تسأل متصلة على أحد البرامج الفضائية: "حلمت يا شيخ أني أكلت فارة سوداء! فما تفسير ذلك؟". يرد مفسر الأحلام: يبدو أن هذه عمتك أم زوجك، وهي تؤذيك بالكلام فاحذري منها، والله أعلم. مستمعة أخرى تسأل شيخاً في إحدى الإذاعات المحلية: "البارحة حلمت أني حطيت على راسي طحين أبيض فماذا يعني؟". المفسر: هذا يا أختي معناه إن شاء الله أنك ستلبسين فستان العرس وستفرحين قريباً بزواجك والله أعلم. متصل آخر: "يا شيخ صحيت من النوم ولم أحلم بأي شيء فما تفسيرك لذلك؟". المفسر: ستجد راحة البال والسعادة في قادم أيامك!! هذه عيّنة من مكالمات ورسائل تَرِد لمفسري الأحلام الذين انتشروا بشكلٍ كبيرٍ هذه الأيام، وصار لهم برامج متخصّصة، وقنوات فضائية، ومواقع خاصّة واشتراكات للجوّال وغيرها الكثير.. فما أسباب انتشارها بهذا الشكل الواسع؟ وإلى أي مدى تحولت لتجارة وبيع أوهام؟ تساؤلات تحاول "سبق" الإجابة عنها من خلال التحقيق التالي: حول طبيعة الحلم ومعناه، تقول د. مريم الشرقاوي، استشارية نفسية: "من زاويتي الطبية المتخصّصة، الحلم هو كما تعرّفه الكتب والمراجع العلمية حالة تفريغ الانفعالات المكبوتة طول اليوم، والمتراكمة على شكل سلسلة من التخيلات التي تحدث في أثناء النوم, وهي - بحسب خبراء علم النفس- وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة، خاصة التي يكون إشباعها صعباً في الواقع، ولا تعني شيئاً كبيراً أو تنبؤاً بأحداثٍ مستقبلية". وتضيف د. الشرقاوي أن التفسير العلمي للأحلام صعبٌ جداً، فلا يمكن باتصالٍ هاتفي تفسير أحداث الحلم بشكل فوري ومَن يمارس هذا الأمر مخادعٌ ومتكسّب تجاري- كما تقول الشرقاوي-. وعن كيفية تفسير الأحلام والرؤى، وطبيعة هوس الناس الحالي به، أفاد د. حامد الحارثي صاحب جوّال مخصّص لتفسير الأحلام، بأن مفسري الرؤى يعتمدون على الأدلة والقرائن والرموز التي يراها الإنسان في حلمه، فكثيرٌ من الأحلام تبدو خالية من المعنى والمنطق، لذا يُقدم لهم التفسير اليسير الذي يعين الحالم على معرفة معنى حلمه. ويستشهد الحارثي بمقولة لابن القيم "إن تفسير الأحلام هو من أشرف العلوم قبل بعث الأنبياء". رافضاً ما يُتهم به معبرو الأحلام من أمورٍ سلبية، قائلاً: " لسنا باعة الأوهام". ويرفض المواطن محمد النفيعي، مشترك سابق في جوال لتفسير الأحلام، ما ذكره د. الحارثي، موضحاً أن مفسري الأحلام يتحمّلون مسئولية بيع الأوهام للمجتمع حتى غدت لهم تجارة رابحة ومكسباً يدر الملايين، والدليل – كما يقول النفيعي- وجود اشتراكات جوالات لتفسير الأحلام ومعظمها عبارة عن تفسيرات ساذجة، وهذا غير رسائل و"مسجات" واتصالات البرامج الفضائية التي ترهق جيوب المواطنين. ويقول النفيعي: "لقد أصبحت هاجساً لدى الكثير من الناس، خاصة النساء فهن يخسرن أموالاً طائلة بسببها، فالرسالة الواحدة تكلف 12 ريالاً". وتختلف نورة البيشي مع ما يقوله النفيعي، مؤكدة أنها تشعر براحةٍ نفسية عندما تفيق من النوم ولديها حلمٌ ترسله لجوّال المفسر فيأتيها الرد سريعاً وفق الأحاديث الشريفة. ومن جانبه، يقول د. بندر الخالدي من جامعة الملك سعود: "الأجدر بنا أن نبني حياتنا بعيداً عن الأوهام والأحلام وألا ننشغل بهذه الخرافات المستحدثة علينا". أما الشيخ الدكتور محمد الدويش، فيقول:" في الأصل تفسير الرؤى ثابتٌ شرعاً وورد في القرآن الكريم في قصة يوسف - عليه السلام، كما ورد في السنة النبوية الشريفة في عددٍ من المواقف". ويضيف د. الدويش لكن انتشارها الحالي بشكلٍ كبيرٍ شأنها كشأن غيرها يُوجب وضعها في إطارها الصحيح والطبيعي كعدم التكلف في تفسير كل حلم، وعدم الثقة بكل تفسير. ويؤكد د. الدويش أن لا إشكال أن يفسر المعبر الرؤى باعتدالٍ دون مبالغة، فهو مجتهد لفهم رموز الرؤية وقد يصيب وقد يخطئ. ويقول: "أنا أسمع بعض التفسيرات لكنها لا تدل على الرؤيا لأن ليس فيها قرائن.. لذا أنصح بعدم إطلاق أحكام على الناس بسبب تفسير الأحلام كالإصابة بالعين وإثارة الشكوك والارتياب بين الناس، وألا يبني عليها الناس قراراتهم المصيرية في حياتهم".