(شرق) - الدمام - انتقد تقرير حقوقي سعودي أداء عدد من المؤسسات الحكومية التنفيذية والتشريعية طالت كلاً من وزارتي الداخلية والعدل، بالحديث عن تجاوزات أمنية وقضائية، بالإضافة إلى انتقاد مجلس الشورى. وقال تقرير عن أحوال حقوق الإنسان في السعودية لعام 2008، والذي صدر الأحد 22-3-2009 عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان إن مجلس الشورى السعودي لم يشهد "أي تطور ايجابي باتجاه توسيع المشاركة وتعزيز دوره الرقابي على أجهزة ومؤسسات السلطة التنفيذية، مبرراً ذلك ب"افتقاره للصلاحيات اللازمة". وأشار التقرير الثاني للجمعية إلى أن المجلس لم يتعرض لمعالجة مشاكل ألحقت الضرر بالأوضاع المعيشية للمواطنين، ك"مشكلة انهيار سوق الأسهم، ومشكلة غلاء أسعار السلع والخدمات والإيجارات". ويعد التقرير الحالي الأكثر جرأة من نوعه، في انتقاد أداء المؤسسات الحكومية، ومن بينها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الإعلام السعودية، ومنعها عدداً من الصحافيين من الكتابة، إضافة إلى إيقافها صدور صحيفة "الحياة اللندنية" لثلاثة أيام. وبحسب الجمعية فقد تم التركيز في التقرير الحالي على "التشخيص المباشر للواقع والتعرف إلى ما حدث من تطورات في بعض المجالات التي تم التطرق لها في التقرير الأول، مع تحديد مدى التحسّن أو التراجع أو بقاء الأوضاع على ما هي عليه". كما تلقت الجمعية خلال الأربع سنوات الماضية ما يزيد على 12 ألف شكوى جاء من بينها: الإدارية 26%، السجناء 18%، العمالية 12%، العنف الأسري 8%. مشيرة إلى أنها قامت بعدة أنشطة كان من بينها مساهمتها في تدريب منسوبي الأمن العام، في كل من منطقة الرياض ومكة والشرقية، على مبادئ احترام حقوق الإنسان ونظام الإجراءات الجزائية. توسيع صلاحيات "الشورى" ولفت التقرير الانتباه إلى محدودية الصلاحيات المعطاة لمجلس الشورى، والتي تقتصر على التشريع فقط دون حق المراقبة والمساءلة. وطالب التقرير بإعادة النظر في آلية تشكيل المجلس والأخذ بأسلوب الانتخاب بدلاً من التعيين مع توسيع صلاحياته لتشمل المراقبة، خاصة "مراقبة الميزانية وحق مساءلة الوزراء". وفي خطوة غير مسبوقة طالب التقرير بضرورة شمولية عملية مراجعة أداء الأجهزة الحكومية لكل الوزارات دون استثناء، لتشمل وزارتي الدفاع والداخلية والمالية وغيرها من الأجهزة التي تتلقى مواردها من المال العام. كما دعت الجمعية إلى "مزيد من الضمانات لاستقلال القضاء وتطويره كماً وكيفاً"، ورصدت من خلال تقريرها استمرار بعض الانتهاكات لضوابط المحكمة العادلة، ومنها عدم حصول المرأة في بعض الحالات على حقها في التقاضي بسهولة، وأيضاً عدم الالتزام في بعض الحالات بحق المساواة في التقاضي، من تمييز بين الخصوم في الجلسات، إضافة إلى عدم التقاضي العلني، حيث يتم اللجوء إلى سرية الجلسات في بعض القضايا المعروضة مع مخالفة ذلك للأنظمة المحلية والالتزامات السعودية الواردة في الاتفاقيات الدولية، والتي تعتبر جزءاً من النظام القانوني السعودي. وانتقد التقرير مبالغة بعض القضاة في بعض الأحكام التعزيرية ك"عقوبتي السجن والجلد". تجاوزات أمنية وأشار التقرير إلى أن وزارة الداخلية تتأخر في الرد على خطابات الجمعية، موضحة أن التأخير قد يصل إلى عدة اشهر، مستطرداً "طبيعة بعض الردود لا تحمل إجابات مقنعة على ملاحظات واستفسارات الجمعية". وقال التقرير إن الجمعية رصدت بعض التجاوزات والتظلمات الفردية من بعض الأجهزة الأمنية والإدارية التابعة لوزارة الداخلية، "ما يستلزم إدراج نصوص في برامج تدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين من الجنود والضباط سواء كانوا من المدنيين أو العسكريين تحظر التعدي على الأشخاص أو معاملتهم معاملة مهينة أو لاإنسانية وتحدد واجباتهم والمحظورات المفروضة عليهم بشكل واضح ودقيق". وشدد التقرير على أهمية إحالة أي متهم يدّعي التعرض إلى التعذيب إلى جهة محايدة للتحقيق في ما يدعيه، إضافة إلى إيجاد مقرات دائمة ونموذجية تتوافر فيها جميع المواصفات التي تمكّن العاملين فيها من احترام حقوق الإنسان. وذكر التقرير أن الجمعية مازالت تتلقى شكاوى من بعض المواطنين والمقيمين بخصوص توقيف جهاز المباحث لأبنائهم لفترات يمتد بعضها إلى أكثر من أربع سنوات، دون أن تتم إحالتهم للمحاكمة. مبيناً أن التحقيق مع الموقوفين الأمنيين تقوم به المباحث وليس هيئة التحقيق والادعاء العام، وما في ذلك من مخالفة صريحة للنظام، "كما لا يسمح لهم بالاستعانة بمحامين، وهو حق كفله لهم النظام". وأكدت الجمعية ضرورة عدم محاسبة النوايا وتوقيف أشخاص بسبب مجرد نيتهم السفر للعراق، مطالبة بالتفريق بين من شارك بالفعل في الأعمال الإرهابية، وبين من لديه أفكار تكفيرية، وبين من لديه نية السفر إلى العراق، وبين من سافر بالفعل، وبين من تمت محاكمته وانتهت محكوميته، وبين من أعلن توبته وندمه. الحريات الإلكترونية ورغم أن الجمعية أبدت ملاحظات على مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي تم مناقشته في مجلس الشورى العام الماضي ومن ثم تم إرساله إلى مجلس الوزراء لإقراره، إلا أنها اعتبرته أهم مشروع ناقشه المجلس منذ إعادة تشكيله باعتباره يؤسس لمرحلة جديدة للعمل الأهلي. ومن ابرز تلك الملاحظات ما تضمنه النظام بشأن منع قيام الجمعيات بما يتعارض مع النظام العام، مبينة "أن هذه عبارات عامة فضفاضة تتيح مجالاً واسعاً للاجتهاد والتفسير ويجعلها قابلة لاستخدام منع الترخيص لجمعيات أو مؤسسات بحجة تعارض أنظمتها مع النظام العام". وطالبت الجمعية بالإسراع في إقرار النظام، إضافة إلى تأكيدها الحاجة إلى مراجعة لتنقيته من النصوص التي قد تقيد عمل جمعيات المجتمع المدني. كما انتقدت الجمعية نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الصادر قبل نحو عامين بهدف الحد من انتشار الجرائم المعلوماتية من خلال فرض عقوبات وغرامات، وقالت في تقريرها إنه رغم أهمية النظام إلا أن تعريف الجرائم المعلوماتية في المادة السادسة "قد يبرر تقييد استخدامات الشبكة المعلوماتية لأسباب لا علاقة لها بالجرائم المعلوماتية ويحد من حرية التعبير والوصول إلى المعلومة". كما تطرقت إلى الفقرة الأولى من المادة التي تصف واحدة من الجرائم التي يعاقب عليها النظام، معتبرة ما ورد فيها مفاهيم عامة يمكن تفسيرها بشكل واسع فضفاض لتجريم الكثير من الكتابات والمشاركات على الانترنت بحجة المساس بهذه المفاهيم. وطالبت الجمعية بإعادة النظر في هذه الفقرة وصياغتها بشكل دقيق جداً لكي لا يساء استخدامها لمنع الأفراد من ممارسة حقهم الطبيعي في التعبير والمشاركة بالرأي في قضايا الشأن العام. هيئة الأمر بالمعروف وقال التقرير إن النظام منح الهيئة سلطات غير محددة تحديداً دقيقاً في نظام الهيئة ولائحته، مبدياً خشيته من "ارتكاب أعمال فيها تعدٍّ على حقوق الأفراد" . وقال التقرير "إن بعض من تم القبض عليهم من قبل الهيئة أكدوا للجمعية انه يتم نقل المقبوض عليهم إلى مراكز الهيئة، حيث يتم إيقافهم والتحقيق معهم وقد يحصل اعتداء على بعضهم أو انتزاع اعترافات منهم تخالف الحقيقة سواء بالإكراه أو الإغرار والوعد بالستر، كما يتم تفتيش أجهزة الجوال ويرفض السماح بالاتصال بذويهم ويتم سبهم ببعض الألفاظ غير اللائقة ومعاملتهم بقسوة". وأوضح التقرير أن عدة حوادث وقعت في الرياض وتبوك والمدينة ونجران كان منسوبو الهيئة طرفاً فيها،أدت إلى إلحاق أضرار وانتهى بعضها إلى وفاة المقبوض عليهم، منها خمس حالات كشفتها الصحافة المحلية. وقال التقرير إن الجمعية تلقت شكاوى تظهر تجاوزات مختلفة من بينها تفتيش الممتلكات الخاصة دون مبرر، والقبض على النساء دون محرم، والإجبار على التوقيع على محاضر دون قراءتها واستخدام سيارات خاصة لنقل من يوقف إلى أحد مراكز الهيئة. مؤكداً الحاجة إلى تحديد سلطات وصلاحيات منسوبي الهيئة بشكل دقيق. الولاية على المرأة وأشار التقرير إلى أهمية النظر في نصوص الأنظمة والتعليمات التي تنتقص من أهلية المرأة أو من شخصيتها القانونية بشكل يخالف قواعد الشريعة، "وعلى وجه الخصوص تلك التي تستلزم استئذان وليها في بعض المسائل ومن ذلك: جميع أشكال الولاية في المعاملات المالية للمرأة والتي تمنعها من التصرف في مالها". وطالب التقرير بإصدار نظام خاص بالانتخابات يحدد مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، معتبرة عدم مشاركتها في ذلك "مخالفة صريحة لبعض الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة". موضحاً أنه من الأهمية بمكان تحديد بعض المصطلحات بنصوص نظامية اعتماداً على الرأي الراجح في الفقه الإسلامي، وعدم تركها للاجتهادات الفردية منعاً للتجاوزات التي تتعرض لها المرأة، ومن ذلك: مصطلح الاختلاط والخلوة غير الشرعية، الحجاب الشرعي، والحالات التي تتطلب وجود ولي الأمر. وانتقد التقرير التطبيقات القضائية الحالية لموضوع الكفاءة في الزواج، ومن ذلك حالات التفرقة على أساس الكفاءة في النسب. مؤكداً مخالفتها للمادة الثانية عشرة من النظام الأساسي والحكم القائم على عدم التمييز وتعزيز الوحدة الوطنية. وقال التقرير إن العام الماضي لم يشهد أي تحرك يذكر في ما يخص قضايا الإصلاح والمشاركة العامة "بل إن رفع سقف توقعات المواطنين قبل ثلاث سنوات بمشروع إصلاحي يعزز حق المشاركة، لم يقابله أي إجراءات تطويرية منذ الانتخابات البلدية وتأسيس جمعية حقوق الإنسان وهيئة الصحافيين وبدء الحوار الوطني". كما انتقد التقرير تراجع دور مركز الحوار الوطني بسبب تحوله إلى ما يسمى بالقضايا الخدمية دون حوار حقيقي حول القضايا المصيرية التي تعني الشأن العام، كحقوق الإنسان وقضايا الإصلاح والمشاركة السياسية. وقال التقرير إن هناك تبايناً في مستوى الشفافية بين الصحف المحلية، ما يؤكد بحسب التقرير دور رؤساء التحرير في تحديد سقف حرية التعبير في الصحف.