أثار الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا مع الحزب الجمهوري، بشأن تمديد الإعفاءات الضريبية للأغنياء لمدة سنتين، معارضة في صفوف نواب الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، والذين عارضوا تبنيه، باعتبار أن الرئيس قدم تنازلات كثيرة للجمهوريين. وبقبوله تسوية ضريبية مع الجمهوريين، الذين عززوا مواقعهم واستعادوا زمام القيادة في مجلس النواب، دشن باراك أوباما باسم الواقعية السياسية عصرا جديدا في رئاسته يتسم بالتراجعات، لكنه أثار غضب بعض حلفائه، الذين رأوا في ذلك إنكارا لوعوده الانتخابية. ولكن هذا الإنكار «الأوبامي» للوعود الانتخابية، لم يكن قاصرا على سياسته الداخلية، ولكنه ظهر بصورة أوضح فيما يتعلق بسياسته الخارجية بشكل عام، وسياسته تجاه العالم الإسلامي وقضايا الشرق الأوسط بشكل خاص، ففي مستهل فترة ولايته، فتح أوباما آفاقا جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم العربي والإسلامي، وكان خطابه الشهير في القاهرة بمثابة صفحة جديدة تتسم بالتفاؤل، من خلال وعوده بتأسيس تلك العلاقات على المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، وحل قضايا الصراع العربي الصهيوني.. ولكنها كانت سرابا ذهبت أدراج الرياح، حيث توالت التراجعات تلو التراجعات. وكانت أبرز التراجعات الأوبامية ما أعلنه أخيرا البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية رسميا أن «الجهود !!» التي بذلتها على مدى العامين الماضيين منذ بداية ولاية الرئيس باراك أوباما، والرامية لإقناع الكيان الصهيوني بتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدسالشرقية، كشرط لاستئناف المفاوضات قد باءت بالفشل، وأن الولاياتالمتحدة قد تخلت عن تلك المساعي بإقناع تل أبيب بوقف الاستيطان أو حتى مجرد تجميده، باعتباره شرطا لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين. وتوازى ذلك التراجع مع تراجع آخر بإغلاق معتقل جوانتانامو، فأوباما كان قد وقع غداة تسلمه السلطة مرسوما يقضي بإغلاق جوانتانامو قبل 22 يناير 2010، والالتزام باتفاقيات جنيف، ومحاكمة المعتقلين أمام المحاكم العادية وليست الاستثنائية أو العسكرية على الأراضي الأمريكية، ولكن الواقع كان أمرا مختلفا، حيث ظل المعتقل سيئ السمعة رابضا في مكانه، شاهدا مع شواهد أخرى عديدة على أن أوباما أفلح فقط في دغدغة مشاعر العرب والمسلمين وجدد آمالهم في سياسة أمريكية أقل انحيازا ضدهم، ولكنه في الحقيقة ضاعف من آلامهم!!