استقبل المراقبون المحليون التقرير الثاني الصادر عن «هيئة حقوق الإنسان» السعودية بالكثير من الإيجابية، ويمثل إصدار هذا التقرير خطوة مهمة للتدليل على مدى الشفافية في تعامل الدولة مع المشكلات المحلية، تناول التقرير القضايا الأهم والأكثر تأثيراً في النظام المحلي، وتم تفصيله في ثلاثة أقسام رئيسة تتناول التشريعات الجديدة التي تمت صياغتها أخيراً ومراقبة أداء الأجهزة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان ومراقبة قضايا حقوقية معينة كحقوق المرأة والطفل ومكافحة الفساد، وسأتناول هنا التعليق على القسمين الأول والثاني من التقرير وأرجئ التعليق على القسم الأخير في المقال المقبل، بداية يبدو للقارئ أن تقرير هيئة حقوق الإنسان لدينا شديد الشبه بالتقارير الصادرة عن مجلس مراقبة الأداء العام كمجلس الشورى مثلاً، ولكن الواقع، كما التقرير، يؤكد أن ضآلة صلاحيات مجلس الشورى في النظر في التشريعات وتطويرها، وهي مهمة يؤكد التقرير أن سبباً كبيراً منها يعود إلى عدم وضوح مسؤوليات مجلس الشورى وتداخلها حالياً مع صلاحيات مجلس الوزراء، فمجلس الشورى هو الجهة المعنية أصلاً بسن التشريعات والأنظمة، ولكن يقوم نيابة عنه بهذا الدور مجلس الوزراء الذي من المفترض أن يقوم على تنفيذ الأنظمة، والشيء المدهش هنا هو حجم التشريعات الجديدة ذات العلاقة بحقوق الإنسان التي صدرت في العام الماضي. فالتقرير أشار إلى صدور ثمانية تشريعات جديدة تتناول حقوق الإنسان، وهو ما يؤكد التطور الحادث حالياً في تناول هذه المواضيع والذي يعود بالدرجة الأولى إلى تكثيف الوعي حول أهميتها إعلامياً وسياسياً، وبالرغم من إشادة التقرير بالتشريعات الجديدة في نظام المحاكم والقضاء إلا أنه أبرز بعض نواحي القصور في تحديد معايير الكفاءة في تعيين القضاة الجدد وتحديد مفهوم «السيادة» في القضايا المرفوعة لديوان المظالم التي يرفض بسببها رفع قضايا ضد بعض الأجهزة الحكومية، تحديد المفاهيم بشكل واضح كانت أيضاً سبباً في نقد التقرير لنظام عمل المؤسسات والجمعيات الأهلية الجديدة، فالتشريع الجديد لم يوضح الأسباب التي يجوز عندها رفض إنشاء جمعية أهلية أو مدنية إذا ما تعارضت مع النظام العام، وهنا تبرز معضلة عدم وضوح القوانين العامة واللوائح في النظام العام للدولة، ويزيد من مساحة الغموض في التعاطي مع مثل تلك القضايا، انسحب اتهام التقرير بالغموض إلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أيضاً والذي أصدر تعريفاً فضفاضاً بتجريم استخدام الشبكة العنكبوتية في إنتاج ما يتنافى مع الآداب العامة والقيم الدينية بدون تحديد للتفاصيل في ماهية تلك الآداب والقيم، مما يهدد حرية الأفراد في التعبير والمشاركة بالرأي. وانتقد التقرير في نظام المرور الجديد عدم السماح لمن يملك صحيفة سوابق بالحصول على رخصة مرور إلا في حال رد اعتباره، وأبدى تخوفه، ليس فقط من تأثير مثل ذلك التشريع على طالب الرخصة وإعاقة تنقله وعمله، بل أيضاً على من يعولهم ممن يعتمدون عليه للتنقل والعمل، كما انتقد عدم وضوح آليات رد الاعتبار لأصحاب السوابق وعدم تحديد الجهات المعنية بإصدار رد الاعتبار أو آلياته، وطالب التقرير بتفعيل عملية انتخاب أعضاء مجلس الشورى، بدلاً من نظام التعيين المتبع حالياً وزيادة صلاحيات الأعضاء في المشاركة في صياغة التشريعات ومراقبة الأداء، وعلى الأخص في مراقبة الميزانية العامة ومساءلة الوزراء، وأشار التقرير إلى أثر ضعف أداء المجلس في مواجهة القضايا العامة، وأبرز مشكلة انهيار سوق الأسهم وغلاء الأسعار كنتيجة سلبية مباشرة لضعف مراقبة الأداء العام، وطالب التقرير بتعزيز الشفافية مع الرأي العام في المشاركة في مداولات المجلس. وفي مجال القضاء انتقد التقرير إصرار القضاة على النساء بإحضار محرم أو عدم الأخذ ببطاقة الأحوال للنظر في دعاويهن، وحدوث التمييز بين الخصوم، وعدم توافر عدد كافٍ من القضاة أو المحاكم مع طول مدة التقاضي، كما انتقد التقرير تضارب الأحكام في القضايا المتماثلة، وعدم الأخذ بالوسائل الحديثة في الأدلة والأحكام، وعدم وضوح آليات التعويض عن الخطأ الإداري، وأبرز بعض تجاوزات الضبط وانتزاع الاعتراف، وفي التعليق على أداء وزارة الداخلية كانت الحاجة ملحة إلى تأهيل الأفراد في الوزارة في التعامل مع الموقوفين وتعريفهم بحقوق الإنسان وتطوير التعامل مع التجاوزات الأمنية في السجون والتحقيق. وأثارت الجمعية قضيتين أساسيتين، هما قضية السجناء الأمنيين، وقضية من لا يحملون أوراقاً ثيوتية، بوصفهما لا تزالان محط غموض ومصدراً للتجاوز في حقوق الأفراد وعوائلهم، وأخذ التقرير على أداء هيئة التحقيق والإدعاء العام قلة عدد موظفيها وضآلة صلاحياتها، بحيث لا يمكن لأفرادها الوصول إلى بعض السجون، كتلك التابعة للمباحث العامة، وانتقد التقرير إعطاء صلاحيات للقائمين على السجون بمنع اتصال المسجون بمحاميه أو أفراد أسرته، وأشار التقرير إلى عدم تحديد الجرائم التي تستدعي التوقيف في غياب حالة التلبس تحت النظام الحالي، وانتقد التقرير الصلاحيات الواسعة الممنوحة إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما أدى إلى المخالفات الملحوظة في عمليات القبض على النساء بلا محرم، وتفتيش الممتلكات الخاصة والإجبار على توقيع محاضر من دون قراءتها، واستخدام سيارات خاصة لنقل الموقوفين إلى مراكز الهيئة، ودعت هيئة حقوق الإنسان أخيراً إلى تكثيف السلطات الممنوحة لأفرادها، ورفع سقف الحرية الإعلامية لكشف التجاوزات والرقابة على أداء مؤسسات الدولة... إلى هنا ينتهي الفصلان الأول والثاني من التقرير والذي بذل بالتأكيد القائمون عليه جهداً مشكوراً ومطلوباً لرصد الأخطاء ومعالجتها، وذلك في ظل ظروف التواصل البيروقراطي مع الأجهزة الحكومية وغموض التشريعات وتداخل الصلاحيات فيما بينها، وقد أتى التقرير بالتأكيد كمرآة لرصد واقع أداء المؤسسات العامة، ولعب دوراً إضافياً في اقتراح التشريعات والحلول المنظمة في حال غيابها، ويترك التقرير القارئ متأثراً بحجم العمل الذي قامت الهيئة بالبحث فيه، ويتركه أيضاً متسائلاً عن المواطن الأخرى في أداء مؤسسات الدولة التي لم يتناولها التقرير، والتي لا تتعلق مباشرة بحقوق الإنسان، مما يبرز الحاجة إلى تفعيل دور مجلس الشورى في الرقابة العامة والإشراف بشكل محايد على أداء مؤسسات الدولة، والمتوقع أن تحمل لنا الأيام المقبلة ردود فعل ما لدى صانعي القرار على التقرير، ونأمل ألا يبقى التقرير كلاماً جميلاً على الورق، وأن تتبعه ترجمة ما ليصبح واقعاً ملموساً في حياة المواطنين. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة الأميركية.