قبل أربعة عقود من الزمن كانت الأنشطة المسرحية والمهرجانات الرياضية في منطقة الباحة وغيرها من مناطق المملكة أكثر إدهاشاً وإمتاعا للطلاب وأولياء الأمور ، إذ لم يكن في الباحة وسائل ترفيهية أو تثقيفية عدا ماتبثه الإذاعة من برامج متنوعة ، إلى جانب بعض الصحف والمجلات السعودية والعربية التي تصل إلى مكتبة الجادية - والتي تعد في نظر الكثيرين مركز التنوير الثقافي بالباحة آنذاك - والذي جعلني أتذكر هذه الملامح الحياتية السابقة كتاب ( هروب إلى النجاح ) لسعادة الدكتور سعيد عطية أبو عالي الذي شاهدته لأول مره في أعقاب حفل مسرحي نظمته إدارة تعليم الباحة بمتوسطة التوفيق بالظفير وكان مدير التعليم وقتها الدكتور فهد جابر الحارثي إذ وقف الدكتور أبو عالي وارتجل كلمة تحدث عن جوانب تربوية وتعليمية ،محفزا الطلاب مواصلة الدراسة وصولا إلى عالي الرتب العلمية في كافة التخصصات مؤكدا أن الوطن بحاجة إلى كفاءات وطنية تُسهم في البناء التربوي والفكري والثقافي، ووقتها أظن أنه جاء زائراً للمنطقة حيث يتسنم إدارة التربية والتعليم في المنطقة الشرقية، قرأت كتابه الذي صدر مؤخراً وهو عبارة عن سيرة ذاتية للمؤلف منذ أن كان طفلاً صغيراً في قريته ببني ظبيان حتى نال أعلى الدرجات العلمية من الولاياتالمتحدةالأمريكية مستهلاً هروبه الأول إلى مدينة جدة ليعمل بأجر زهيد، مرورا بنجاحات تعليمية وتربوية حققها من جامعة كلورادو،مسافة زمنية طويلة بين التعليم الذي تلقاه من المربي الفاضل الشيخ سعد بن عبدالله المليص وبين التعليم الأكاديمي على يد الدكتور جوينلكر والدكتور ويليام ويلسي . بين أول عمل تربوي مارسه معلما عام 1373ه في مدرسة بني سالم الابتدائية وبين قيادة تربية وتعليم الشرقية،بين مرارة الحزن حين فقد أباه الشيخ عطية أبو عالي عريف قرية العبالة بوادي العلي بني ظبيان وبين فرحة تتويجه بوشاح الدكتوراه في أعرق الجامعات الأمريكية. وتخلل كتاب(هروب إلى النجاح) الكثير من المواقف المثيرة ، اللقاءات الثرية ، الأحداث السياسية ، القرارات ، المهام الإدارية ، النشاطات المتنوعة،الأصدقاء، الشخصيات السياسية البارزة التى التقاها . وللحق فالدكتور أبو عالي شخصية تربوية بارزة، وقيادية متميزة ، ساهم مع الرعيل الأول في وضع البناء التعليمي لبلادنا ومازال يواصل عطاءه الاجتماعي والتربوي والثقافي إذ يعمل عضواً في الجمعية الوطنية للمتقاعدين ، وأميناً لجائزة الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز للتفوق العلمي ،عضو مجلس إدارة جائزة يوسف أحمد كانو للتفوق والإبداع ،رئيسا لتحرير مجلة كانو الثقافية ،وقد استلم مهام قيادية كإدارة التربية والتعليم بالمنطقة الشرقية ، ورئاسة تحرير مجلة الشرق إلى جانب استلام مهام نائب رئيس النادي الأدبي في الشرقية ثم الباحة ، والإشراف على كلية الباحة الأهلية للعلوم . إن هروب الدكتور أبو عالي كان نحو النجاح الحقيقي إذ يُعتبر أنموذجاً تربوياً يُحتذى به ويُقتدى بخطواته . والكتاب يحكي مرحلة مفصلية من مراحل التربية والتعليم في بلادنا ، كُتب بأسلوب أدبي مشوق ويُعد أبوعالي أنموذجاً مضيئاً وصورة صادقة للمواطن الذي خدم دينه ومليكه ووطنه، ومازال يمتلك العطاء الفكري والأدبي والثقافي . ولعل هذا الكتاب يسجل الجهد الكبير الذي بذله ويكشف الحياة القاسية التي عاشها، ويؤكد النجاح الكبير الذي حققه .تحية إجلال واحترام للدكتور سعيد عطية أبوعالي.