الشعب السوري الشقيق سيحفظ بكل اعتزاز هذا الموقف السعودي التاريخي الذي سجله الملك عبدالله بن عبدالعزيز من خلال كلمته التي وجهها للسوريين يوم أول من أمس ، حيث لكلمة الملك عبدالله أهميتها ووقعها وصداها على مختلف المستويات العربية والإسلامية والدولية ، والموقف السعودي دائما هو الموقف المرجح في مختلف القضايا والأزمات العربية ، والجميع يعرف ذلك ، ولهذا فإن أوضاع الشعب السوري ستتغير نحو الأفضل ، وسيتم تسريع آلية تخلصهم من نير الظلم والقمع والقتل ، وكما لاحظ المراقبون كيف تحركت أطراف كثيرة فور إعلان كلمة الملك وفي مقدمة تلك الأطراف جامعة الدول العربية التي يبدو أن أمينها العام نبيل العربي يحتاج لفترة تدريب طويلة ، إضافة إلى أطراف دولية أخرى ، وقبل الجميع الموقف التركي النبيل والمهم جدا. الملك عبدالله خير النظام السوري بين الحكمة أو الفوضى ، والسيد إردوغان يطالب النظام بإصلاحات فاعلة وسريعة مع إيقاف القمع والقتل ، والعربي من القاهرة مازال يدعو إلى الحوار ، وكل هذا كلام دبلوماسي وسياسي ، ومع أنه يحمل في ظاهره ما يوحي بأن الفرصة مازالت متاحة أمام النظام السوري للإصلاح ، إلا أنه في الحقيقة ينطوي على مضامين تقول بوضوح وصراحة: إن الفرصة انتهت تماما وإن الحل لم يعد بيد النظام السوري مطلقا. لقد تجاوز عدد القتلى على يد جيش وشبيحة النظام أكثر من 2300 وتجاوز عدد المعتقلين 30000 وحدث ولا حرج عن عدد الجرحى والمصابين والهاربين واللاجئين هنا وهناك ، فأي حوار وأي إصلاح يمكن أن يقبله السوريون ويثقون فيه وهم يرون دبابات الجيش وقوات الأمن تسحلهم والشبيحة يلاحقونهم في كل مكان ، والقتل هو اللغة الوحيدة التي يجيدها النظام للتفاهم مع شعبه الأعزل من كل شيء سوى إيمانه بالله ، ثم إيمانه بحقوقه المشروعة التي سينالها عاجلا بإذن الله. لقد كنت أعرف منذ بداية الثورة السورية أن نهاية بشار الأسد ونظامه قد أزفت ، وكان كل يوم يمر يؤكد ذلك فكلما تحرك الجيش وحاصر وقتل أكد رحيل النظام ، وكلما استباح الأمن والشبيحة دماء الشعب تأكد رحيل النظام ، وكلما تحدث وليد المعلم أو بثينه شعبان أصبح رحيل النظام مسألة وقت ، كل الأحداث في سوريا تؤكد رحيل النظام ولكن السؤال كيف ومتى يرحل ؟ منذ نحو شهرين كتبت هنا وقلت إن أمام الرئيس السوري ثلاثة خيارات للرحيل أولها وأفضلها خيار بن علي وهو خيار مازال متاحا أمام الرئيس السوري حتى هذه اللحظة حيث يمكنه أن يركب الطائرة مع عائلته وبعض الأقارب والحاشية ، ويختارون مكانا آمنا يستقبلهم والأمكنة مازالت كثيرة ، أما الخيار الثاني فهو سبيل مبارك وهو خيار صعب على بشار ونظامه ، لكنه خيار ممتاز للشعب السوري وما يعيق تحقيق هذا أن سوريا ليس فيها جيش وطني كما هو حال الجيشين المصري والتونسي ، فنظام البعث دمر الجيش السوري وحوله إلى جيش للنظام وليس للوطن ، أما الخيار الأخير فهو سبيل معمر القذافي ، ومع أنني نصحت الرئيس بشار الأسد بطريقة بن علي ومازلت أنصحه بها وأحثه عليها حتى الآن ، فإنني لابد أن أوضح أنها خياره الوحيد للنجاة برقبته من أيدي السوريين ، حيث إن الخيارين الثاني (مبارك) والثالث (القذافي) لم يعد لهما مجال في الواقع السوري ، فالسوريون في الداخل عازمون ومصممون وقادرون على طرد النظام شر طردة ، والآن هم أقوى بفعل الموقف السعودي والتركي وكل العالم وكل الشعوب ، فهل الرئيس بشار ونظامه يدركون ذلك ؟ لاشك عندي أن ولوغهم في دم الأبرياء السوريين بهذه الوحشية المقززة ، جعلهم أقرب إلى حياة الغابة تفكيرا وسلوكا (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة ، ولهم عذاب عظيم) والعذاب العظيم هذا قد يقاسونه قريبا في الدنيا قبل الآخرة.