ابتسم سائق الليموزين الشاب، حين شاهد زبونه يلقي بسيجارته قبل أن يجلس إلى جواره، ويطلب منه الذهاب به إلى شارع التحلية، ثم سأله: ألم تحاول الإقلاع عن هذه العادة خلال هذا الشهر؟ فلما لم يجد إجابة واصل حديثه ليخبر جاره في السيارة التي تحركت على طريق الملك عبدالعزيز أنه أقلع نهائيا عن التدخين في مثل هذا الشهر من العام الماضي، رغم أنه كان يتصور استحالة نجاحه في ذلك. شرح سائق الليموزين، وهو سعودي شاب، كيف كان يقاوم إغراء السيجارة بعد الإفطار بالذهاب إلى المسجد، وكيف كان يبتعد عن المدخنين حتى لا يتعرض لضغوط، ثم حكى له ما أصابه من تغيير إيجابي، فقد أصبحت صحته أفضل، بينما استفاد أطفاله من ذلك على كل المستويات، لكن كل ذلك لم يجد استجابة من الراكب الذي ما كاد ينزل من السيارة حتى أشعل سيجارة وودع السائق باعتذار عن تنفيذ نصيحته. غير أن ذلك لن يوقف الشاب السعودي عن مسعاه في نصح المدخنين، فهو– كما قال ل«شمس»– يعتقد أن مقاومة التدخين جزء من محاربة المنكر بالوسائل المتاحة له وهي النصيحة، مضيفا أنه مدخن سابق يعرف حالة الرفض التي يكون عليها متلقي النصيحة نظرا إلى تعلقه بالسيجارة. ومع أن هناك حملات وعظية وإرشادية عديدة انطلقت خلال رمضان لحث المدخنين على الإقلاع عن التدخين، فإن علي الدوسري لا يعرف عنها شيئا، ويقول إنه ينصح زبائنه من منطلق فردي، طامعا في كسب الأجر، مشيرا إلى أنه نجح في ذلك مع شخصين ويتمنى أن يضيف لهما ثالثا خلال الأيام المتبقية من الشهر الفضيل. وأطلقت وزارة الصحة أشهر الحملات المناهضة للتدخين، وذلك تحت شعار «رمضان فرصتك»، شرحت من خلالها خطورة التدخين على المواطن والمجتمع. وذكرت الوزارة في موقع الحملة على الإنترنت أن المدخنين لا يتجاوبون مع النصيحة بسهولة، فهم مصرون على التدخين، على الرغم من معرفتهم بأن الدخان سوف يفسد صحتهم ويؤدي لإصابتهم بالعديد من الأمراض والمضاعفات الصحية الخطيرة، إن عاجلا أم آجلا، إذ إن دخان السيجارة يحتوي على أكثر من أربعة آلاف نوع من المواد الكيميائية الضارة، من بينها 60 مادة مسرطنة، أي أنها يمكن أن تسبب السرطان، إضافة إلى مواد أخرى خطيرة، منها أول أكسيد الكربون، الفحم، الزرنيخ، الرصاص وهي كلها مواد سامة للجسم البشري. وتخاطب الوزارة «كل أخ مدخن بمناسبة حلول هذا الشهر العظيم، شهر رمضان المبارك، الذي يحبه ويعظمه المسلمون، المدخنون منهم وغير المدخنين، إنه أحب وأغلى ضيف ينتظر، ولعله وعساه أن يكون سببا- بعد توفيق الله تعالى- يعين المدخن على اتخاذ القرار الجريء بالإقلاع نهائيا عن التدخين، كي ينعم بالصحة والعافية، كغيره من إخوانه غير المدخنين، وأن يكون قدوة حسنة لأطفاله، وألا يجعل من جسمه طفاية سجائر، تستقبل يوميا عشرات السجائر بكل ما تحتويه من سموم وأمراض». وعلى خلاف ما جاء بالحملة، ذكر أحد الوافدين ل«شمس» أن «مسألة الإقلاع عن التدخين، تبدو صعبة جدا لديه، وبالذات في رمضان، ذلك أن السيجارة تضبط تفكيره الذي يظل- حسب وصفه- متوترا طول النهار». ويضيف محمد المصري أنه حاول مرات عدة استغلال رمضان للإقلاع عن التدخين لكنه لم يتمكن، مشيرا إلى أن هذا نوع من الإدمان الذي يكرهه، لكنه تعود عليه منذ كان طالبا جامعيا. في المقابل، ذكر أحد المواطنين أنه نجح في الإقلاع عن التدخين قبل خمسة أعوام مستغلا شهر رمضان المبارك، موضحا أنه اتخذ قراره في أول أيام الشهر وأصر عليه، وحين شعر بحنينه للسيجارة ذهب إلى مكة حيث قضى ثلاثة أيام كانت كفيلة بجعله في خصومة أبدية مع «تلك الملعونة» التي تسببت له في بعض المتاعب الصحية. وحسب تقرير نشر أخيرا على الإنترنت، أكد أطباء أن شهر رمضان يعتبر فرصة حقيقية للمدخنين الذين يرغبون في الإقلاع عن التدخين، حيث يوفر الالتزام بالقيم السامية لفريضة الصيام، مناخا ملائما من قوة الإرادة، وهي من أهم العوامل التي تساعد الراغبين في الإقلاع عن التدخين على النجاح، لأن قوة الإرادة تساعد الصائم على الامتناع عن الأكل والشرب والمفطرات الأخرى، وأن يطهر روحه من الشوائب، وهي تساعده أيضا على أن يطهر جسده من التدخين. ويتوافق هذا مع نتائج دراسة تمت في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا حول سلوكيات وعادات المدخنين، وورد فيها أن الراغبين في الإقلاع يحاولون ذلك من ثلاث إلى أربع مرات في المتوسط، وعلى الرغم من أن 70 % منهم يعتقدون أن الإرادة فقط هي كل ما يحتاجه المدخن للإقلاع، إلا أن تلك الدراسة تؤكد أن الإرادة وحدها تزيد من نسبة النجاح فقط بنسبة 5 %. وقد لوحظ أيضا أن كثيرا من المدخنين يحاولون بشدة الامتناع عن التدخين حتى بعد غروب الشمس ولكن الإدمان على مادة النيكوتين يشكل عائقا كبيرا في سبيل ذلك حتى مع وجود الإرادة القوية؛ لذلك يجب أن تتوفر إرادة أقوى ليس فقط للإقلاع عن التدخين ولكن للبحث عن جميع الوسائل المساعدة على ذلك، وهو ما يوفره الصوم بشكل كبير. يذكر أن هناك تباينا في المعلومات الخاصة بعدد المدخنين في المملكة، فهناك تقارير تذكر أن نسبتهم تجاوزت 35 % من الذكور ونحو 6 % من الإناث، غير أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن النسبة لا تزال في حدود الربع بين الذكور وأقل من 3 % من الإناث .