اتصل بي أحد الأصدقاء عقب بث حلقة تعبير الأحلام وعلم النفس في برنامج واجه الصحافة، الذي يقدمه الزميل داود الشريان في قناة العربية، التي عرضت الأسبوع الماضي، وقال لي هذا الصديق إنه يريد مني أن أفسر له رؤيا رآها في المنام، ويريد مني أن أرشده لمفسر أو أحوله للزميل داود، ليختار له من الضيوف الذين شاركوا معه في الحلقة. يقول صديقي: رأيت في المنام أنني كنت أشاهد مباراة لفريقي الهلال والاتحاد في ملعب الملك فهد في الرياض، وفجأة توقفت المباراة وصعد إليّ الكابتن سامي الجابر وسط ذهول الجماهير التي وقفت لتشاهد ما يحدث، وطلب مني متوسلاً أن أتولى تدريب الفريق خلال الشوط الثاني، وعلى رغم أنني أعمل مهندساً مدنياً وأمام إلحاح الجميع وافقت، وبالفعل نزلت وذهبت إلى غرفة الملابس وارتديت الملابس الرياضية، وبدأ الشوط الثاني ووقفت على الخط أصيح على اللاعبين وأناديهم أثناء الهجمات، ولكن فجأة انطفأت أنوار الملعب واستيقظت من النوم مفزوعاً، يقول صديقي: أنا مثلك كنت أتابع الحلقة المشوقة، وكنت أرغب منك لو تعرف مفسراً يقول لي النتيجة على كم انتهت المباراة. صديقي كان يقول الحقيقة، فهاجس تفسير الأحلام هو الشغل الشاغل للكثير من الناس، المهم أنني طمأنت صديقي وقلت مفسراً حلمه: إن جواله سيفصل بعد أن تراكمت عليه الفواتير، وحال الظلام هي علامة أن هاتفه سيصمت، أما أنه يدرب الهلال فهذا ربما يكون حديث نفس. لم أطل الحديث مع صديقي فنصحته أن يبحث عن مفسر أحلام رياضي. حلقة تفسير الأحلام كانت مشوقة لتداخل الكثير من الأفكار والأطروحات، وكنت أتمنى لو يتم عرض جزء ثانٍ لاستكمال جوانب أخرى من الموضوع، ولأن موضوع الأحلام أصبح يقلق المجتمع السعودي، والدليل انتشار المفسرين على كل وسائل الاتصالات والفضائيات والإذاعات والصحف الالكترونية والرسائل النصية، أين ما تلتفت تجدهم من حولك، والناس أصبحوا يريدون تفسيراً لكل شيء، سواء كانت أحلام منام، أو رؤيا، أو حتى أحلام يقظة، أو حلم الانتقام، وربما في حال السرحان لو شاهد شيئاً يريد له تفسيراً، واليوم لن تجد قناة فضائية مالكها سعودي ليس فيها برنامج خاص لتفسير الأحلام، هل بلغ من حبنا للأحلام حتى تخصص هذه القنوات مساحات لتفسير الأحلام، أو أن حجم الإعلانات والمتصلين وما تحققه من عوائد مرتفعة من هذه البرامج. لنفترض جدلاً أن حال من القلق أصابت الناس ويريدون أن يعرفوا معنى ما شاهدوه في المنام، فما المعايير التي يجب أن تتوفر في المفسر؟ وكيف يمكن أن نتخلص من شعرة معاوية ما بين التفسير والدجل والتنجيم؟ اليوم معظم المفسرين يتحدثون في الغيبيات، ومثلما يحدث مع المرضى حينما يراجعون أكثر من طبيب للتأكد من صحة المعلومة، هكذا الحالمون، يتنقلون من مفسر الى آخر بحثاً عن حلم يرضي طموحهم. كنت أتمنى مع ظاهرة انتشار المفسرين أن تكون هناك جهة حكومية تتبع مثلاً وزارة الشؤون الدينية، تمنح التراخيص وفق شروط معينة، واختبار لمن يرغب تفسير الأحلام، فالجهات المعنية أعطت تراخيص للراقي الشرعي والطبيب الشعبي، فلماذا لا تضع ضوابط لمفسر الأحلام وتشترط عليه بعض الأشياء، ومادام الموضوع أيضاً أصبح مشروعاً استثمارياً، فما المانع أن يكون لهم ترخيص من البلدية، أو وزارة التجارة، ويكون لمن يمارس تفسير الأحلام سجل تجاري؟ وتستحصل منهم مستحقات الزكاة السنوية؟! الانتشار المفجع لعدد المفسرين وانتشار أرقامهم بشكل لافت في أوساط الناس، والبعض منهم يروج عن نفسه بكلمة «أعجبك» يعني: «لا تخاف راح أفسر لك على حسب طلبك»! إذا لم تصدقوا فارجعوا لمواقع «الانترنت» وتابعوا أرقامهم وتواصلوا معهم، إنهم كثيرون جداً من دون ضوابط، انفلات كبير في الساحة، ولا أقول جميعهم، فمنهم من هم يفسرون بصدق ومن دون تهويل، أما الكثير منهم فهم يتحدثون بقصص خيالية وهمية. حال عدم الانضباط في مفسري الأحلام تفسر لنا حال واحدة، كما أفسرها أنا، وهو أن ما يعيشه الفرد أو المجتمع من معاناة شخصية أو اجتماعية تتحول إلى كوابيس أو حديث نفس، فيجد الشخص نفسه يكلم نفسه، سواء كان نائماً أو يقظاً، فهو يرى انعكاس ذلك أثناء منامه، ولهذا يعيش حال القلق، ولهذا يقوم هائماً يسير على وجهه يبحث عن حل أو تفسير، وإن كنت أميل إلى أنها حالات نفسية تحتاج الى معالجة وجلسات، فلا بد من وضع ضوابط بمنح تراخيص وشروط لمن يرغب العمل فيها، وأظنها فرصة سانحة قد تستقطب الكثير من الشباب العاطلين للعمل فيها، وقد تستقطب أيضاً مفسرات يفسرن أحلام النساء، ولأننا في عصر الخصخصة والتخصيص، وأهميتها في المجتمع، من المهم أن نجد أيضاً مفسري أحلام متخصصين، فمثلاً: حينما يحلم اللاعبون والمدربون يجب أن يكون هناك مفسر أحلام رياضي، وفي حال حلم المساهمين في الشركات وسوق الأسهم، فيجب أن يكون هناك مفسر اقتصادي «تخصص أسهم»، يستطيع أن يعرف حال الدخان التي تنبعث من مبنى هيئة سوق المال، وكذلك الحال مفسر أحلام الفنانين، ومفسر أحلام رجال الأعمال والمجتمع الاقتصادي، فمثلاً: حينما يحلم رجل أعمال أن يخته الموجود في قبرص سرقه لصوص سيرلانكيون ماذا يعني هذا؟ وخدمة للأطفال مفسر لأحلامهم، وللشيب والمتقاعدين، وهكذا في ظني أن تفسير الأحلام في السعودية سينمو بشكل لافت وسريع، قيمة الرسالة النصية خمسة ريالات على الهاتف الجوال، و10 ريالات على الاتصال المباشر في القنوات الفضائية، فضلاً عن الاشتراك الشهري، إنها تدر ملايين الريالات. ويكفي أن أشهر عشرة مفسرين في العالم يوجدون في السعودية. أما حال المجتمع السعودي وهوسه لتفسير أي شيء يراه سواء في منامه أو أثناء يقظته فتحتاج إلى درس، وربما إلى تفسير، ليس من مفسري الأحلام، وإنما من إختصاصيين في علم النفس. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] Twitter | jbanoon@