خبر مقتل الطفلة «لمى» المتداول منذ الأسبوع الماضي، في تعدد صيغه، أو المتابعة لتطور أحداثه، وردود الفعل تجاهه، يضاعف الصدمة على فظاعتها المبدئية التي يكفي في الدلالة عليها أنه خبر عن «مقتل طفلة»! وأول درجة في زيادة هذه الفظاعة حتى تطفح النفس ببشاعتها والألم تجاهها هو أن قاتلها هو أبوها، ذلك الذي يُفتَرَض أن يكون أرحم الناس بها، وأحناهم عليها. فأي قلب يحمل هذا الأب الذي لا يليق به اسم الأب، بل لا يليق به اسم إنسان! لكن استنكارنا الذاهل هذا، سيجد من يثقبه بصدمة أخرى حين يجيبنا بالقول: وهل سمعتم عن طفل أو طفلة في غالب من يُقتَل عمداً في مثل هذا السن في مجتمعنا إلا وقاتله أبوه أو زوجة أبيه؟! وعلى رغم هذه الوحشية كلها، فإن الخبر يفجعنا بالمزيد، فذلك الأب القاتل، فيما نقرأ في وصف الخبر له ونشاهد في مظهر صورته «داعية إسلامي». وكانت هذه الصفة تحديداً مركز الخبر ونواته في معظم صيغه المنشورة في صحف المملكة والكويت ومصر وغيرها مما اطلعت عليه. ولذلك كان الخبر لا يعنون في عديد منها ب»والد يقتل طفلته» –مثلاً- بل ب»داعية يقتل طفلته»! وهو مغزى للدلالة على فظاعة الجُرم القائمة في المفارقة والتضاد بين جرم القتل للطفلة وأن يقترف الأب الداعية هذا الجُرم، لأنه بوصفه أباً ثم بوصفه داعيةً مظنة الاطمئنان على الطفلة والرعاية لها، لا قتلها! أما علة تعذيب الطفلة التي انتهت بقتلها، فإن تفاصيل الخبر التالية له، فيما نُشِر، ترجعها إلى «شك» الأب الداعية في سلوك الطفلة. وهي علَّة صاعقة لمن يسمع بها، فكيف لطفلة في الخامسة من العمر أن تكون موضوعاً لمثل هذا الشك؟! وكيف يبقى هذا الشك شكاً بعد أن استحل به الأب كيَّها بالنار وضَرْبها والإجهاز عليها؟! بماذا كنتَ تعظ الناس أيها الأب الداعية؟ وأي دعوة تسميها هذه التي لا تتمثل بها في سلوكك إنسانية المؤمن ورحمته؟! نعم، لقد نفى معالي وزير الشؤون الإسلامية عن الأب الصفة الرسمية للداعية، ولكن هذا النفي بدوره يفاقم الشعور بالحادثة! فإلى متى يظل مظهر المرء وليس فعله ذريعتنا للثقة فيه؟! وقد ذهب عديد من الصحف إلى ردود الفعل تجاه الحادثة، فبرزت في الميدان -كما هي عادتها- الكاتبة الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، عضو جمعية حقوق الإنسان، هذه المثقفة التي أرفع يدي تحية لها وأنا أتابع نضالها مع آخرين وأخريات، في سبيل الدفاع عن حقوق المرأة والطفل ضد انتهاكها، مع امتياز واضح لديها بالقدرة على حجاج المنطق الذكوري الفاسد في الاستدلال الديني ومجادلته. وليس لنا، وقد جاء خبر معنَّفة خميس مشيط، هذا الأسبوع، ليزيد الأمثلة كثرة، ونحن لمّا نفق بعد من صدمتنا في لمى، إلا أن نشد على يد الدكتورة وأمثالها ونطالب بمدونة قانونية تحمي النساء والأطفال من التغول الذكوري الذي ترجع إليه هذه العيِّنة من الجرائم حتى لو كانت بيد امرأة.