انتهى أمس الموعد النهائي الذي ضربه الدفاع المدني للعثور على فتاة سقطت في بئر شنيف بإحدى ضواحي الطائف. على أية حال، إذا كان غريبا أن يمضي أسبوع كامل دون أن يتمكن الدفاع المدني من انتشال الجثة، فإن الأكثر غرابة وإثارة للدهشة ما تناقلته وسائل إعلام عن تحول عمليات البحث إلى مزاد مخجل بين شركات متخصصة في الحفر استعان بها الدفاع المدني. وفقا لصحيفة «شمس»، اتفق هذا الأخير مع إحدى الشركات على 180 ألفا، لكن الشركة ما لبثت أن تراجعت مطالبة برفع المبلغ. رسا «المشروع»! أخيرا على شركة أخرى بتكلفة 300 ألف. كل هذا كان يجري فيما كانت الجثة لا تزال تتعفن على عمق 50 مترا من الأرض، وبينما يراقب ذووها عمليات المزاد المخجل وهم على أعصابهم. بالمصادفة، كنت أقرأ أمس نشرة صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، تتناول موضوع «المسؤولية الاجتماعية للشركات». تتحدث النشرة عن أن العالم تحول بشكل سريع، منذ مطلع الألفية، باتجاه ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية، في أجندة المنشآت الخاصة كإطار أخلاقي وكعقد اجتماعي طوعي. عام 2000 تبلورت أول مبادرة عالمية حين أطلقت الأممالمتحدة بادرة «الاتفاق العالمي» التي هدفت إلى تأطير مفاهيم وممارسات المسؤولية الاجتماعية للمنشآت، وتبني ميثاق أخلاقي بشأنها في إطار شعارها «تشجيع المنشآت على التحلي بروح المواطنة في الاقتصاد العالمي». بيد أن صيف عام 2010 كان لحظة الحقيقة، التي أوقعت كل أثرياء العالم في حرج بالغ حين أطلق الملياردير الأمريكي وارين بافيت بالتعاون مع بيل جيتس وزوجته ميلندا مبادرة تحت اسم تعهد العطاء «giving pledge» تتضمن دعوة الأثرياء للتبرع بأكثر من نصف ثرواتهم للأعمال الخيرية والمساعدة في حل مشكلات المجتمع الأكثر إلحاحا. تبرع بافيت ب 99 % من ثروته، وبيل جيتس بنصف أمواله، ووجدت الدعوة قبولا كبيرا في أوساط أصحاب المال والأعمال في العالم، كما نجحت الحملة في استقطاب ما يقارب ال 60 مليارديرا. للأسف، وكالعادة، لم يكن بين الأسماء المعلنة ما يشير إلى أصول عربية، أو خليجية، أو سعودية، رغم أن تقرير الثروات العالمي السنوي الرابع عشر الذي صدر في العام نفسه 2010، أشار إلى ارتفاع معدل الأغنياء في السعودية 14.3 %، حيث وصل عددهم إلى 104700 ثري. في عام المبادرة نفسه أيضا 2010 قدر مختصون أرباح البنوك السعودية وحدها، دون بقية أفرع القطاع الخاص المحلي، ب 22 مليارا.. إلخ. لن آتي بجديد إذا ما كررت أن كل أقنعة العالم لن تخفي حقيقة الدور الاجتماعي الباهت والسلبي للبنوك والشركات السعودية ورجال الأعمال والأغنياء الذين تزين أسماؤهم قوائم تقارير الثروات العالمية. كنا، وما زلنا، على يقين أن أثرياءنا لا يشبهون بافيت ولا جيتس. غير أن دخول بعضهم في مزايدات تجارية لانتشال جثمان امرأة.. أمر آخر. مستوى سفلي جديد لا أعرف له وصفا. إنه انحدار إلى عمق 50 مترا تحت مستوى الأخلاق.. ربما أكثر.