«لا تتفلسف!»، عبارة تقرع طلبة أذن الشخص الموجهة إليه معلنة عن ارتكابه لجريمة نكراء شعبيا وهي التفلسف.فالفيلسوف، «المتفلسف»، و«فيلسوف زمانه»، كلها عبارات إسكاتية استئصالية تستخدم عندما يضيق المستمع ذرعا بما يسمع أو ربما بما لا يفهم. وبغض النظر عن شؤم رغبة البعض في إسكات الآخر، فإن الفلسفة يحق لها أن تطالب بتعويض على ما ينوبها من الاستعمال الشعبي لاسمها. اختبرني «إنترنتيا» أحد المهتمين بالفلسفة بأسئلة لم يجز لي إلا أن «أتفلسف» بها علنا في محاولة لتصحيح المفهوم العامي المغلوط، علنا نتفلسف من دون أن نتخوف. - ما المقصود بالقول «لا توجد فلسفة، بل تفلسف؟» الفلسفة لا توجد من دون أن يتفلسف أحدهم، أي أن الفلسفة صنيعة التفلسف. وثانيا الفلسفة معجزة يونانية خالصة.. ما الخطأ في هذا القول؟ المشكلة تكمن في كلمة «خالصة»، هذه كلمة استحواذية إقصائية. اليونانيون كانت لهم الريادة في الفلسفة، لكن من حكرها عليهم؟ أرسطو كان سيغضب كثيرا لو سمع هذا الكلام. المشكلة الأكبر في كلمة «معجزة». فلو توافر لأي شعب المناخ العام اليوناني لوجدنا الفلسفة بذات الازدهار. الأمر لا يتعلق بال DNA الخاص باليونانيين. أسلوب التفكير هذا بمثابة بطاقة طرد حمراء لجميع اللاعبين الآخرين في ملعب التفلسف. - اذكر خصائص الفلسفة المذهبية التي تميزها عن الفلسفة الخاصة. الفلسفة الخاصة هي فلسفة «فلان»، وهي في النهاية كما يفترض فلسفة لها الخصائص الأساسية المفروض توافرها في الفلسفة. الفلسفة المذهبية هي فلسفة فلان و«شركائه». متى ما توافر الشركاء والأتباع صار الشخصي «مجموعيا» ووجود الشركاء ليسوا بالضرورة كون الفلسفة شعبية. فالفلسفة المذهبية ليست جماهيرية بالضرورة، وكثير من الفلاسفة ماتوا مهمومين من قلة التقدير، ففكر الفلاسفة يتخطى الحواجز «الزمكانية»، ونادرا ما يجد «فلان» من يقاسمه رأس مال «شركته» غير الشعبية. كلما كان المتواجدون في المحيط أفهم لهذه الحقيقة، عجل ذلك بتحول الشخصي إلى مذهبي لكنه لا يضمن هذا التحول بالضرورة. - ما أوجه الاختلاف بين الفلسفة والدين؟ الفلسفة يخط فكرها شخص أو أشخاص. الدين يأتي من مصدر إلهي. - لماذا توافق أو لا توافق على قول السوفسطائيين «إن القيم نسبية متغيرة بتغير الزمان والمكان؟» نعم + لا = لعم! فالقيم كالخير، الجمال العدل كلها قيم مطلقة فلسفيا، لكنها نسبية عمليا. فلا أحد سيعارض حقيقة كون الأمانة قيمة «بتشديد الياء» بحد ذاتها ولهذا سميت القيم values قيما، لكننا حتما في ظل غياب المرجعية سنختلف على تطبيق الأمانة. القيم مطلقة من حيث المبدأ، نسبية من حيث التطبيق الذي يختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال والأشخاص. - هل توافق على اعتبار أفلاطون الدهشة أصل التفلسف؟ أعتقد أن القدرة على الاندهاش هي ما يصنع لدينا العقلية التساؤلية النقدية والفلسفة لا تنمو في أرض عاقر من التساؤل. - لماذا يوصف العلم بالموضوعية في حين لا توصف الفلسفة بها؟ العلم يبحث عن الحقيقة حسيا، فلن لن يختلف اثنان عن رؤية الحديد يتمدد بالحرارة. أما الفلسفة فاجتهاد عقلي، فيه قدر من الذاتية، لأن الحس «المشاهدة» الاجتماعية ليست العنصر الرئيس فيه . برأيي، إنها العين العلمية «البصرية» في حالة العلم في مقابل العين الاجتماعية «التبصرية» في حالة الفلسفة. - يرى بوذا أن «الحياة لا تخلو مطلقا من الألم، والتخلص منه يكون بالزهد في الدنيا والإعراض عن الرغبات والشهوات، وعن خيرات العالم المادية» عبر عن وجهة نظرك حول هذا القول؟ مع احترامي لبوذا، لكن أفضل أن تكون الدنيا بحلوها ومرها في يدي والآخرة في قلبي. فليس من الحكمة أن أتسلى بالزهد، حين أعجز عن التعامل مع الدنيا. الدنيا طريق الآخرة والتعامل الإيجابي مع الألم هو ما يصنع السعادة.. التعامل لا التعامي. - لماذا لا يؤدي «الشك المطلق» إلى التفلسف؟ ويظل الرجل يشك ويشك، حتى يكتب شكاكا. إنها الحاجة إلى عقلية تساؤلية اندهاشية لا إلى عقلية شكاكة بصورة هدمية. أهلا بالشك المنهجي، وبعدا للشك المطلق. - يرى أرسطو أن «الفضيلة وسط بين رذيلتين»، اشرح هذا القول. «بضدها تعرف الأشياء»، لو لم يكن هناك رذائل لما كان هناك شيء اسمه الفضيلة. فالإنفاق السليم يقع بين الإسراف والتقتير; ولو تخيلنا أن لا وجود للرذيلتين الأخريين في حياتنا لما عددنا الإنفاق المتوازن فضيلة. ولو لم نكن «أمة وسطا» لما كنا أهلا لتحمل فضيلة أن نكون شهداء على الناس. - علل: دراسة الفلسفة تبعدنا عن التعصب الأعمى للآراء والمذاهب. هذا قول فيه تعصب بدوره. الصحيح هو أنه لو حاولنا التفكير بعقلية فلسفية، «ربما» حينها نكون أقل تعصبا، وأقوى بصيرة. - ما النتيجة التي تترتب على القول «الإنسان مقياس الأشياء جميعا؟» نفس النتيجة التي يترتب عليها ادعاء القطط بأن «القطط مقياس الأشياء جميعا!». - لماذا اعتبر أفلاطون أن الإحساس لا يستطيع أن يزودنا بمعرفة ولا يستطيع أن يعطينا علما من أي نوع؟ لأنه ذاتي بصورة مفزعة; عليه أن يمر بالعقل والتجربة لتقل فزاعته. - ما الذي يحول «الشيء» من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل عند أرسطو؟ حرف الجر «إلى!». يرى الرواقيون أن الحرية تكتسب من خلال التخلص من الشهوات جميعا. وضح من وجهة نظرك مدى صحة هذا القول. جميل، لكن ماذا لو كانت الحرية بحد ذاتها شهوة؟ نكون عندها تخلصنا من جميع الشهوات وأبقينا على شهوة الحرية! كانت هذه نظرة سريعة على الفلسفة. إنها نسق في التفكير، ثقافة عيش يومية، وبحث في بواطن الأمور، إنها «الطبيعة الثانية» التي على البشر أن يتحلوا بها إذا أرادوا أن يكونوا خلفاء لله على الأرض. هل بعد ذلك سنسمع أحدهم يقرع الآخر بعبارة «لا تتفلسف». لا عليكم، تفلسفوا، فالفلسفة وإن صعبت وسط بين رذيلتين الاستجهال والإغراق في تقديس الموروث المجتمعي. مدونة حياة الياقوت http://www.hayatt.net