بعد مرور أحد عشر عامًا على انعقاد مؤتمر الأدباء السعوديين الثاني، وستة وثلاثين عامًا على المؤتمر الأول، يعقد المؤتمر الثالث بمدينة الرياض في نهاية هذا العام الهجري 1430ه. وأول ما يلفت الانتباه هو الحيز الزمني الذي يفصل بين المؤتمرات الثلاثة، والتعقيدات البيروقراطية والهواجس التي تقوم بتعطيل مثل هذه الفعاليات، الأمر الذي يدعو للتساؤل والشفقة أكثر مما يدعو للدهشة. وطن يملك من المقدرات المالية، والطاقات الخلاقة من المبدعين، يكون وضع الأدب والأدباء فيه بهذا الواقع المزري. إننا إذا أردنا أن نتوقف أمام هذا الحدث فيجب أن يكون لدينا صراحة وشفافية في كشف ملابسات ما يحدث، واستقراء أخطاء الماضي لبناء رؤية مستقبلية تليق بمكان الأدب والأدباء في هذا الوطن، وتليق بمكانة المملكة بوصفها دولة مركزية، نزل فيها القرآن، وبعث فيها خاتم الرسل، وجمعت اللغة والشعر من بين جنباتها، وهذه المكانة تقتضي كلفة في المسؤولية، وأداء للأمانة التي يجب الوفاء بها. لقد توحدت البلاد بحمد الله تحت راية التوحيد، ومقتضى ذلك أن تتوحد الثقافة تحت مؤسسة واحدة، ولكن ذلك لم يحدث حتى مع إنشاء وزارة للثقافة، فلم تزل دماء الثقافة موزعة بين عدد من الجهات، وهذا يجعل المشهد الثقافي ممزقًا، وغير قادر على إنجاز رؤية شاملة للتنمية الثقافية. الوزارة اليوم تعمل على عدة محاور منها الداخلي والخارجي، وقامت ببناء إستراتيجية وطنية للتنمية الثقافية، وحظيت بنقد ودراسة دقيقة من قبل المثقفين السعوديين، ومنذ أكثر من عام لم نسمع عنها شيئًا. مؤتمر الأدباء الثالث الذي يعقد في هذه الظروف التي تمر بها بلادنا يجب أن يكون مؤتمرًا فاعلاً في رؤيته وفي توصياته، فلم يعد هناك مجال لأنصاف القرارات وأنصاف المواقف، ولعلنا نخرج من مؤتمرنا برؤية يصطنعها المصطلون بنار الأدب إبداعًا وقراءة ونشرًا، تنير للأديب السعودي الطريق ليكون صوتًا فاعلاً في سماء الثقافة العربية والدولية. اليوم لدينا أدباء لامعون، ونقاد مبرزون، ومبدعون متميزون نحتوا لأسمائهم مكانًا بجهودهم الفردية، وبدون أي دعم من أية جهة ثقافية، اليوم هم بحاجة للدعم لترسيخ إبداعهم، وسواهم بحاجة إلى دعم أكثر ليصنعوا لأدبنا صوتًا في المحافل العالمية. وهناك بلدان أقل منا دخلاً، وطاقة بشرية دعمت المبدعين، وجعلت رعاية الأدب والأدباء من أجندتها الفاعلة فحققت ما لم نحقق من الحضور الثقافي الخلاق. المؤتمر الثالث أشرع الأبواب للحديث في جميع المحاور، وهذا مكسب عظيم إذا تم كتابة أوراق علمية جادة؛ لتقديم رؤية واضحة لصناع القرار لاتخاذ خطوات فاعلة لدعم الحركة الأدبية. وسيكون للمؤتمرات القادمة بمشيئة الله وقفات مع قضايا جزئية داخل الخطاب الأدبي وفق الظروف الملحة وأهداف التنمية الأدبية. إننا لا نملك إلا أن نشيد بجهود الوزارة في إقامة هذا المؤتمر، وبما تقدمه من دعم، وإن كان دون المأمول بكثير. إن التحولات الكبرى التي تجري في عصر العولمة، والتدفق المعرفي في زمن الانفجار المعرفي يفرض وجود إستراتيجية ثقافية يكون للأدب فيها قصب السبق، فهو روح الأمة، ومسبار حركة المجتمع وترمومتر وعيه، ودليل شهوده الحضاري. ولهذا أرى أن هناك عددًا من الأمور يجب أن تكون في حساب الوزارة مستقبلاً، لتنشيط الحركة الأدبية، وإغناء الإبداع وذلك على النحو الآتي : 1- إنشاء اتحاد للأدباء السعوديين يقوم بنشر الأدب، ويدافع عن حقوق الأدباء وحرياتهم، ويتبنى نشر إبداعهم، ورعاية المواهب الشابة منهم، ويقوم بتنظيم الفعاليات الثقافية، ويتواصل مع أدباء العالم، ويعزز الروح الوطنية والإسلامية في النفوس. 2- إيجاد رؤية واضحة لقيمة الأدب في التنمية المستدامة، مما يجعل من الأدب قيمة حضارية، يصبح التفريط فيها تفريطًا في الهوية والروح الوطنية والإسلامية، فالأدب ليس عمل من لا عمل له، إنه روح الأمة وضميرها الحي. 3- إعادة النظر في وضع الأندية الأدبية، وتغيير ملامحها الحالية، وإعادة هيكلتها، وإيجاد لوائح تنظيمية لها تجعل منها مؤسسات ذات شخصية اعتبارية، يكون لها كامل الحرية في مزاولة أنشطتها، مع التزامها بكامل المسؤولية. 4- تكريم الأدباء المبدعين في جميع الأجناس الأدبية تكريما يليق بمكانتهم، ويكافئهم نظير ما قدموا من إنجازات، على أن يكون التكريم مجزيًا وسنويًّا وفي جميع الأجناس؛ ليكون هناك حافزًا لمزيد من الإبداع. 5- تنمية قدرات الأدباء والمبدعين بالدورات التدريبية، والتواصل العالمي مع ثقافات العالم من خلال نظام لابتعاث المبدعين للاحتكاك بالمبدعين والمؤسسات والثقافات. 6- وضع خطة للترجمة من الأدب السعودي وإليه، يتم فيها اختيار نماذج من الإبداع السعودي والعالمي للترجمة والتواصل. 7- دعم المبدع السعودي بشراء 500 نسخة من إبداعه بسعر مجز، وتوزيعها على مكتبات الجامعات، وسفارات خادم الحرمين الشريفين في أنحاء العالم. إن تكريم الأديب تكريم لقيمة من القيم النبيلة، وترسيخ لثقافة الوعي والوسطية، وتعدد الأصوات داخل المجتمع، وتحفيز للمبدعين لبناء صورة جميلة للإنسان النبيل في هذه الأرض، ولأمكنتها المقدسة، وليس ذلك بكثير على وطن اختاره ليكون مثابة للناس وأمنًا.