نجتمع كعادتنا حول «طاولة مستديرة» للحوار، ونطرح آراءنا تجاه عدة مواضيع وقضايا تهمنا، ونتناقش حول أكثر من رأي لمعالجتها؛ فتهدأ الأصوات المتعالية والمشحونة بالغضب والتوتر أحياناً، ونستمع جميعاً إلى صوت العقل الذي ننشده، ونحتكم إليه، وفق ثوابت شرعية ووطنية لا تقبل المساس، أو التجاوز، ونهرول معاً نحو التفكير، والبحث عن الحلول، واستعراض «الآراء الناضجة»؛ لننتقي منها الأفضل، ونتفق عليها، ونسير في رحاها، ونشد عزائم بعضنا نحو إنجازها فعلاً، ثم نخرج مع كل ذلك المخاض أكثر قوة، ووحدة، وتبقى طاولتنا مفتوحة.. نتشاور فيها، ونتقاسم عليها همومنا، ويتجدد معها لقاؤنا في النوازل والمستجدات التي تمر بنا. ولكن.. لحظة مغادرة الطاولة، يبقى هناك صوت يمثل «الأقلية» لا يزال رافضاً «رأي المجموع» - ونقصد بالمجموع هنا؛ ما يمثل أغلبية المجتمع أياً كان اتجاهه -، ويبحث عن طاولة أخرى حتى وإن كانت مهزوزة، أو مخفية عن مشهد الجميع؛ لينقل خلافاته - وليس اختلافاته التي نحترمها - إلى الأماكن العامة، وعبر وسائل الإعلام، وتحديداً المواقع والمنتديات الالكترونية، ثم تبدأ «فروسية النت» تعبر عن هذا الصوت اليائس، وتكيل عبارات الغضب على «نار هادئة»، وربما «مشتعلة»، تسندها في كل ذلك «حملات تشكيك» في النوايا تجاه أشخاص ومؤسسات، وصولاً إلى أهداف ربما لم تنضج بعد، أو لم يحن موعد قطافها، أو لا تنسجم مطلقاً مع «واقع متغير»، و»بناء مفاهيم» عصرية، وهنا؛ تتحول طاولة الحوار التي ينشدها «المجموع» إلى طاولة «فوضى» لأقلية تركت «حلول المجتمع»، وفضلت التمسك بآرائها، ونادت إلى عزلة مفاهيمها دون أن يطلب منها أحد ذلك، أو يرغب أحد أن يقصيها، أو حتى على الأقل أن تبقى بعيدة عنه. لقد عشنا في مجتمع متحاب، متكاتف، محب لوطنه وقيادته، وسنبقى على هذا العهد ملتزمين، بل متمسكون جميعاً بتاريخ وحدتنا، ونمد أيدينا إلى بعضنا، ولا نسمح لأحد أن يتخلف عنا، أو يبقى أسير عزلته، ولكن في الوقت نفسه لن نسمح لأحد أن يعكس الاتجاه، ويتجاوز «حدود المجموع»، و»خطوط وحدته»، ويقدم «فروسيته» على أنها الأصلح، أو الأفضل للمجموع، وينتقي منها ما يريد ويتجاهل ما يريد الآخرون. الواقع أن أمامنا «مهمة وعي وتنوير» أكبر من أي مهمة أخرى؛ فرصيدنا من الإمكانات هائل، ومستقبلنا موعود بأفضل من كل ذلك، ولا ينقصنا سوى أن نتفق ولا نختلف، ونتشاور ولا نتنافر، وأن نتمسك بخيارات «المجموع». «الرياض» بمشاركة المختصين طرحت «أزمة الفكر الواحد في مأزق الوعي والتجديد»، بحثاً عن ممارسات تصويب جمعي، وتأكيداً على سياسة «الأبواب المفتوحة»؛ لتقديم المقترحات والملحوظات دون الحاجة إلى «فروسية النت» وتأثيراتها المخيفة على «ثقافة الحوار» التي ننتهجها تجاه التعاطي مع القضايا المجتمعية، وتحديداً التي لم تحسم بعد، أو تلك التي لم تهدأ عاصفتها بعد، مستشهدين بقول الإمام الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». متشددون يعترضون في معرض الكتاب دون التعبير عن ملحوظاتهم عبر القنوات الرسمية تشابه المصالح بداية أوضح الباحث والكاتب الإعلامي د. عبدالرحمن الحبيب أن مفهوم سيادة الفكر الواحد تنطلق من تشابه غالبية أفراد المجتمع في المصالح، مثل: «بيئة الإنتاج والوظائف والتخصصات»، وفي الرؤية والمستوى المعرفي وفي مكونات المجتمع الأخرى كالعرقية والدينية، وبناء على هذا النمط المعيشي الاجتماعي يتشكل التنظيم الاجتماعي، فعندما تظهر اختلافات في الرأي والفكر فهي تطمس لصالح الأقوى، وعادة ما يحصل هذا في المجتمعات الريفية البسيطة، على خلاف المجتمعات المدنية ذات التركيب المعقد التي تتنوع بها الوظائف والتخصصات وبيئات العمل ومستويات التعليم والأعراق والطوائف. الانتقال إلى التعددية وقال: إذا كان الفكر الواحد يتواءم مع طبيعة المجتمعات التقليدية نظراً لتشابه ظروف الأفراد، فإنه في المجتمعات التي تمر بحالة انتقال إلى المجتمع المدني كما يحصل في مجتمعاتنا المحلية، فهي تمر بحالة انتقال إلى التعددية، مشيراً إلى أن عقلية الفكر الواحد وما اعتاده الناس من عادات وتقاليد ونظم اجتماعية يصعب عليها التآلف مع التعددية والتنوع، كما أن كثيراً من أصحاب المصالح القديمة الذين يرون في التعددية تهديداً لمصالحهم لن يرضوا بتغيير أنماط التفكير والتعبير السائدة وسيواجهون التعددية بكل ما يستطيعون، ومن هنا تبدأ إشكالية الصراع بين الواحدية والتعددية، وهي جدلية القديم والجديد. التنوع الإيجابي وأضاف: في ظل الصراع بين القديم (الفكر الواحد) وبين الجديد (المتعدد) يقرر أفراد المجتمع ميولهم وفقاً لمصالحهم وقناعاتهم؛ فيتشكل عقد اجتماعي جديد أو يكرس العقد القديم، ومن خلال القناعة والمصالح تأتي «مسؤولية التنوير»، وهي توعية الناس بمصالحهم، وتوعية الأفراد بأهمية استقلالهم الفكري دون تبعية لاستبداد فكر مسبق أو قائم، مستدركاً: يبدو لي وكأن غالبية أفراد مجتمعنا تتطلع نحو آفاق أوسع ونظرة أشمل، فهو مجتمع بدأ يتطلع نحو النور بعد عقود من العزلة، ويعتريني تفاؤل حذر بأننا نتوجه نحو التنوع الثري الإيجابي، لكن المخاض لم يبدأ بعد. حلقة نقاش لمجموعة من الشباب على هامش اللقاء الوطني للحوار الفكري الفلك الواحد ووصف د. خالد السبيت - أستاذ الدراسات الإسلامية والمستشار الاجتماعي بمركز واعي - الفكر الواحد بذلك الفكر الذي يدور في فلك واحد وينتمي إلى قالب لا يخرج عن محتواه النمطي، وهو نتاج مقدمات منطقية محددة لديه سلفاً يؤمن بها ولا يخرج عنها إلا قليلاً مما يجعل التنبؤ بما يمكن أن ينتج عنه من مخرجات أمراً وارداً جداً، مؤكداً على أن هذا المفهوم هو ثقافة بشرية تثري المجتمع الذي تنتمي إليه طالما أنها تتكامل مع الثقافات البشرية الأخرى، والتي تشكل بمجموعها مجتمعاً غنياً بثقافته وفكره بحيث يصبح «مولداً» للآراء من خلال التعددية الفكرية التي يحظى بها. إقصاء الآخر! وأضاف: إن الموقف الإشكالي يظهر عندما يستبد هذا «الفكر الواحد» أياً كان شكله أو طيفه بالمشهد الثقافي في المجتمع، بحيث يقصي كل المحركات الثقافية الأخرى؛ معتمداً على حجج واهية لا تدل بطرحها إلا على ضعف فكره الذي لا يستطيع القيام بوجود ثقافات أخرى تكشف عواره وتوضح هزالة بنائه، علماً أن هذا «الواحد» قد يكون فرداً في وحدة بنائية للمجتمع، أو فئة في منظومة اجتماعية كبرى، مشيراً إلى أنه يتناول المسائل الثقافية في مختلف الجوانب الحياتية التي تقبل الجدل واختلاف وجهات النظر، ولا يدخل الأمر من قريب أو بعيد في «المعتقدات الدينية الثابتة» بنصوص مقدسة صحيحة لا تقبل النقد، وصريحة لا تقبل التأويل؛ فإن الجدل فيها نوع من «الهرطقة» التي يرتقي العاقل عن الوقوع فيها وحلها، وكذلك الحديث في «الثوابت الوطنية التي تجمع الأمة» فإن الكلام فيها بما يشكك في تلكم الثوابت ويثير النزاعات بين أفراد الأمة الواحدة هو أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً وإن زين بلباس «التعددية الثقافية». أحادية القطب وأوضح د. السبيت أن ممارسة تطبيق منهجية «الفكر الواحد» تنتج وتقوي فكرا ثقافيا أحادي القطب، ويقدم نفسه للمجتمع بأنه يحمل الرؤية الصحيحة - فيما يزعم - لحل المواقف الإشكالية التي يواجهها مجتمعه، ومهما يكن من أمر فإننا لن ننكر أن هذا الفكر قد يحمل وجهة نظر مقبولة في هذا المجال أو ذاك؛ إلا أنه يبقى وحيداً يرى الأمور من زاوية واحدة وهي بكل تأكيد رؤية قاصرة، كما أنه سيتأثر بالعوامل البيئية التي تحيط به وبالرموز البشرية التي تنتمي إليه مما يزيد الأمر تعقيداً لتغييبه جوانب أخرى قد لا تقل قوة عنه إن لم تزد عليه. نحتاج إلى «فهم واقع» متغير و«بناء مفاهيم» عصرية تناسب إمكاناتنا الهائلة بدلاً من «التشكيك في النوايا» صدام الثقافات وقال: «إن التعددية الثقافية التي يتمتع بها المجتمع الإنساني ما هي إلا دلالة أكيدة على ثراء الموروث وغزارة الإنتاج في ذلك المجتمع، وهو الأمر؛ الذي أنتج مناهج فكر متعددة للمجتمع الذي تنتمي إليه، وتتكامل في تناولها للمواقف الإشكالية؛ فتقدم حلولاً متنوعة ومتعددة لمشكلة واحدة، حيث تختلف تلك الحلول باختلاف المحركات والزوايا التي ينظر إليها كل فكر يملك استقلالية الذات»، مشيراً إلى أن أبرز إشكالية يفرزها منهج «الفكر الواحد» هو «صدام الثقافات»، فافترض التضاد لعدم قدرته على التعايش مع الفكر الآخر، وهو بلا شك نتاج فاسد لمنهج متهالك. جسور التواصل وأضاف أن التأثيرات السلبية من حيث أبعادها الثلاثية طولاً وعرضاً وعمقاً مختلفة باختلاف «الفكر الواحد» المهيمن على المجتمع الذي ينتمي إليه، ويديره من خلال مؤسساته المجتمعية ومخرجاته التي يدفع بها إلى المجتمع، ولكنه بكل حال هو ذو أثر بالغ الضرر بالفكر الإنساني، من خلال مصادرته للأفكار الأخرى وعدم مد جسور التواصل معه عبر القنوات الحوارية والمنتديات الثقافية، وإقصائه لكل من يخالفه الرأي، لا سيما وقد تقرر لكل العقلاء أن الفكر الإنساني يقوى بتعدد المشارب الذي تغذيه ويغدو فاعلاً أكثر بتعدد الزوايا التي ينظر من خلالها إلى المشكلات المجتمعية التي يواجهها أفراده. د. خالد السبيت التعددية الثقافية وطالب د. السبيت المؤسسات المجتمعية تغذية منهجية «التعددية الثقافية»، من خلال ممارسة تطبيقية لأفراد المجتمع منذ الصغر، وخصوصاً في المحاضن التربوية، حيث تبدأ النشأة الفكرية للإنسان، فبدلاً من إلقاء القصص في رياض الأطفال (والتي تشكل ثقافة الاتجاه الواحد من خلال وجود طرفين: مرسل، ومستقبل)، وبدلاً من التعليم الموجه في التعليم العام بمختلف مراحله (تكريس لثقافة الاتجاه الواحد)، ينبغي أن تمارس المؤسسات التعليمية ثقافة التعليم المشترك، من خلال: قراءة القصص على الأطفال، ثم الطلب منهم ملحوظاتهم ومرئياتهم، ونقدهم على مجرياتها على نحو تدريبي يضمن صقل شخصياتهم وشحذ أفكارهم بما يقوي الاتجاه النقدي لديهم، ثم تتم ممارسة التعليم المشترك في مراحل التعليم المختلفة من خلال التعليم بالحوار والمناقشة. مهارة النقد وأكد د. السبيت - في سياق حديثه - على أن كل ذلك سينتج جيلاً ناضجاً حاملاً لمهارة النقد آمناً من الأفكار السلبية التي قد تجتاحه؛ فتذهب به إلى مناطق غير مأهولة بالأسوياء فلا يتبع كل ناعق لمجرد أنه مجبر على مسايرته، فأفقه اتسعت لأفكار وثقافات متعددة تؤمن بالآخر، مشيراً إلى أن المسؤولية الاجتماعية لتوسيع نطاق «ثقافة الحوار» كمحور حيوي في نقل الفكر الآخر لا تقع على المؤسسات المجتمعية فقط، بل تمتد إلى الأسرة فيجب على الأبوين التفاعل مع ثقافة المجموعة والتضييق على «ثقافة الفكر الواحد»، كما تمارسه كثير من الأسر من خلال الأوامر المباشرة للأبناء، فيكبر الأبناء بشخصيات مهزوزة لا تقوى على مواجهة الصعوبات الحياتية عند استقلالهم. مركز الحوار وأضاف أنه متفائل لما سيتحول المجتمع إليه من خلال المعطيات القائمة؛ فخادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - أنشأ مركزاً وطنياً للحوار وأعطاه اسماً عزيزاً هو اسم المؤسس - رحمه الله -، كما أن تنامي «ثقافة التعددية» من خلال تنوع مصادر التلقي أثمرت إيجاباً في توسيع الآفاق الثقافية للمجتمع، مشيراً إلى أن ما نشاهده اليوم من المؤسسات المجتمعية التي تقدم الخدمات الاستشارية من منطلق الحوار والتواصل بما لا يتعارض مع الثوابت. د. عبدالله الحيدري تحجير الفكر ويرى د. عبدالله الحيدري - الناقد الأدبي - بأن التضييق على الناس وإلزامهم برأي واحد فيه تحجير للفكر، مشيراً إلى أن العقلية العربية عندما التقت في العصر العباسي وامتزجت بالحضارات الأخرى؛ رأينا العلوم الإسلامية تتطور بسرعة مذهلة مما نتج عنه أربعة مذاهب فقهية مشهورة؛ أعطت الناس «فسحة» من الممارسة كلا بحسب ظروفه، فبعض المذاهب تناسب بلدا دون آخر وهذه رأيناها في الوقت المعاصر عندما يستفتي بعض شبابنا الذين يدرسون في الغرب العلماء في بعض الأمور التي تلتبس عليهم في مجمل حياتهم؛ لأننا لو حجرناهم على مذهب واحد لكان هناك تضييق على حياتهم، فالفقهاء دائما يجتهدون من أجل إيجاد مخرج وطريق من خلال الاستفادة من تعداد المذاهب الفقهية. أمامنا «مهمة وعي» لا تسمح لأحد أن يعكس الاتجاه ويتجاوز «حدود المجموع» و«خطوط وحدته» الاختلاف رحمة وأشار إلى أننا نجد في كل شيء «أن الاختلاف رحمة» إذا كان فيه ثراء للحوار والنقاش، ولكن إذا كان كل سيتعصب لرأيه ولا يسمع للآخر فهذا هو المأزق الحقيقي الذي نرفضه ولا يمكن أن نقبل بها، ويفترض إذا تعددت الآراء حول أي قضية فأقول هذا «رأيي وأنا أحترم رأيك»، فمن خلال اختلاف الآراء يمكن الوصول إلى حوار ونقاش مفيد نتعرف من خلاله على ما لدينا، ولكن للأسف من تختلف معه أحياناً قد يتحول لخصم لك وعندما لا يتحقق الحوار الصحيح يتحول الحوار إلى مشاحنات. مشروع حضاري وقال د. الحيدري: «إنني أشدد على أهمية أن يكون الاختلاف من أجل مزيد من الحوار والنقاش ففي الفترة الأخيرة؛ تبنت الدولة مشروع الحوار الوطني وهو مشروع حضاري يساعدنا على ألا نتعصب لرأينا مهما كنا على صواب، وأن نتحاور ونتعلم كيف يكون الحوار والمدربون دائماً في جميع القضايا التي تخص الحوار يشددون على أهمية سماع الآخر، وهذه من المشاكل التي نقع فيها للأسف في العديد من نقاشاتنا سواء على مستوى شخصين أو أكثر، ففي الاجتماعات الرسمية دائماً عندما يبدأ بشرح رؤيته وقبل أن يكمل يقمع ويرد عليها فوراً، وهذا احد المآزق التي نقع فيها في حياتنا الاجتماعية رغم أنه بإمكاننا الرد بأسلوب حضاري. د. أحمد بن سعيد تراكمات الفكر وذكر أ. د. أحمد بن سعيد - أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الملك سعود - أن ثقافة الفكر الواحد جرت على مجتمعاتنا العربية الويلات والكوارث، ونحن نرى اليوم ما يحدث في العالم العربي من أحداث والتي هي عبارة عن مخاض عسير نتج عن معاناة من تراكمات الفكر الواحد والتي فرضت على الشعوب العربية، مشيراً إلى أن العالم يعاني من ثقافة وهيمنة الفكر الواحد، ومن المؤسف اننا لا نتعلم من هيمنة الفكر الواحد أو محاولة فرضه وعدم القبول لتعديدية الرأي غير مدركين بأن جمال الحياة في هذا التنوع وضرورة تطور الفكر، وأن المعرفة تصبح أكثر بهاء والحياة السياسية والثقافية تصبح أكثر رسوخاً عندما يكون هناك وجهات نظر متعددة. وجهات النظر وقال: «إننا مازلنا نعاني من التوتر في الوسط الثقافي، وذلك لأن الجميع يريد أن يفرض فكرته على الآخرين، وربما لا يستثنى أبرياء من هذا الإطار؛ مما خلق التوتر والاحتقان وفسح المجال للعنف والذي لا تغلق منافذه إلا عندما يكون هناك احترام وتقدير لوجهات النظر المتعددة»، مؤكداً على أن إعلامنا بحاجة لأن يصحح ذاته وينتقد نفسه وعليه أن يكون النموذج لمجتمع قائم، وبحاجة لأن يعطي نموذجا للتعددية وألا يكون ذا طيف ولا لون واحد فيه نوع من الظلال المتدرجة؛ لكنها في النهاية هي مجرد لون واحد؛ لأنها بحاجة لتقديم نموذج مثالي في عصر الإعلام المتنوع بالفيس بوك والمدونات والتويتر وعصر المواطن الصحفي الذي يستطيع أن يصبح رئيس تحرير ويكسر الرقابة وأن يحطم ما يسمي بترتيب الأولويات، فالمواطنون حطموا هذه الرقابة عبر النشاط الشبكي، مشيراً إلى أن التنوع والتعددية تسمح بنمو الثقافة والازدهار وكلها أشياء ينبغي أن نعيشها في كل مجالات الحياة لنضمن مجتمعا ينمو بعيدا عن الاحتقانات والتوترات. د. عبدالرحمن الحبيب «صدمة» التحول أخطر! تحدث د. الحبيب عن حجم التأثيرات السلبية للفكر الواحد، وقال: إن التأثيرات يتداخل فيها العديد من العوامل، كسرعة الانتقال من القديم إلى الجديد وهو يسمى (صدمة التحول)، وحجم الضرر الذي يلحق بأحد الطرفين قياساً بحجم نفوذ كل طرف، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي يتشكل فيه «عقد اجتماعي» جديد في المجتمع يؤمن بحق حرية التعبير والتفكير؛ يرى أصحابه أنهم متضررون معنوياً ومادياً من الفكر الواحد السائد، بينما هذا الأخير يرى أن حقه بالسيادة حسب العقد القديم يصادر وفقاً لعقد جديد لم يتبلور بعد، ومن هنا ينشأ صراع معنوي ومادي. وأضاف: «في المجتمع السعودي نجد الصراع من النوع الأول (المعنوي)، كما يتمثل فيما نلاحظه في المشهد الثقافي والفكري من حراك وصراع بين تيارات تبدو في صورة استقطابات ثنائية كالتقليد والحداثة، أو السلفية والليبرالية، وداخل كل منها نجد أيضاً استقطابات أخرى، لكنني أرى أن هذا الصراع لا يزال في حالته الطبيعية الصحية في أغلب حالاته، والتضخيم الذي يذكره البعض يرجع في تقديري إلى عدم اعتيادنا على الحراك الفكري والاجتماعي وثقافة الاختلاف، فنرى في الاختلاف صراعاً سلبياً، إلاّ أن الإيجابيات في هذا الحراك هي أكثر بكثير من السلبيات».