قبل سنوات ليست بالطويلة كانت القضايا الأبرز والأكثر تداولاً في الداخل السعودي قضايا محلية , كٌنا نتناقش حول قضايا المرأة والعمل والتوظيف والشباب وصراع التيارات الفكرية. تلك النقاشات والحوارات احتضنها مركز الحوار الوطني وتابع المجتمع الجلسات تلو الجلسات ولا جديد الوجيه المتحاورة لم تتغير والنتائج والتوصيات لم تحل قضية , ولم تخلو نقاشات الحوار الوطني من الأخطاء فمن خطأ تكرار الشخصيات الغير مبرر اتجه للتناول قضايا خدمات كالخدمات الصحية وبعض القضايا المرتبطة بالشأن الخدماتي وتلك القضايا لا تٌحل عبر الحوار الوطني بل عبر التخطيط والمتابعة والمحاسبة والاداراة المرتبطة بالكفاءة المهنية. مهمة مركز الحوار الوطني لا تكمن في إقناع طرف برأي طرف ولا تقوم على التصويب والتصحيح , بل مهمته الأساسية تحقيق التنوع والتعدد والإيمان بالاختلاف وإبراز الآراء وطرحها على المجتمع والتركيز على المشتركات ونقاط الالتقاء , لكن الواقع ألان وبعد سنوات من الجولات الحوارية اختلفت القضايا وتعددت الأسباب وتنوعت الآراء وبقيت تلك القضايا قضايا ذات أبعاد إقليمية ودولية حتى وإن ناقشها البعض محلياً داخل غرف مغلقة أو عبر وسيلة إعلامية , فكل الأحداث أصبحت حديث كل المجتمع ومن مختلف الأعمار والتوجهات حتى أصبح من الواضح وضوح الشمس إفصاح البعض عن توجهاته المنسجمة مع بعض الأفكار والتيارات التي افرزها الواقع السياسي العربي الجديد! من المفترض أن تكون تلك التحولات الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية الطارئة على الساحة العربية مادة هامة وجديدة للحوار الوطني , فإذا كانت تلك السنوات الماضية شهدت حوارات بين المواطنين والتي مثلهم فيها نٌخب لم تتغير فمن المهم أن يشهد المجتمع حوارات تناقش وتحلل الواقع العربي الجديد. بإمكان أي مثقف أو مفكر أو أي شخص مهما كان مستوى وعيه وإدراكه أن يعلن عن مناصرته للتوجهات السياسية لجماعة ما بتونس أو بمصر مثلاً لكن عليه أن يدرك أن التعبئة للآراء ومحاولة حشد الأنصار دون تعريض تلك الآراء للنقاش والحوار والطرح العلمي سيحولها من مجرد أراء إلى مسلمات ومبادئ يؤمن بها كل من ناصر وسار في الركب سواء على يقين أو على غير هدى. السياسي يحتاج وبإستمرار للآراء والأطروحات المتعددة وهو بحاجة لان يعرف موقف المجتمع بكل طبقاته وأطيافه وتوجهاته من التحولات السياسية المحيطة به , وبحاجة إلى وصفة استرشادية تدله على كيفية التعامل والتعاطي مع المتغيرات وليس اقدر على تقديم كل ذلك مثل الحوار الوطني الشامل والمتعدد. من كان ينتقد سوء الخدمات ويركز في نقده على رداءة بعض الخدمات الحكومية أصبح ألان ينطلق من منطلق حقوقي وليس من منطلق خدماتي وذلك تحول ايجابي مهم وحق لا غبار عليه , فالمتغيرات السياسية أفرزت تعلقاً بالخطاب الحقوقي وضاعفت من لغة الاحتجاج بعدما كانت صامته , كل ذلك يعني وجود صوت جديد انضم لأصوات الخطاب الثقافي والفكري وبالتالي أصبح لازماً على مركز الحوار الوطني ومؤسسته أن يتعامل بجدية مع تلك المتغيرات والمطالبات وإدارتها وتقدمها بالشكل المناسب لها ولمن أطلقها. ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد مجر نقاش عابر بل تحول لنقاش واقعي تحليلي له تأثيره وعلى الحوار الوطني الاستفادة من ذلك الواقع ولغته الجديدة. الحوار الوطني يدخلنا وبلا إستثناء في مناخ التنوع والتعدد والاختلاف ويٌسهم في تحديد المشتركات التي لا تقبل القسمة والانقسام ولن يتحقق ذلك إلا بنقاش ما يهم المجتمع وما يحيط به من الخارج القريب والبعيد وبمشاركة الجميع. اسأل الله أن يصلح الحال والى الله المشتكى.