لم يدر في خلده أن عملية صغيرة لا تتجاوز إزالة تكيسات في الجيوب الأنفية يمكن أن تدفع طبيبا متمرسا إلى ارتكاب أخطاء طبية جسيمة تودي بحياة زوجته وأم أطفاله الأربعة، لكن ما عايشه أكد له أن بعضهم يستهتر بأرواح المرضى ويعتبرهم حقل تجارب، فالطبيب الجراح يتحول إلى طبيب تخدير، والتخدير الموضعي يتحول إلى تخدير كامل، والحقائق تتحول إلى أكاذيب للتنصل من المسؤولية، والأخطاء تنسب إلى «القضاء والقدر». وقال محمد الفيفي زوج معلمة اللغة الإنجليزية الراحلة أميرة الغامدي،34 عاما، انه ماضٍ في المطالبة بحقوق زوجته الراحلة من الأخطاء التي ارتكبت بحقها، مشيرا إلى أن إبلاغه بنجاح عمليتها في بادئ الأمر، ومن ثم تدهور حالتها ونقلها إلى مستشفى آخر وغيرها، دلائل على وجود أخطاء جسيمة من الأهمية بمكان كشفها حتى لا يقع آخرون ضحايا لها. وأشار الفيفي إلى أنه اصطحب زوجته في 10/7 /1431ه إلى مستشفى خاص في جدة لتجري عملية لإزالة تكيسات في جيوبها الأنفية بناء على موعد سابق: «عند وصولنا إلى المستشفى أدخلت زوجتي إلى غرفة العمليات، وفي نحو التاسعة وعشر دقائق فوجئت بممرضة تخرج مهرولة باحثة عن أسطوانة أوكسجين، عندها ساورتني شكوك بشأن زوجتي، فقرعت جرس غرفة العمليات لأطمئن عليها، فخرج لي أحد الأطباء وشرح لي أن حالتها ممتازة، وأن هناك حالة طارئة أخرى أدخلت قبلها». «جراح تخدير» وأضاف أنه لاحظ عند التاسعة والنصف كثرة تردد الأطباء على غرفة العمليات وهم يهرولون فأصابه الخوف: «قرعت الجرس مرة أخرى فأجابني أحدهم بأن أعود إليهم عند الساعة ال11. وفي الموعد المحدد خرج لي طبيبها وهنأني بسلامتها وبشرني بنجاح العملية، وطلب مني أن أدعها ترتاح قليلا». لكن الفيفي أصابه القلق عندما أخبره الطبيب أنه اضطر إلى تخديرها تخديرا كاملا لأنها لم تستجب للتخدير الموضعي كما كان مقررا. كما كان أكثر قلقا من قيام الجراح بإجراء عملية التخدير بنفسه رغم أنه ليس متخصصا في هذا المجال: « رأيتها بعد الظهر وكانت في حالة سيئة فاستنجدت بأقاربي الذين هرعوا إلى المستشفى، حينها طلب الطبيب أن تنقل على الفور إلى أي مستشفى آخر وأنه لن يستطيع أن يفعل شيئا آخر، وبعد ساعات من المحاولات نقلناها بتقرير طبي إلى مستشفى آخر وكان الوقت بعد منتصف الليل». إنعاش متأخر وأضاف أنه سأل طبيب التخدير بالمستشفى الأول بعد حضوره متأخرا عن كيفية قيام الجراح بتخدير زوجته: «فأكد لي أنه هو اختصاصي التخدير الوحيد بالمستشفى وأنه طلب من الجراح عدم تخدير المريضة قبل حضوره لكنه لم يأبه كثيرا». مشيرا إلى أن إحدى الممرضات اتصلت به وطلبت منه الحضور على وجه السرعة لوجود حالة حرجة: «أخبرني بأنه وجد قلب زوجتي متوقفا عن العمل فأسرع بعمل إنعاش قلب لها حتى عاد للعمل، لكنه لا يعلم كم من الوقت ظل متوقفا عن العمل، إلا أنه أشار إلى احتمال أن تكون المدة خمس دقائق؛ نظرا إلى المضاعفات التي أصابتها بعد ذلك، حيث نزفت من أنفها حتى امتلأت رئتاها وبطنها بالدم، ودخلت في غيبوبة مباشرة». وقال الفيفي إن أطباء المستشفى الثاني أخبروه بأن فرصة نجاة زوجته لا تتجاوز ال %5، نظرا إلى بقائها فترة طويلة بعد العملية وصلت إلى عشر ساعات دون أي تدخل طبي: « وهذا ما حدث فلم تلبث زوجتي أن أسلمت روحها إلى ربها بعد يومين». قضاء وقدر وأوضح أن الجراح الذي أجرى العملية لزوجته ذكر له أن ما حدث «قضاء وقدر» فهو يجري هذه العمليات منذ 25 عاما. كما أخبره أن زوجته نزفت من الداخل ونزلت قطرات على حبالها الصوتية ما أدى إلى إغلاق القصبة الهوائية فمنع عنها التنفس ما أدخلها في غيبوبة، لكنه أنكر بعد ذلك أنه من قام بالتخدير وأن مختصا هو من فعل ذلك: «اكتشفت أنهم أدرجوا اسم فني تخدير مالي الجنسية ضمن الطاقم الذي أجرى العملية رغم عدم وجوده ساعتها». وذكر أنه تقدم بشكوى إلى الشؤون الصحية في جدة وهو في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات: « وكل ما نريد هو كشف المتسبب في موت زوجتي ومعاقبته بعقوبة مغلظة حتى يتوقف نزف الأبرياء من جراء الأخطاء الطبية». إيقاف العمليات الجراحية من جانب آخر أوضح عبدالرحمن الصحفي المتحدث الإعلامي للشؤون الصحية بجدة أن لجنة المتابعة الفنية تجري تحقيقاتها حاليا حول الشكوى، مشيرا إلى أنه تم إغلاق قسم العمليات بالمستشفى، ومنع المتهمين بارتكاب الخطأ من السفر إلى حين استكمال التحقيقات، مع إلزام المستشفى بوضع لوحة إعلانية في مكان بارز يوضح للمراجعين إيقاف جميع العمليات المجدولة، مع التأكيد على تأمين العلاج المناسب للحالات التي تحتاج إلى عمليات غير طارئة، وذلك بإحالتها إلى مستشفيات أخرى. .