا) في المجتمع ، لكنها في حقيقة الأمر لا تقوم بأي شيء. هذه الشخصيات تتسم بالتقليد لمجتمعات أخرى مجاورة أو لما قد يمر بها من معلومات من خلال قراءة سطحية للصحف أو سماع للأحاديث في المجالس في البلد نفسها او عند السفر خارج البلاد لسبب أو آخر. وهي غالبا خاوية الوفاض من الثقافة .
شخصية سعاد في البحريات ربما هي الشخصية المركبة في الرواية، وهي الأكثر تعقيداً، فهي الزوجة التي تخون، وهي التي تزوجها زوجها لأنها تسمح له بالشراب وهي الزوجة التي عندما تذهب إلى الشام لا تجد من أهلها سوى تفتيش حقائبها .ونجد في الوارفة شخصية سارة بنت يحيى .وهي تمارس ذات الفعل الذي مارسته سعاد. كيف تنظرين إلى قدرة أميمة في تقديم المرأة في هذا النموذج البوفاري ؟
- أجد –في قراءتي- بين الشخصيتين تباينا كبيرا. تبدو الشخصية الأولى في البحريات تعيش قلقا وبحثا عن سعادة غامضة في عوالم ليست ميسورة . جاءت من الشام إلى بيئة غريبة ، وقابلها نساء البيت بالكراهية، وفقدت أخاها في الشام وهي غريبة في الرياض .وكان لها ضرتان وزوج سكير لا تشعر معه بأي توافق عاطفي , ولا تحمل شخصيته ما يبث في نفس أي إعجاب . كان فاشلا في التجارة وفاشلا في الثقافة وفاشلا في الحديث الجذاب. ووجدت في متعب وحديثه الهاتفي مجالا لخيالاتها بالمتعة والسعادة .لكن هذه المتعة محفوفة بالمخاطر كما انها محفوفة بالمنغصات فمتعب في الواقع غير متعب في الهاتف.
أما الشخصية الثانية سارة بنت يحيى في الوارفة فتبدو متصالحة مع ذاتها تستطيع أن تحقق السعادة لنفسها وأن تعبر عن ذاتها تحت أي ظروف إذ لا تبدو تحمل قلقا أو صراعا داخليا يجعلها تختلف مع نفسها حتى وإن تراوح مزاجها بين الفرح والخيبة حين تعتريها " طفرات مزاجية بين أرجوحة الفرح والخيبة ) ص80.."سارة من أولئك الذين نبتوا فوق الأرض ليمتهنوا صناعة الفرح، لربما سارة بنت يحيى ولدت لتكون مغنية أو راقصة سعيدة تخاطب من حولها بانثيالات الجسد، ولكن قدرا شريرا جعل منها أنثى مطلقة في نجد " ص108 ..
متعب المثقف الذي عاد من بريطانيا أوهم سعاد بأنه مختلف عن الرجال الصحراويين الذين يتعاملون بجلافة مع النساء وفي رواية الوارفة نجد نموذجاً يقابله وهو الطبيب الأعرابي .لكل منهما تحايله وشعاراته التي يرفعها في جدله العاطفي مع المرأة ..هل نقول إن الطبيب الأعرابي هو امتداد لشخصية متعب المثقف .وهل نقول إن صياغة هذين النموذجين هو يمثل إدانة للرجل المتعلم والمثقف ؟
- هل متعب هو من أوهمها أم هي نفسها التي توهمت هذا ؟ أليس شعور الملل والرتابة وعدم الخبرة في العالم وفي النفس البشرية هو ما جعلها تتوهم في متعب شيئا جميلا مختلفا عن الآخرين ! وربما كانت تبحث في الخيال عما يغير الركود في حياتها ،ووجدت الواقع مختلفا . هناك أيضا فكرة أخرى تستحق الوقوف عندها أحقا كل رجال الصحراء يتعاملون بجلافة مع النساء ؟ ألم تكن زوجة متعب تبدو سعيدة معه ؟ألا يستحق الأمر أن يغدو بحثا طريفا في أقسام الدراسات الاجتماعية !أما بالنسبة للطبيب الأعرابي وتبدو التسمية طريفة تحمل المفارقة طبيب و أعرابي لا يبدو لي أنه امتداد لمتعب فالشخصيتان مختلفتان كل الاختلاف هذا تهيمن عليه البداوة وذاك يبدو ابن مدينة يظهر وجه التشابه فقط في كون كل منهما متزوج ولديه أطفال وفي الوقت نفسه يقيم علاقة هاتفية بامرأة أخرى.. أما السؤال حول ما إذا كانت " صياغة هذين النموذجين هو يمثل إدانة للرجل المتعلم والمثقف "؟؟ ليس بمقدوري أن أقرر ما قصدت إليه المؤلفة ، لكن بالنسبة لرأي لا أرى أن للتعليم والثقافة دورا كبيرا في مجال تهذيب العلاقة بين الجنسين . أرى أن العلاقة بين الجنسين ترتبط بمدى التهذيب في التصرف . ومدى الدماثة في الشخصية .
رواية "مدن الملح" كذلك تقاطعت مع رواية "مسك الغزال"، لكن برؤية مختلفة فهناك فرق كبير أن تكتب من داخل المكان وأن تكتب من خارجه.. فإن كانت مدن الملح غيبت حضور المرأة وكانت رواية ذكورية، كذلك مسك الغزال رواية تكتب بضدية سلبية ضد المجتمع الصحراوي نجد رواية «البحريات» تضج بالنساء ويتم منحهن حق الحياة الروائية بانسيابية. كيف تجدين التقاطع بين البحريات وتلك الروايات ؟
- لا أدري ما المقصود بتقاطع البحريات مع "مدن الملح " ومع "رواية مسك الغزال " . فليس يوجد في نظري ثمة تقاطع إلا في المكان . تختلف البحريات في عوالمها عن عالم مدن الملح ،الزمن مختلف وكذلك الرؤية . مع ذلك لا أجد أن مدن الملح غيبت حضور المرأة . لقد كانت المرأة موجودة في مدن الملح ولكن كان لها دور تقليدي . أما بالنسبة لمسك الغزال فتبدو صورة مدينة الرياض تعكس مظهرا خارجيا فقط . ووجود الشخصيات النسائية فيها يبدو شعور نساء غريبات في مجتمع غريب عنهن .
الشخصيات النسائية في البحريات لا تظهر ملامحهن كضحايا أو أن لديهن حالة تذمر من التسلط الذكوري، بل إن الأمر يبدو مألوفاً جداً، فأبو صالح يعدد من النساء كما يشاء، أبناؤه كذلك، انسجام النساء مع أدوارهن السلبية في الحياة كان واضحاً وما تبني بهيجة لوصايا أم صالح وممارستها بحق سعاد إلا دلالة على انسجام البحرية مع شروط المكان. ما تفسيرك لحالة الرضا السلبي من نساء البحريات؟
— ليس ضروريا أن يكون النساء ضحايا في هذه الرواية أو في المجتمع الذي تصوره الرواية لكنهن نساء تقبلن الدور الذي وجدن فيه . هناك نساء في واقع الحياة لا ينظرن إلى الأمر على أنه تسلط ذكوري لكن يرينه جزءا من سنن الحياة أن يكون للرجال دور وللنساء دور آخر . أما بالنسبة للبحريات لم تكن نسبة التعليم عند بعضهن أفضل مما هو عند نظيراتهن من بنات الصحراء . كن نساء تقليديات غاية ما يعنيهن أن تكون الواحدة منهن استولت على قلب زوجها حتى تحظى منه بالمزايا التي تريدها لنفسها . يتصل الأمر في حقيقته بنظرة المرأة لنفسها وكذلك نظرتها للدور الذي تتخيله لنفسها في المجتمع. كن نساء لا يفكرن في خارج الدور الذي وجدن أنفسهن فيه (سواء نساء الصحراء أومن أسمتهن أميمة البحريات "
اللغة عند أميمة لغة سردية محكمة ..لكن هذه اللغة هل هي ابنة نصها الروائي .وكيف ترصدين عامل اللغة في تجربتها ؟
-.. لا أدري أي جوانب في اللغة ينظر إليها السؤال . لكن تبدو اللغة - في قراءتي - للروايتين تحمل في كثير من المواضع جانبا يعبر عن روح شابة تتسم بمرح صبياني حيث تظهر مثل هذه التسميات " الدكتور أبو بطيخة "..و"طلال الدب " والطبيب الأعرابي ،و" طلو . وعبيد الخلا كما تحمل اللغة جانبا ملحوظا من نبرة ساخرة مثلا حين تصف أحاديث الجوهرة الهاتفية " كانت فقط تحاول أن تتقن عرضا تبدو فيه مشروعا خرافيا لزوجة مثالية ، وضعها الرحمن بين يديه على الهاتف , ولا مناص من الارتباط لأنها هبة سماوية ".ص130 وتصف احمد شبقلي " لم يكن به أمر مميز ..سوى أن شخصيته تشبه مقدمة سيارة ضخمة ترتاد جميع الأمكنة الوعرة بجسارة " ص131 . النبرة الساخرة في نظري تبدو واضحة – في لغة أميمة _في أكثر من موضع.
من جانب آخر تبدو قدرة أميمة على استعمال خاطف للهجة المحلية لمنطقة معينة أو فئة معينة من خلال لفظ معين أو جملة معينة يؤدي دورا مهما في تصوير الشخصية كما في تصويرها شخصية الطبيب البدوي .
في رواية البحريات وكذلك الوارفة ليس هناك شخصية ذكورية تتقاطع مع شخصية ذكورية أو يكون هناك حديث مباشر بينهما . العلاقة في رواياتها تتم بين امرأة وأخرى أو امرأة ورجل. هل لاحظتِ هذا الأمر وبماذا تفسريه ؟
- أتفق مع هذه الملاحظة ، لعل هذه الناحية تتصل بكون الروايتين تعكسان عالم النساء في مجتمع مدينة الرياض. وربما كان هذا ما يعطي الروايتين سمتهما الخاصة حيث يشعر القارئ ( القارئة ) أنه ينظر إلى الرجال من زاوية رؤية النساء لهم، وينظر إلى العالم الخارجي كله من داخل أسوار البيت . يجد القارئ نفسه (أو القارئة ) لا يكاد يعرف شيئا عن عالم هؤلاء الرجال الداخلى ما هي أفكارهم ماهي طموحاتهم ! ولا يكاد يعرف شيئا عن عالمهم الخارجي مشكلاتهم المتصلة بكسب المال أو الصراع مع بعضهم البعض من أجل التنافس على مكسب معين أو الحصول على سلطة معينة .
في رواية الوارفة نجد الجوهرة الطبيبة الناجحة عمليا وعلميا خائبة عاطفيا وذات حظ سيء مع الرجل. كيف رؤيتك لهذا النموذج ؟
- نحن بحاجة أن نحدد ما المقصود بخائبة عاطفيا ؟ ألكونها طلقت من زوجها الأول ؟ ولكونها لم تنجح في إقامة مشروع زواج مع الأشخاص الذين عرفتهم؟ في تصوري المسألة أبعد من أن ننظر إليها على أنها ناجحة هنا وخائبة هناك . الإنسان عموما( امرأة أو رجل) له جوانب مختلفة ليس ضروريا أن يكون الإنسان ناجحا ومتميزا في موقف معين ليكون متميزا في جميع مواقف الحياة تبدو الجوهرة- من خلال قراءتي - تحلم أن تحقق لنفسها سعادة رومانسية ، لكن لم يكن في الجو حولها ما يحقق لها هذا فلم يكن في من عرفتْ من حملت له إعجابا غامرا حقيقيا ، في الوقت نفسه تبدو سمات المسؤولية في شخصيتها تباعد بينها وبين أن تتخلى عن شعورها باحترام الصورة المثالية التي رسمتها لنفسها. وحتى حين ارتضت أن تبحث عن سعادة في حدود الواقع المعاش، ما كان ليريحها أن ترتبط بالإساءة إلى أي أحد ( لن ترضى عن نفسها لو تصرفت تصرفا يسيء إلى أبيها أو أسرتها حسب شروط المجتمع الذي تعيش فيه )، ( ولن ترضى عن نفسها لو انتزعت زوجا من أسرته، ومن هنا رفضت الطبيب الأعرابي حين طلبت منها زوجته ذلك)
الجانب الحسي حاضر في الروايتين لكن أميمة عندما تكتب المشاهد الحسية تكتبها بلغة شعرية أقرب إلى التوصيف وإلى شعرنة اللحظة . كيف هي رؤيتك لحضور هذا الجانب في نصها الروائي ؟
تبدو هذه الملاحظة – في رأيي- في مكانها تماما. تعتمد الرواية في هذه المواقف على الإيحاءات والإشارات وليس التصريح ، في أحيان كثيرة يكون الإيحاء أقوى أثرا من التصريح. وفي تصوري أن ما عرف في مصطلحات النقد العربي القديم ب "التخييل " وكان يهدف في ما يقوله النقاد الذين ينتمون إلى التيار الفلسفي ( لعل أشهرهم حازم القرطاجني) إلى التأثير في المتلقي بصورة تحرك المشاعر، وهو ينطبق عندهم على القول الشعري عموما سواء كان هذا القول منثورا أم منظوما؛ يمكن أن استعمله هنا بصورة خاصة . أجد أن أميمة تعمد إلى " التخييل" كي توحي بما يمكن أن يكون بصورة مبهمة تتيح لخيال القارئ ( القارئة ) أن يذهب كيف يشاء دون سرد للتفاصيل . من جانب آخر يمكن القول إن الوصف الحسي الصريح في بعض الأحيان يحول الكتابة الروائية أحيانا إلى مجرد كتابة "برونوغرافية" .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.