أدت الطريقة التي عالج بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أزمة غزة الأخيرة لأن تجعله في بؤرة الاهتمام الإعلامي مثلما وضعت تركيا في قلب المشهد السياسي الإقليمي. ومنذ أن قاد أردوغان الانتقادات التي وجهت إلى إسرائيل على خلفية اعتراض البحرية الإسرائيلية لسفينة مرمرة التركية في المياه الدولية قبالة سواحل غزة ومقتل تسعة من الناشطين، أصبحت أخباره تتصدر عناوين الصحف وشاشات التلفزيون في منطقة الشرق الأوسط. وأحدث اعتراض إسرائيل لسفن أسطول الحرية وما رافقه من إراقة الدماء في عرض البحر تغييرا ملحوظا بميزان القوى في المنطقة أكبر من أي تغيير شهدته منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وسيكون للدور الشخصي الذي اضطلع به أردوغان في تنظيم أسطول الحرية بهدف كسر الحصار المفروض على غزة تداعيات مستمرة في المنطقة، إذ أصبحت تركيا تلعب دورا قياديا وقويا فيها لم تحظ به منذ انهيار الامبراطورية العثمانية عند نهاية الحرب العالمية الأولى. وكانت تركيا القوة الدافعة وراء محاولات لإدانة الهجوم الدامي الذي شنته إسرائيل على أسطول الحرية في قمة إقليمية حول الأمن انتهت أخيرا في إسطنبول. وأدانت 21 دولة شاركت في القمة إسرائيل بسبب الهجوم الدامي الذي شنته على أسطول الحرية. لكن العضو ال22 في هذه القمة، وهو إسرائيل، اعترض على ذكر الأحداث الدموية في البيان الختامي الصادر عن القمة أو أي ذكر للغارة. وتلقى أردوغان دعما قويا آخر في أعقاب مقتل مواطنيه على متن السفينة مرمرة عندما شارك آلاف الأشخاص في تجمع ببيروت ورفعوا الأعلام التركية. ومما يثير الدهشة أن تركيا لم يكن لها أي دور رئيسي في الشرق الأوسط قبل الآن رغم أن عدد سكانها 72 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة في حلف شمال الأطلسي بعد أمريكا من حيث عدد أفراد القوات المسلحة. وليس من الواضح إلى أي مدى سيذهب أردوغان لتأكيد القيادة التركية في المنطقة والاستفادة من إخفاق إسرائيل في معالجة أزمة غزة لصالحه وهو المعروف بقدرته على الاستفادة سريعا من أخطاء الآخرين لخدمة مصالح بلده.