في أول حوار للصحافة بعد تعيينه شيخاً للأزهر يوم الجمعة الماضي 19-3-2010 خصّ الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد الطيب "العربية" بحوار شامل ردّ فيه على الملاحظات التي أثيرت خلال الأيام الماضية حول ظهوره من دون لحية مرتدياً "البدلة" وربطة العنق خلال رئاسته لجامعة الأزهر، فيما جرت التقاليد أن يكون شيخ الأزهر ملتحياً ومرتدياً العمامة البيضاء حول طاقية حمراء، والجبة والقفطان وهو ما يُعرف بالزيّ الأزهري. قال شيخ الأزهر إنه سوف يطلق العنان للحيته "لأنه جرى العرف على ان شيخ الأزهر له لحية، وهو شيء مطلوب، كما هو مطلوب أيضاً ارتداء الزي الأزهري، وإن كنت أرى انه ليس واجباً أو فرضاً ولا حراماً إذا ارتديت الزي الإفرنجي، لكن ذلك سيصدم الشعور العام، والشرع يحترم ويقدر الشعور العام، ويستاء من الخروج على الذوق العام، فالمسألة ليست حلالاً أو حراماً بقدر ما هي عُرف، والعرف مقدر عند الشرع والشريعة. وشدد على أنه لم يُفت مطلقاً بفتوى إباحة عمل المسلم في تقديم الخمور لغير المسلم في الدول الأوروبية أو في الفنادق، مؤكداً أن هذه الفتوى لم تصدر عنه مطلقاً، كما ردد البعض ونسبها إليه فور توليه مشيخة الأزهر، بأنه أفتى بها عندما كان مفتياً للديار المصرية بين عامي 2002 و2003. وحول دراسته للدكتوراه في جامعة السربون، أشار الطيب إلى أنه قام بتحضير الدكتوراه في جامعة الأزهر، ولكنه تردد على جامعة السربون مرتين: الأولى لمدة سنة، والثانية 7 شهور، "لأن الرسالة كان جزء كبير منها باللغة الفرنسية حول الشخصية التي كنت أدرسها". ونفى د. الطيب أنه شيخ للطريقة الأحمدية (الخلوتية) إحدى الطرق الصوفية، مؤكداً أنه فقط يحب التصوف وعلوم التصوف، ويعلم هذه الطرق ويقرأ كثيراً عنها. وقال الإمام الأكبر إن أول قرار اتخذه كشيخ للأزهر هو منع تهنئته في إعلانات الصحف والمجلات. وشدد على أن الخطاب الديني يحتاج إلى تنقية، موضحاً أنه يبيح الصلاة في المساجد التي بها قبور وأضرحة. وقال شيخ الأزهر إنه سينتقل، (اليوم) الأحد 21-3-2010 إلى مقرّ مشيخة الأزهر لمزاولة عمله، مؤكداً أن هناك ثوابت عامة للأزهر وأي شيخ جديد له لا يستطيع أن يعمل بعيداً عنها، وأول هذه الثوابت "هو إنني سأحافظ قدر الإمكان على كل ما أضافه فضيلة الإمام الأكبر الراحل الشيخ سيد طنطاوي في فترته التي قضاها شيخاً للأزهر، لأنه قدم الكثير من المكاسب، ويجب أن نبحث عنها أولاً، ونحددها ثانياً، حتى نبني عليها، لأنني لست من أنصار أن كل شيخ جديد يضع خارطة جديدة، فهناك تراكمات من الايجابيات الكثيرة عادة ما يغفل عنها أي رئيس قادم لأي مؤسسة جديدة، وأنا استفدت كثيراً من ذلك عندما أصبحت رئيساً لجامعة الأزهر من قبل". الأزهر حارس الوسطية وشدّد شيخ الأزهر الجديد على أنه "لابد من العمل على أن يكون الأزهر المرجعية العليا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لأن وضع الأزهر وقيمته وتاريخه يؤهله لهذه المكانة التاريخية بعد أكثر من 1000 عام على إنشائه، وهو الحارس لوسطية الإسلام والمسلمين". وتابع حديثه: لو ألقينا نظرة سريعة على تاريخ الأمم والشعوب سنجد الاقتتال بين أبناء الدين الواحد على المذاهب والملل المختلفة، ويكاد يفني بعضها بعضاً، لكن في الإسلام باستثناء الاقتتال على الخلافة، لم يكن هناك اقتتال على مذاهب. وأكد د. الطيب أن الأزهر كان بمثابة الجهة الواحدة التي ولى المسلمون وجهوهم شطرها في مسألة الثقافة والفكر والقرآن والتفسير، وهذه الوسطية التي اشتهر بها الأزهر يجب أن يمكّن منها الآن، ويطالب بها ويستردها، لأنه حق كاد أن يُسلب منه. وحول تراجع دور الأزهر لوجود منابر إسلامية أصبحت تقوم بدور ينافس دوره، أكد د. الطيب أن تلك المنابر ممولة، وهناك فرق بين الدعوة التي تنتشر بالمال في المنابر الممولة وبين الدعوة التي تنتشر بكم الصدق واليقين التي تحمله، وفرق بين مؤسسة صنعها التاريخ ومؤسسة تصنعها الأموال الآن. وقال الطيب إن الأزهر لم يتراجع، ولكن الصوت الآخر ذا الإمكانيات الكبيرة تجعله أعلى، ولو أعطينا الأزهر إمكانيات هذه الأصوات الأخرى لعلت مكانته وشأنه، ولو حصلت هذه المنابر على إمكانيات الأزهر الضعيفة لن تظهر ولن يكون لها أي صدى ولن تسمع على الإطلاق، وإذا كانت إمكانيات الأزهر ضعيفة إلا أنه ثري بعلمائه، وهو يحتاج في تنفيذ فكره إلى آليات وإمكانيات مادية وإعلامية للتوصيل أو الإسماع. وسألته "العربية": هل يطلب ميزانية إضافية لتنفيذ أفكاره؟ فقال الطيب: في حدود المتاح سوف أطالب بدعم الأزهر أدبياً ومادياً، فلاشك أنه قد تم التفريط في حق الأزهر كثيراً، ولا أقصد أن هذا التفريط في عهد الراحل الشيخ طنطاوي، ولكن منذ أن كانت مصر على المد الاشتراكي وتأثيره في التدين والدين والتراث والثقافة، لأننا ارتمينا في أحضان الاشتراكية ومن بعدها الرأسمالية، ولكي نغير ثقافتنا الآن لنعود بالفكر المصري قبل دخوله هذه المتاهات، فإن ذلك سيلقي بمسؤولية كبيرة على الأزهر، وأطالب بأن يكون الدعم أدبياً ومعنوياً، لأنه يستحق أن يعاد إلى مكانه المعهود أو يعود به أهله إلى مكانه، فقط هذا هو المطلب العاجل الذي سأبدأ به عملي، ثم تستقيم الأمور بعد ذلك ويصبح الأبيض أبيض والأسود أسود. الثوابت وتجديد الخطاب الديني وأوضح الطيب أن للأزهر ثوابت من بينها الحفاظ على الوحدة الوطنية في الداخل، وخارجياً على وحدة المسلمين، فهي من أبرز التحديات التي تواجه الأزهر الآن خاصة من الخارج، حيث يواجه حروباً عنيفة من خلال الانشقاقات بين الشعب الواحد، وبين جناحي الأمة الإسلامية الواحدة من شيعة وسنة، والأزهر كان ومازال له تاريخ في لمّ الشمل والحفاظ على وحدة المسلمين. وقال إنه سيقوم بعمل المستحيل من أجل تنشيط دور الأزهر التاريخي ليقوم بدوره ويعيد الطريق إلى لمّ الشمل، ووحدة الأمة الإسلامية، خاصة أنه لا توجد أسباب حقيقية لهذه الانشقاقات. وأشار الطيب إلى أن انفتاحه على الغرب وعلمه بلغتهم سوف يفيده في تجديد الخطاب الديني الذي يحتاج إلى مراجعة وتجديد بوجهة نظره، وقال: "إن تجديد الخطاب الديني ليس فكراً غربياً لأنه من عمق الفكر الإسلامي". وقال: التغيير شيء معروف في القرآن الكريم، وفلاسفة المسلمين أول من قالوا إن الكون متغير ومتجدد في كل لحظة، كما أن فلسفتنا وتراثنا قائمان على حقيقة التغيير والتجديد في كل شيء، فأنا لست في حاجة لأتصل بالثقافة الانجليزية أو الفرنسية حتى أضطر إلى التجديد. إنما الخطاب الديني مطلوب تنقيته، ومشكلته الآن أنه يعتمد على مثيرات العواطف، ولا يخاطب العقل أبداً مع أن العقل أساس الخطاب في القرآن الكريم، فالعقل موجود بشكل لافت للنظر في الإسلام، أما التركيز على العواطف والشعور وإثارة الوجدان فهي عمليات لحظية يتأثر بها الإنسان، ولكن لو بنى إيمانه على العقل والإيمان بالأدلة العقلية، ولو أسس المؤمن تأسيساً عقلياً كما يطلب منه القرآن، سيظل في كل لحظة مستصحباً هذا الدين باستمرار". لستُ قريباً من السلطة وحول القول عن أن اختياره شيخاً للأزهر لكونه قريباً من السلطة وأحد أعضاء لجنة السياسات في مصر، أشار الطيب إلى أنه ليس مقرباً من السلطة.. "السلطة لا تعرفني إلا من خلال الصحف، والذي يقول هذا الكلام فليأت لي بمظهر من مظاهر هذا التقرب". وحول تخوّف "الإخوان المسلمين" كونه جاء شيخاً للأزهر على غير رغبتهم، وأنه كان صاحب الشهادة المشهورة بالعرض العسكري التي أدخلت قيادات كثيرة منهم إلى السجن، قال الطيب: "أنا لا أخوّف الإخوان أو غيرهم، إنما أعبر عن مؤسسة أزهرية علمية أكاديمية بحثية تعليمية، تبلغ الإسلام إلى الناس، ونحن لسنا منظمة أو تنظيماً، ومن يعمل معنا في هذا الإطار نرحّب به، أما ان يستغل الإسلام والأزهر لترويج أمور أخرى، فهذا ما نرفضه". ورداً على سؤال حول رأيه في المطالبة باختيار شيخ الأزهر بالانتخاب، قال الطيب إنه يرحب "ان يأتي شيخ الأزهر بالانتخاب من خلال أناس يقيمون الأمور ولا يزورون الحقائق، فإذا كان كذلك فأهلاً به، وقد خضنا هذه التجربة في اختيار عميد كلية أصول الدين، ولكن الانتخابات ليست بالضرورة تأتي بالأفضل، وعلى أية حال نحن مع أي طريقة جيدة ومناسبة للأزهر سواء كانت التعيين أو الانتخاب". وحول امتداد اللقاءات التي ستجمعه بالبابا شنودة لدعم الوحدة الوطنية المصرية في ظل ما يحدث لها الآن من انشقاقات وفتن طائفية سيراً على خط سلفه الراحل د. طنطاوي، قال الطيب: "ليست القاعدة هي لقاء البابا شنودة، ولكن الأساس الأول أنني أنتمي إلى مؤسسة تحارب الفتنة وتعمل على جمع نسيج الشعب الواحد في وحدته الوطنية حتى لا ينال منه من الخارج".