يستعد الحزبان الرئيسيان في أمريكا، الديموقراطي والجمهوري، هذه الأيام لخوض انتخابات التجديد النصفية في نوفمبر المقبل. ويجري الفريقان المتنافسان أولا انتخابات تمهيدية داخلية لاختيار مرشحيهما. وسيختار الناخبون في الموعد المرتقب جميع أعضاء مجلس النواب «434» وثلث أعضاء مجلس الشيوخ «من أصل مئة» و37 حاكما «من أصل 50». وكان الشيء اللافت في الانتخابات التمهيدية تلك الانتصارات المدوية التي حققها الجناح المتطرف بالحزب الجمهوري الذي يعرف ب«حزب الشاي» في عدة ولايات أثار بها الرعب في القلوب. تجمع الحركة الاحتجاجية المعروفة ب«حزب الشاي Tea Party Movement» الجناح اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري بزعامة حاكمة ولاية ألاسكا السابقة سارة بالين. وجاءت الحركة في رد فعل على خطة الإنقاذ في عز الأزمة الاقتصادية. واستطاعت هذه الحركة أن تخطف الأضواء في الانتخابات التمهيدية عندما نجح بعض مرشحيها في الفوز بترشيحات الجمهوريين وتحقيق مفاجآت بالتغلب على بعض الوجوه التقليدية المحبوبة. ويخشى الجمهوريون عجز مرشحي هذا التيار في الحصول على التأييد الشعبي الكافي للانتصار على المرشحين الديموقراطيين وإعادة سيطرة الحزب على مجلس الشيوخ لينطبق عليهم المثل القائل: «أسد علينا وفي الحروب نعامة». وكان «حزب الشاي» برز حركة احتجاجية شعبية وخصوصا في مدينة شيكاغو وفي ولايات مثل كاليفورنيا وواشنطن من داخل الحزب الجمهوري ومن الناخبين المستقلين من المحافظين مطلع العام الماضي لمناهضة خطة أوباما لتحفيز الاقتصاد، ولخفض الضرائب وتقليص برامج الخدمات الحكومية. كما يعترض الكثير من الذين يؤيدون هذه الحركة على بعض السياسات الاقتصادية للرئيس السابق جورج بوش الابن وزعماء الحزب الجمهوري لأنها ساهمت في زيادة العجز المالي وتوسيع نفوذ الحكومة الفدرالية. وعبارة «حزب الشاي» مستلهمة من الحركة الاحتجاجية التي قام بها الأمريكيون عام 1773 ضد الضرائب التي فرضها البرلمان البريطاني على الشاي المستورد إلى المستعمرات الأمريكية في ذلك الحين، والتي دفعت المئات إلى الاستيلاء على ثلاث سفن بريطانية محملة بالشاي في ميناء بوسطن بولاية تكساس ورمي حمولتها في مياه الميناء. وكانت تلك الحادثة الشرارة التي ولدت الثورة الأمريكية أو حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني. وجاءت كلمة الشاي من استخدام الحروف الأولى للعبارة باللغة الإنجليزية التي كانت تستخدم في تلك الحركة التاريخية ضد الضرائب البريطانية الباهظة وهي: « Taxed Enough Already أي كفاية ضرائب» لتشكل كلمة «TEA أي شاي». وفازت مرشحة الحركة كريستين أودونيل في ولاية ديلاوير على منافسها النائب مايك كاسل الذي يحظى بتأييد الحزب، لتصبح المرشحة لتمثيل الولاية في مجلس الشيوخ. كما حققت الحركة إنجازات مماثلة في ولايات يوتا وكنتاكي ونيفادا وألاسكا. ويعد فوز أودونيل مفاجأة كبرى بعد أن حصلت على 53.2 % من الأصوات مقابل 46.8 % لمصلحة كاستل. وكان فوزها عنوانا صارخا لزحف الحركة المتشددة داخل المعسكر الجمهوري. كذلك، فاز المرشح الديموقراطي كريس كون في انتخابات الحزب الديمقراطي لينافس أودونيل على المقعد الذي كان يشغله منذ عقود نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن. وحققت الحركة تقدما آخر، في نيويورك هذه المرة، حيث فاز مرشحها كارل بلادينو في الانتخابات التمهيدية لشغل منصب حاكم الولاية متفوقا على المرشح المحبوب لدى الجمهوريين ريك لازيو. ودفعت هذه الانتصارات بعض المعلقين إلى وصف الحزب الجمهوري اليوم بأنه بات حزب بالين ولم يعد حزب جورج بوش أو حتى رونالد ريجان. والمفارقة أن زعماء الحزب الجمهوري في ولاية ديلاوير الذين مولوا حملة مرشحهم كاسل وجهوا انتقادات عنيفة لأودونيل بسبب تطرفها وصلت إلى حد وصفها بأنها تؤمن بالأوهام وشككوا في صدقها، وأعلنوا أن الناخبين لن يصوتوا لها في الانتخابات النيابية. ورأى كارل روف المسؤول السابق في البيت الأبيض أن أودونيل «مختلة». وفي المقابل هناك من يتهم الحركة بكونها مجرد ردة فعل عنصرية بيضاء على انتخاب أول رئيس ملون لأمريكا. وما يعزز هذا القول صدور الكثير من التصريحات العنصرية على لسان قادتها واستغلال كل المصاعب والتحديات التي ورثتها الإدارة الحالية من إدارة بوش السابقة، بهدف تحريض الشارع الأمريكي على الإدارة الجديدة ووصفها بالعجز والفشل، سواء أنجزت ما وعدت به الناخبين أم لم تنجز. ومن هؤلاء من يرى أن الحركة ستصبح خنجرا مغروسا في خاصرة الحزب الجمهوري نفسه في نهاية الأمر. وهذا ما ستكشف عنه انتخابات نوفمبر المقبل .