مع توالي قرارات الاستغناء عن العمال وتقليص أعدادهم كل يوم طغت مشاعر الغموض والقلق على أمسيات معسكرات العمال في منطقة جبل علي بإمارة دبي وهي المعسكرات التي تؤوي آلاف العمال من جنوب شرق آسيا الذين جاءوا إلى إمارة دبي تحدوهم أحلام الثراء. وفي إحدى الشقق تجمع نحو عشرة من العمال الأجانب لمواساة عامل البناء الهندي سونام مالاياه الذي فقد وظيفته توا. ولكن حتى هؤلاء العمال لم يستطيعوا التفوه بكلمات الأمل والرجاء في ظل الغموض الذي يحيط بمصيرهم ايضا. كان مالاياه قد استدان وباع قطعة الأرض التي يمتلكها في ولاية أندرا باراديش جنوب الهند من أجل توفير 150 ألف روبية هندية (3090 دولارا) لتقديمها إلى الوسيط الذي أحضر له عقد عمل في دبي إحدى إمارات الإمارات العربية المتحدة. وبعد أسابيع قليلة من بدء عمله في دبي مقابل 1600 درهم شهريا تبددت أحلام مالاياه (30 عاما) بتوفير حياة أفضل لزوجته وأطفاله. فبعد انفجار فقاعة الاستثمار العقاري في دبي نتيجة الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على منطقة الخليج أصبح العمال الأكبر سنا مثل البنغلاديشي شاهجيهان آلام أكثر قلقا بشأن صديقهم الهندي. يقول آلام في مقابلة عبر الهاتف 'إنه يلتزم الصمت وهو في حيرة لا يعرف كيف سيعود إلى بلده مثقلا بالديون وبجيب خاو.. نخشى أن يقدم على الانتحار'. في المقابل تصر وزارة شؤون الهنود في الخارجية الهندية على أن الموقف لا يدعو إلى القلق ولكن أنباء تسريح العمال وخفض الأجور تتوالى من الإمارات العربية المتحدة والبحرين اللتين تضررتا من تراجع أسعار النفط وانكماش قطاع التشييد والسياحة بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. يعمل في الإمارات حوالى 1.8 مليون هندي وفي البحرين حوالى 400 ألف هندي يمثلون حوالى نصف عدد الهنود العاملين في منطقة الخليج ككل ويبلغ حوالى 5 ملايين عامل. وقد تأثرت أوضاع الهنود في دول الخليج الأخرى مثل الكويت وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية ولكن بدرجة أقل. ورغم عدم وجود أرقام محددة فإن القنصلية الهندية في دبي ذكرت أن شركات البناء أعدت خططا للاستغناء عما بين 20 ألفا و30 ألف عامل خلال الشهور المقبلة بحيث سيتم إعادتهم إلى بلادهم في إجازة طويلة أو إعادة تشغيلهم في مشروعات بدول خليجية أخرى مثل قطر. وتفيد تقديرات غير رسمية بأن آلاف العمال عادوا إلى مواطنهم في منطقة تيلانجانا بولاية أندرا براديش على مدار الأشهر القليلة الماضية في حين سجلت ولاية كيرالا التي يعمل عدد كبير من أبنائها في الخارج عودة نحو 150 عاملا كل أسبوع. كما يواجه المهنيون والموظفون الهنود في الخارج احتمالات إنهاء عقودهم والعودة إلى بلادهم حيث تتركز عمليات الاستغناء عن العاملين في قطاعي السياحة والبنوك. كما تراجعت فرص عمل مندوبي المبيعات والتسويق. يقول موظف هندي في شركة الإمارات للاتصالات الدولية 'أربعة من أصدقائي من قطاعي الخدمات المالية والسياحة فقدوا وظائفهم خلال يوم واحد رغم أنهم على درجة عالية من الكفاءة.. مع اتجاه العديد من الشركات إلى خفض النفقات فإنه يتم توظيف العاملين حاليا بأجور أقل. وعاد عدد من الموظفين إلى بلادهم بعد أن أصبحت أجورهم أقل من أن تتيح لهم البقاء' في الخارج. يقول كيه في شمس الدين رئيس مؤسسة هندية للضمان الاجتماعي في دبي عبر الهاتف 'حتى عام 2008 كان الخليج يشهد ازدهارا حقيقيا في مجالي الإنشاءات والعقارات وكان جاذبا للعمال .. لكن الآن تقول التقارير انه تم تأجيل مشروعات تشييد بقيمة 260 مليار دولار في الإمارات العربية المتحدة'. ووفقا لتقديرات العمال فإن الشركات العقارية العملاقة في الإمارات مثل نخيل وداماك وإعمار استغنت عن آلاف العمال خلال الشهور القليلة الماضية. يقول آلام 'بعض الشركات منحت العمال عطلة بدون أجر والبعض الآخر ينظم سحبا بين العمال لاختيار الذين سيتم الاستغناء عنهم'. وتتبع الحكومة الهندية الموقف عن كثب خوفا من تفجر أزمات اجتماعية حادة نتيجة عودة آلاف الهنود من الخارج بعد أن فقدوا حلمهم في الثراء. يشكل الهنود حوالى 38' من إجمالي الأجانب العاملين في منطقة الخليج وعددهم 13 مليون عامل ويمثلون حوالى 20' من إجمالي تحويلات الهنود العاملين في دول العالم التي تمثل حوالى 3' من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الهندي وفقا لتصريحات أكشاي روت المتحدث باسم وزارة شؤون الهنود في الخارج. ساعد العمل في دول الخليج عددا لا يحصى من الأسر الهندية على الخروج من دائرة الفقر خلال السنوات العشر الماضية. كما أن تحويلات هؤلاء العمال ساعدت في ازدهار قطاعات التشييد والسياحة والتعليم في ولايات مثل كيرلا وأندرا براديش. يقول أفيجيت ناندا رئيس 'تايمز أوف مني' إحدى شركات تحويل الأموال الرئيسية في الهند إن عمليات تسريح العمال في منطقة الخليج وبخاصة في قطاع التشييد سوف يؤدي إلى تداعيات اقتصادية خطيرة على الكثير من الأسر الهندية التي تعتمد في حياتها على تحويلات أبنائها العاملين في منطقة الخليج