لم تكن نتائج بحث القوى العاملة الأخير الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، تكشف فقط النسبة المرتفعة للبطالة في المملكة إلى 10.5 %، لكنها أزاحت الستار عن قضية نراها لا تقل خطورة عن البطالة الإجمالية، والمتمثلة في ارتفاع نسبة البطالة بين المتعلمات وحاملات البكالوريوس بشكل يفوق الوصف، إذ تعدى 78.3 %، الأمر الذي رفع إجمالي نسبة العطالة الجامعية «حملة البكالوريوس» إلى 44.2 %، رغم أن أعلى نسبة من العاطلين الذكور تركزت في حملة الثانوية العامة بنسبة 25.7 %. الرياض، جدة، الخبر. محمد التركي وفايز الثمالي وبسمة محمد وحسب تشريح الأعداد الواردة وفق تقرير مصلحة الإحصاءات العامة، فإن أكثر من 198.257 جامعيا وجامعية يقفون في صف العاطلين عن العمل، لكن الغريب في التقرير أن أعمار تلك النسبة تتركز في الفئة العمرية الأكثر طاقة وإمكانيات، حيث تتركز في العاطلين الذكور في الفئة العمرية «2024 عاما»، بينما الفئة العمرية المخصصة للعاطلات تتراوح بين «2529 عاما». ومن هنا يدور التساؤل، ما الذي يرفع نسبة العطالة النسائية بين المتعلمات، إلى الدرجة التي تتسبب في رفع إجمالي العطالة بصفة عامة، خاصة أن عطالتهن في العام 2008، لم تكن تصل إلى ثالوث الارتفاع، وإذا كان الثالوث المؤثر في العطالة بشكلها العام، وفي حدود النساء بشكل خاص، يتمثل في الأسرة والمجتمع والشركات، فمن تراه تسبب العام الماضي في الحيلولة دون توفير المزيد من الفرص للنساء، ومنع استيعاب المتعلمات منهن في الوظائف. وإذا عرفنا أن الإناث لم يكن يقتحمن مجال التعليم إلا للرغبة في التوظيف، هل هذه الرغبة كافية لابتعادهن عن المسؤولية، أم الفئة العمرية لهن، واحتمالية زواجهن خلالها، ترجح مسؤوليتهن عن التراجع عن فكرة التوظيف في الوقت الأخير. وهل المجتمع مسؤول عن رفع بطالة النساء، في ظل النظرة التي يحيط بها الكثير من الوظائف، كالممرضات مثلا، الأمر الذي يجعل الخريجات في خوف مستمر يجنبهن خوض مجال التوظيف، حفاظا على سمعتهن؟ أم يا ترى الشركات لا تزال مسؤولة عن عدم توظيف الإناث، ما رفع نسبة العاطلات الجامعيات، وذلك عطفا على الوظائف الهامشية التي يقدمونها لهن، أو لقلة الراتب، أو عدم توفير الجو المثالي المناسب مراعاة للظروف والتقاليد المجتمعية المعروفة في المملكة؟ وهل ميل غالبية المشتغلات بالتعليم وفقا للإحصاءات ذاتها، هو ما يعزز فرضية قلة مجالات التوظيف بالنسبة إلى المرأة، حيث أظهرت النتائج أن أكثر من ثلاثة أرباع المشتغلات السعوديات يعملن في قطاع التعليم بنسبة 76.6 %، تليهن المشتغلات في القطاع الصحي والعمل الاجتماعي بنسبة 10.9 %. وما الذي يفسر ميل غالبية الذكور لوظائف الإدارة العامة بنسبة تصل إلى 44.4 %، بينما المشتغلون في التعليم لم يتعد 13 %. لكن الأمر لا يقتصر فقط على الإناث، وإن كان الأبرز، بل ينطبق الحال على العاطلين من خريجي الثانوية العامة، الذين يعدون النسبة الأكبر التي تسببت في رفع عطالة الذكور، بحصولها على نسبة 39.9 %، في حين أن نسبة عطالة الذكور الحاصلين على الشهادة المتوسطة لم تتعد 17.3 %. والبارز في التقرير أن النتائج لم تظهر وجود أي بطالة بين الذكور والإناث الحاصلين على شهادة الدكتوراه. أشغال شاقة بدور عبدالعزيز، حاصلة على بكالوريوس «26 عاما»، وصلت إلى مرحلة من الإحباط الشديد، ما دفعها أخيرا للتقدم لبرنامج الابتعاث، بعدما يئست من الظفر بفرصة وظيفية جيدة: «طرقت كل الأبواب وقدمت على أغلب الشركات في السعودية، حتى التي لا فروع لها بالمنطقة الشرقية، بالإضافة إلى ديوان الخدمة المدنية، إلا أن كل محاولاتي باءت بالفشل الذريع، سوى من فرصة وظيفية أشبه ما تكون بالأشغال الشاقة في مدرسة أهلية، حينما أسند لي التدريس للمرحلتين الثانوية والمتوسطة، براتب لا يتجاوز ألفي ريال، ما دفعني إلى تقديم استقالتي على الفور». بدور، لم تقف مكتوفة اليدين بل اجتهدت لتطوير ذاتها وظيفيا عبر دورات في الحاسب الآلي ودورات في اللغة الإنجليزية، ومع ذلك ما زالت ترزح تحت وطأة البطالة، جازمة أن الواسطة أكبر معوق في توظيف الفتيات السعوديات، يليه اشتراط الخبرة، علاوة على شح ومحدودية المجالات النسائية، إلى جانب القيود الاجتماعية التي تضعها بعض العائلات، منها الاختلاط وعدم الرضا ببعض الوظائف، كالعمل في القطاع الصحي مثلا، أو موظفة استقبال، وهو ما يختلف تماما عما هو معمول به في دول الخليج: «البطالة لدينا هنا تأتي أحيانا من باب اختيار أحلاهما مر، حينما تتوظف الفتاة في مجال غير تخصصها وتلزم به، فإما العمل بهذه الوظيفة وإلا نار البطالة». وترى نورة عبدالرحمن «26 عاما» الحاصلة على شهادة الدبلوم، أن عدم توفير فرص وظيفية سنوية للفتيات ساهم في تزايد البطالة النسائية، عطفا على محدودية مجالات التوظيف النسائية. واتهمت الواسطة بلعب دور خفي في مسألة التوظيف، الأمر الذي يحجب مبدأ تكافؤ الفرص. الاختلاط السبب وتعتقد أسماء المشرف «26 عاما» الحاصلة على البكالوريوس، أن تخصص شهادتها في الدراسات الإسلامية لا يصلح إلا في مجال التدريس بنسبة 99 %: «الوظائف المتاحة الآن في سوق العمل غالبيتها اختلاط، أو تحاول تمريره، ولأنني من عائلة محافظة لا تفضل الاختلاط، فالأمر لدي هنا يشكل صعوبة في الحصول على وظيفة، وقدمت على عدة شركات وديوان الخدمة المدنية وصندوق الموارد البشرية وما زلت أنتظر بريق أمل لوظيفة». مشكلة التخصص تباينت آراء خريجي الثانوية العامة حول المتسبب في ارتفاع بطالتهم، فمنهم من رفع أصابع الاتهامات ضد الشركات وواقعها، ومنهم من أعاب قلة الوظائف، وضعف رواتبها، ومنهم من اعتبر نفسه مسؤولا عن البطالة. عبدالله العبدالجبار، متخرج من الثانوية منذ أربعة أعوام، يؤكد أن البحث عن وظيفة من أصعب العقبات التي تواجه الشباب: «لا توجد وظائف في الوقت الجاري تناسب حملة الثانوية سواء حارس أمن أو كاشير أو مشرف، حتى أن البعض يدقق في عام التخرج، وبالنظر إلى الوظائف التي تطرح وكم نسبة المتقدمين عليها الذين يتجاوزن عدد الفرص بآلاف المرات». لكن ثامر الدوسري، 24 عاما، يرى أن معاناة حملة الثانوية في زيادة عدد العاطلين تتمثل في عدة محاور رئيسة «على وزارة التربية والتعليم أن تضع مناهج توعوية تساعد الطالب على اتخاذ القرارات المناسبة بعد تخرجه من الثانوية، فالعديد من حملة الثانوية ربما يكونون هم من جلب البطالة إلى أنفسهم في عدم القدرة على اختيار التخصصات المطلوبة في سوق العمل، فالطالب يحاول أن يدخل أي تخصص حتى يحصل على مكافأة أو على عبور مرحلة علمية فقط». تطوير الذات ويحمّل فارس أبو دوس، من المتخرجين من الثانوية لهذا العام، الشباب المسؤولية في ارتفاع نسبة البطالة «لماذا تحتاج شركة أو وزارة إلى خريج من الثانوية، ولا يحمل أي أدوات تؤهله في كسب وظيفة كالدورات في اللغة الإنجليزية وتعلم مهارات الحاسب الآلي وتطوير ذاته بما يخدم سيرته الذاتية وسوف يجد الوظيفة المناسبة». سوء التخطيط ويرى أنس الحسن، من المتخرجين حديثا من الشهادة الثانوية، أن على الشاب عدم الاستعجال في البحث عن وظيفة «بعد تخرجي من الثانوية العامة فضلت الجلوس عاما والالتحاق بدبلوم لغة إنجليزية، ومن ثم في نهاية العام سوف أدخل التخصص الذي خططت له، وأعتقد أن الشباب سبب البطالة، فما قيمة المرتب الذي سوف يحصل عليه الشاب بشهادة الثانوية؟». عطالة الخريجات وأوضح الخبير الاقتصادي في جامعة الملك عبدالعزيز أسعد جوهر، أن أسباب العطالة لدى البنات تصب في العمق الاقتصادي والديني والاجتماعي «عمل المرأة في المملكة له علاقة بالنظرة الدينية، فلا بد أن نربط عمل المرأة بما لا يتعارض مع الدين الإسلامي، أما بخصوص الشباب فالأمر أكبر من ذلك لأن أغلبية المعاهد لا تقبل حامل الثانوية العامة وإن قبلت لا تتنازل عن نسبة تترواح بين 85 90 %، فكيف لا تكون هناك عطالة، والحل في وضع رواتب مغرية وميزات تغري الشاب للانخراط للعمل في القطاعات المختلفة كافة، أيضا هناك خلل في عدم وجود حد أدنى للأجور يغري طلبة الثانوية، لأن الأجور متدنية ولا تتناسب مع طبيعة العمل، وأيضا لو تم تقليص العمالة الوافدة الذين لا يملكون مهارات العمل وليس لهم دور فعال كبقية إخوانهم غير السعوديين، وتم تدريب كوادر سعودية بديلة بأجور تساهم في بناء حياة الشاب الاجتماعية، لتجاوزنا نسبة كبيرة من البطالة، خاصة أن البعض يحمل شهادات جامعية ويوظف براتب لا يتجاوز 1500 ريال شهريا». تناقض الأرقام واعتبر عضو جمعية الاقتصاد السعودي المستشار والكاتب الاقتصادي طلعت زكي حافظ، أن نسبة العطالة في المملكة تشكل كمتوسط بين الذكور والإناث 10.5 %، أي أنها تعادل 10 % بين الذكور، ولا تقل عن 25 % بين الإناث «الأسباب تندرج تحتها عوامل لها علاقة بالأجر، وثقافة العمل، وعوامل اقتصادية واجتماعية، ومناهج التعليم في المملكة، والمعروف أن الاقتصاد في المملكة يمر بمرحلة ازدهار ونمو مشابهة لطفرة السبعينيات، لذا فهو قادر على استيعاب جميع هذه الوظائف، وعندما نقول لدينا بطالة نقصد ما تقدم لمكاتب العمل أي أن 444 ألف طالب وطالبة وظيفة تقدموا لمكاتب العمل، فلا يوجد مشكلة من جهة اقتصاد المملكة، ولكن عندنا مشكلة هيكلة، وهي مشكلة الاستقدام فطالما الاستقدام مفتوح، ومنح التأشيرات متاح، إضافة إلى عدد الأجانب الذي تعدى أربعة ملايين، فهذا يخلق أيضا مشكلة في عملية التوظيف، فعدد التأشيرات التي صدرت في المملكة العام الماضي 1.5 مليون تأشيرة، بينما لم يتجاوز التوظيف 144 ألف وظيفة مما يفجر التناقض». المهارات مطلوبة ودعا حافظ الشاب ألا يطمع في المنصب المرموق بشكل سريع في بدايات حياته «هذه إحدى الثقافات وأحد الأسباب المساهمة في رفع نسبة البطالة، كما أن هناك عدم وجود حد أدنى للأجور، ورغم أنني لا أنادي بتوفيره أو فرضه، لكن لا بد أن يكون الأجر عادلا، لأن الأجنبي يكتفي بالأجر البسيط لوجود مستوى متدن لديهم، بينما لدينا هنا المعيشة مرتفعة نوعا ما، لكن على الشباب أيضا التزود بسلاح المهارات والتقنية، ولا بد من التمتع بالحاسب الآلي واللغة الإنجليزية للتوظيف في القطاع الخاص، حيث أصبحا شرطين أساسيين، ولو كانت أساسيات بسيطة، ولا يعني أن القطاع الخاص يتعامل مع تلك التخصصات بشكل شرعي للوظيفة، ولا بد من إعادة النظر في سوق العمل وحاجاتها في وظائف معينة، وطبعا الأثر الاجتماعي مهم فلا بد ألا ينظر للوظائف بدونية، فالبتالي ينعكس هذا على الشاب بشكل إيجابي يؤمن قوته ومقومات الحياة اليومية .