لئن كان نهج أصحاب المكتبات الخاصة أن يحصروها في مكان واحد، فإن للدكتور سعيد عطية أبوعالي رئيس جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي بالمنطقة الشرقية، وعضو مجلس أمناء جائزة يوسف بن أحمد كانو العربية، وأحد رجالات التعليم الأوائل نهج مختلف مع مكتبته؛ فهو قد وزّعها بين ثلاث مناطق، ففي الباحة وضع مكتبته الرئيسية، وفي الدمام جزء منها قوامه خمسمائة كتاب، وبعض من كتبه محفوظ في مدينة الخبر.. ميلاد مكتبة أبوعالي روى ل»الأربعاء» قصة ميلاد هذه المكتبة الموزعة بين المناطق الثلاث قائلاً: فكرة بناء المكتبة تولدت عندي وأنا في السنة الخامسة الابتدائية عام 1372ه، والسبب في ذلك هو أستاذي الشيخ عبدالله بن سعد المليحي الذي كان مديرًا لمدرسة بني خبيان التي كنت طالبًا فيها، فكلما استدعانا أو زرناه في منزله كانت تعجبني فكرة المكتبة المنزلية لديه؛ فقد كانت مكتبة مرتبة ومنظمة وكثيرة في ذلك الوقت، ولهذا عشقت المكتبة، فشرعت منذ صغري في اقتناء الكتب، وطوّرت مكتبتي حتى بلغت أكثر من أربعمائة كتاب؛ ولكني عندما قررت مواصلة دراساتي الجامعية وغادرت منطقة الباحة، بقيت المكتبة بدون استخدام، فوالدتي رحمها الله رأت في ذلك حرجًا من الناحية الدينية بترك الكتب دون استخدام، فقامت بإهدائها كلها لمدرسة القرية وهي مدرسة وادي العلي الابتدائية، فكانت هذه المرحلة هي الأولى معي في عالم المكتبة. ويمضي سعيد في حديثه مضيفًا: أما المرحلة الثانية فقد نشأت بين أمريكا وجامعة أم القرى عندما كنت أدرس في أمريكا، ثم عملت أستاذًا في جامعة أم القرى لمدة عامين، وتكونت لدي مكتبة تتألف من أكثر من ستمائة كتاب؛ ولكني مع انتقالي للمنطقة الشرقية فقدت الكثير منها، مما دفعني للبداية في تأليف المكتبة مرة أخرى في المنطقة الشرقية، وبمثل ما كنت مأخوذًا بمكتبة أستاذي المليحي، فقد أعجبتني مكتبة سعادة السفير الأديب الأستاذ أحمد بن علي المبارك في الأحساء، فعندما زرته وجدتها مكتبة لها نفس تاريخي من حيث مراحل تكوينها، فسعادة السفير كوّنها من أيام الدراسة المبكرة، مرورًا بمراحل دراسته في القاهرة، وفترة عمله في السعودية وخارجها. وإن كان ثمة فرق بينهما فيبرز في أنني أحتفظ بالكتب التي تكون مادتها العملية ما تزال حية ومطلوبة، أما الكتب التي تصبح في عداد التطور المعرفي والزيادة المعرفية فإني أرى أنها أصبحت لا تعني إلا مرحلة معرفية سابقة وتطورت المرحلة المعرفية فأنا أتخلى عن تلك الكتب. وأرى أن المكتبة العامة بالدمام تحوي من كتبي ما يقل عن خمسمائة كتاب، ولكن الآن لدي مكتبة رئيسية مركزية في منطقة الباحة حيث الهدوء والوقت المناسب للقراءة والبحث ومكتبة صغيرة متنقلة ومتحركة لأنها تأتي للباحث ثم تغادر للخبر والعكس، ولدي أيضًا مكتبة فرعية في الخبر تضم ما لا يقل عن ثلاثمائة كتاب، ونهجي في هذه المكتبات الثلاث أن تكون الكتب فيها مختارة بناء على الموضوع العلمي الذي أبحثه أو المحاضرة التي أود إلقاءها أو المشاركة العلمية التي أشارك فيها. تركيز على الثقافة ويواصل أبوعالي حديثه ملقيًا بمزيد من الضوء على محتويات مكتبته بالخبر قائلاً: المكتبة عندي تحتوي على العلوم العامة بدون تحديد، ولكني أركز على كتب الثقافة الإسلامية والأديان، وكتب اللغة والأدب العربي، وكذلك الأدب الإنجليزي، وكتب التربية بصفة عامة. أيضًا أركّز على كتب الثقافة العامة التي تناقش أمورًا معرفية جديدة وخارجية خاصة ما يتعلق بحوار الثقافات والأديان وحوار الحضارات، وأيضًا العلاقات الإنسانية والعلوم السياسية، بجانب السير الذاتية وسير الأعلام سواء من القدامى أو المعاصرين. ويؤكد الدكتور سعيد أن القرآن الكريم يمثل أغلى كتاب في مكتبته، وصحيحي البخاري ومسلم، ومجموعة الأحاديث التي رواها صحابيون أجلاء وأفاضل من أبناء غامد وزهران الذين هاجروا إلى المدينة وانخرطوا في سلك الدعوة الإسلامية. ماضيًا إلى الإشارة إلى آخر ما قرأه بقوله: أقرأ الآن كتابًا للمفكر الفرنسي روجيه جارودي عن المستقبل بعنوان «مستقبل العالم» وفيه يتطرق إلى مسؤولية المسلمين عمومًا ووجوب وحتمية مشاركتهم في بناء الحضارة الإسلامية مثلما وضعوا الأسس العلمية القديمة التي اقتبسها عنهم الغرب، متوقعًا أن يكون المسلمون في المستقبل القريب مساهمين فاعلين وحقيقيين في بناء الحضارة الإنسانية. مصادر وموارد ويمضي أبوعالي متحدثًا عن الموارد التي يستقي منها كتبه قائلاً: بعض كتبي حصلت عليها من داخل المملكة، والقسم الآخر منها من خارجها خاصة الكتب الداخلة في المجالات المعرفية التي تحظي بالنقاش في الوقت الحاضر على مستوى العالم الغربي والعالم بأسره، فأنا أشتري الكتب من الخارج كثيرًا، خاصة عندما أزور بيروت، وغيرها من البلدان العربية الأخرى. وأذكر أني قبل ثلاث سنوات حضرت مؤتمر مؤسسة الفكر الغربي في مراكش بالمغرب الغربي، وكانت معنا سيدة مغربية فاضلة تقوم بالطباعة والنسخ وأعمال السكرتارية والشؤون الإدارية في المؤتمر، وكانت كل يوم صباح ومساء تأتي بسؤال يختص بالناحية الدينية، فذهبت إلى إحدى المكتبات في مراكش لاشتري لها كتابًا يساعدها على الاطلاع، وإيجاد إجابات لأسئلتها، فوقعت عيني صدفة على كتاب «لا تحزن» للشيخ عائض القرني، فاشتريت لها ذلك الكتاب، واتيت به وأنا مستبشر بأني سأهديها كتابًا قيّمًا، فأعطيتها الكتاب؛ فقالت لي: «أنا أقبل منك هذا الكتاب الهدية؛ ولكن لمعلوماتك هذا الكتاب هو موضوع دراستنا وقراءتنا في الأسرة في البيت في كل يوم».. وعندها أدركت أن الكتاب القيّم والمفيد يسوّق نفسه ويعرضها. وعمومًا مصادري التي انتقيت منها كتبي كثيرة، ومعلوم أن العلوم في الوقت الحاضر تقاس بحكم التخصصات، ولكني شخصيًّا وبحكم دراستي في المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة والثانوية أؤمن بتعدد الجوانب الثقافية عند الإنسان، لذلك تجدني أكثر عناية بكل ذلك، مع عناية خاصة بالجوانب الدينية والثقافية والمصادر التاريخية، خاصة ما يتعلق بالسيرة النبوية التي في رأيي أنها تمثّل وقود الحياة، فإذا أراد المسلمون والعرب في الوقت الحاضر ولوج أبواب العلم والثقافة والحضارة من جديد فلديهم هذه السيرة، كما أن لديهم أيضًا مصادر كبيرة ومتعددة وخاصة في مجال الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والإنساني في مجالات الأدب العربي واللغة العربية. إهداء الكتب ويؤكد الدكتور عطية رغبته في زيادة رقعة المعرفة بإهداء الكتب لمن يستحقها، بقوله: أنا أحب بسط الثقافة والمعرفة من خلال تقديمي لبعض الكتب هدية لمن آنس فيه رغبة للمعرفة، وكنت أشجع على هذا في التعليم في المنطقة الشرقية بأن تكون الكتب هدايا يتداولها طلاب العلم فيما بينهم، ولهذا أرى أنه من واجب المثقفين والعلماء لدينا في المملكة العربية السعودية أن تكون هداياهم للآخرين وأصدقائهم وزملائهم كتبًا، فهذا أفضل من أي شيء آخر، والسبب أنه يجب أن نساهم بطريق غير مباشر على بعث وإحياء ملكة القراءة لدى أبناء شعبنا، فشعب المملكة العربية السعودية عليهم مسؤولية كبيرة بوصفهم النخبة الطليعية في العالم الإسلامي كله، وليس ذلك لأننا سعوديون، ولكن لأن بلادنا تحتضن الحرمين الشريفين، وهي مهبط الوحي، فهذه البلاد عامرة بالعلوم النافعة والتوجيهات الحميدة، التي هي الأساس العلمي والديني والحضاري للإنسانية جمعاء. صراع الرقمي والورقي ويختم الدكتور أبوعالي حديثه بالإشارة إلى التنافس المحتدم بين الكتاب الرقمي الإلكتروني والكتاب المقروء قائلاً: أرى أن الكتاب الرقمي أفق جديد من آفاق البحث، واعتبره وأراه راشدًا للكتاب المطبوع، وليس منافسًا له، كما أعتبره فتحًا جيدًا في عالم المعرفة، ويجب ألا يفوتنا هذا الأفق من أن نرتاده ونطوره لنخلق أفقًا رحبًا للمعرفة.