تزامناً مع الأزمة المالية العالمية التي تلقي بظلالها الثقيلة على دول الخليج، أصبح الاستغناء عن خدمات الموظفين ومن بينهم المواطنون أمراً شائعاً في أوساط الأعمال والشركات في منطقة الخليج وتحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتم تسريح آلاف العمال والموظفين في أكثر من دولة خليجية بحجة الأزمة المالية، حيث تم تسريحهم عشوائياً وتعسفياً في بعض الأحيان، وفي هذا الشأن أوردت وسائل إعلام إماراتية أنباء عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة بصدد تشريع قوانين جديدة تجعل من الاستغناء عن خدمات الموظفين المواطنين (الإماراتيين) أمراً غير قانوني بل خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه إلا في حالة مخالفة الموظف لقوانين العمل، لا سيما أن نسبة المواطنين الإماراتيين تقدر ب 10% من القوة العاملة في دولة الإمارات، ولا تتجاوز 1% من القوة العاملة في القطاع الخاص، حيث يعمل نحو 13 ألف إماراتي في القطاع الذي يقدر حجم العمالة فيه ب 3 ملايين موظف. وبحسب مصادر في دولة الإمارات فإن مشروع القرار المقترح يتلخص في عدة نقاط اهمها، في حال اضطرار الشركة إلى الاستغناء عن موظف إماراتي بحجة عملية إعادة الهيكلة أو في حالة اندماج الشركات، فعليها أولاً إبلاغ وزارة العمل قبل تنفيذ قرار الفصل. كما يلزم مشروع القرار الشركات قبل اتخاذ أي إجراء يتعلق بالاستغناء عن المواطنين دراسة خيارات مثل الاستفادة منهم في المواقع الأخرى للشركة وإعادة تدريب المواطن لشغل وظيفة أخرى بالشركة إضافة إلى استحداث نظام لتخفيض ساعات العمل ''العمل الجزئي'' بالنسبة للمواطنين المراد الاستغناء عنهم، وسيكون الاستغناء عن المواطنين بسبب ضعف المؤهلات والمهارات مخالفاً للقانون في حالة انقضاء فترة الاختبار. وتأتي هذه المقترحات التي تقدمت بها جهة إماراتية معنية بشؤون "التوطين" بعد أيام من صدور تحذير عن القائد العام لشرطة دبي الفريق ضاحي خلفان من أن الشرطة ستقاطع الشركات التي تفصل المواطنين دون سابق إنذار بحجة الأزمة العالمية من جهته اعتبر وزير العمل الإماراتي، تذرع الشركات بتداعيات الأزمة المالية العالمية بأنه «أمر مرفوض تماماً».وأوضح أن «عدد الشكاوى الذي تلقته الوزارة في هذا الشأن قليل جداً، لكنه في الوقت نفسه مقلق». وأكد أن «وزارة العمل تعمل حالياً على متابعة هذه الشكاوى مع الشركات المعنية، كل حالة على حدة، للوقوف على أسباب الاستغناء عنهم، والعمل على إيجاد حلول لمشكلتهم وعلاجها بهدوء». ودعا وزير العمل المواطنين الإماراتيين العاملين في القطاع الخاص الذين تم الاستغناء عنهم، أخيراً، إلى التقدم لوزارة العمل من أجل تسجيل شكاوى رسمية تتيح للوزارة التحقق من الأمر، وبحث المشكلة مع الجهة ذات العلاقة. ودعا الوزير الإماراتي إلى «ضرورة عدم تضخيم وتهويل الموضوع، واعتباره ظاهرة؛ لأن الأرقام الحالية التي تم تسجيلها في الوزارة محدودة جداً، ولكل حالة طبيعتها المختلفة»، موضحاً أنه «لا مانع من إنهاء خدمات المواطن الضعيف في أدائه، ولكن وفق آليات وإجراءات تحددها الوزارة»، مؤكداً أنه من «المرفوض تماماً» التذرع بالأزمة المالية للاستغناء العشوائي عن المواطنين من دون مبرّرات مقنعة». من جهة أخرى قال مدير هيئة تنمية الكوادر البشرية الوطنية في الإمارات «تنمية»، إن استغناء أي مؤسسة في القطاع الخاص عن خدمات المواطنين الإماراتيين العاملين فيها عند وقوع أزمة ما مع الاحتفاظ ببقية الموظفين من الجنسيات الأخرى يعد أمراً غير قانوني، لأن قانون العمل في دولة الإمارات يوجب توظيف المواطن في الوظيفة الشاغرة، وفي حال عدم وجود المواطن تكون الأولوية للجنسيات العربية ثم الأجنبية، ومن ثم فعندما تقرر أي شركة الاستغناء عن الموظفين فلابد أن تبدأ بالترتيب نفسه ولكن بشكل عكسي، حيث لم تميّز دولة الإمارات الموظف "المواطن" في القطاع الخاص عن غيره من الموظفين الوافدين سوى في أحقيته للوظيفة، ومن ثم فلا مبرر أمام الشركات لإنهاء خدمات المواطنين أو فصلهم تعسفياً. ويرى المسؤولون في دولة الإمارات أن إنهاء خدمات المواطنين لم يصل بعد إلى مرحلة الظاهرة، و أن الأمر مازال يقتصر على حالات فردية، وأن هناك شركات أخطأت ثم تراجعت وأعلنت عن خطئها، ومن ثم فلا داعي لاتخاذ قرارات متسرعة من أي جهة من الممكن أن تؤدي إلى مردود سلبي. وبذلك تكون الامارات بصدد اعتماد قانون احترازي يقطع الطريق أمام شركات القطاع الخاص لدى محاولتها التخلص من موظفيها "الإماراتيين" والاكتفاء بالموظفين الوافدين الأقل تكلفة بالنسبة لهذه الشركات، حيث وجد القطاع الخاص في الأزمة المالية الراهنة ذريعة للتملص من مسؤولياته المادية والأخلاقية والالتزام تجاه موظفيه سواء من المواطنين أو الوافدين ضارباً بعرض الحائط سنوات طويلة من جهود توطين الوظائف التي بذلتها دولة الإمارات . هل يدل عزم الإمارات إصدار هذا القانون على تخوف وقلق من أن يتحول "تفنيش المواطنين" إلى ظاهرة في القطاع الخاص الإماراتي والخليجي عموماً؟ وهل أصبح الأمر يستدعي الأمانة لدول مجلس التعاون الخليجي أو الجهات المعنية في دول الخليج إلى إصدار قوانين مماثلة تردع شركات القطاع الخاص والشركات الأجنبية من تفنيش أي مواطن خليجي بحجة الأزمة المالية الراهنة؟! *المدير الإقليمي لمكتب دبي