أبدى عددٌ من المواطنين الراغبين في الحج هذا العام، استغرابهم الشديد من الارتفاع الكبير للأسعار الذي طال مختلف مكاتب حملات الحج وسط تنافسٍ محتدمٍ بينها على تقديم وعودٍ مغرية، ومزايا كبيرةٍ في التنقل، والسكن، والإعاشة، والبوفيهات والخدمات الصحية.. إلخ، حتى وصلت تكلفة الحاج الواحد إلى أكثر من 10 آلاف ريال. فلماذا ارتفعت أسعار الحج بهذا الشكل؟ وما حقيقة ما يٌقدَّم للحاج من خدماتٍ ومميزاتٍ تُعَدُّ رفاهية 5 نجوم؟ وأين برنامج الحج منخفض التكلفة المخصّص لذوي الدخول المحدودة الذي اعتُمد رسمياً؟ تساؤلات طرحتها "سبق" على عددٍ من أصحاب مكاتب حملات الحج، كما التقت عدداً من المواطنين، وخرجت بالتحقيق التالي: كان أكثر ما يثير الاستغراب منذ فتح باب التسجيل لحجاج الداخل في بداية شهر ذي القعدة ، أن أغلب مكاتب حملات الحج وضعت لافتات على مداخلها تشير إلى أن حملاتها كافة بفئاتها المختلفة حُجزت بالكامل (فلّ)، وذلك خلال أسبوعٍ واحدٍ فقط من فتح تراخيص الحج لحجاج الداخل هذا الشهر، ما حدا ببعض الحجاج للتسجيل في قوائم الانتظار، ومهّد بالتالي لرفع الأسعار بشكلٍ كبيرٍ مقارنة بالعام الماضي. واشتكى عددٌ من حجاج الداخل التقتهم "سبق" من أن معظم إعلانات ودعايات حملات حجاج الداخل غير صادقة ولا يحتاج إليها الحاج، والدليل أن إقفال الحملات وعدم وجود حجوزات هما وسيلة للتلاعب ورفع الأسعار بوعودٍ وهمية لا يحتاج إليها الحاج في المشاعر. واستغرب ناصر الحسين من ممارسات حملات الحج ومن ارتفاع أسعارها، ويقول: "أقفلوا الأماكن حتى على أقل الفئات، وهي الفئة "ه" التي تقع خارج منطقة الجمرات، وبلغت 6500 ريال". مضيفاً أن ترتيب أوضاع الحجاج بسيط ولا يحتاج إلى كل هذه المبالغ، ويتساءل: لماذا هذا الجشع والغلاء يا أصحاب الحملات؟." أما خالد السعيد فيقول: "منذ منتصف شوال وأنا أحاول أن أسجل اسمي لكن جميع الحملات كانت محجوزة". وطالب السعيد بالرقابة على مكاتب حملات الحج فأغلب العاملين فيها غير سعوديين ولا توجد تسعيرة موحدة، والأسعار مرتفعة جداً لذوي الدخل المحدود ولمَن يريد أن يحج مع أسرته. وفي السياق ذاته يقول عايد الغامدي ل "سبق" :" أسعار الحملات ترتفع حسب الخدمات المقدمة، وهذا أمرٌ لا نختلف عليه.. لكن المشكلة أن أصحاب الحملات لا يلتزمون بها، ويحتالون على الحجاج بمجرد الوصول إلى مكة. وتتساءل أم محمد: "أين الحملات الميسّرة التي خُصِّصت لذوي الدخل المحدود؟ لم نرها ولم نستفد منها، وعندما نسأل المكاتب يقولون: خلاص قفلت.. أين المسئولون عن هذا التحايل؟". "سبق" نقلت تساؤلات "أم محمد" إلى إدارة شئون حجاج الداخل بوزارة الحج، فذكر أحد المسئولين أن برنامج حج منخفض التكلفة خُصِّص لذوي الدخل المحدود وتم اعتماد أسعاره بشكل رسمي، وهي لا تتجاوز 3900 ريال للفئات المحدّدة نظامياً، ومَن يخالف ذلك من الشركات المصرح لها بالحج منخفض التكلفة تعرّض نفسها للمحاسبة. كما اتجهت "سبق" لأصحاب مكاتب حملات الحج، لسؤالهم عن خفايا وأسباب ارتفاع أسعار حملات الحج هذا العام.. والذين نفوا مسئوليتهم عن الزيادة، وعزوها إلى الارتفاع الكبير الذي شهدته كل مناحي الحياة في المخيمات والنقل والغذاء والعمالة. وقال هادي القحطاني، صاحب إحدى الحملات: "يا أخي أنا لا أدري عن ظروف غيري، ولكن "الدنيا" غالية فكل جهة تطلب مبالغ كبيرة كالفنادق والمطابخ، وشركات الحافلات، فتخيل أن الخيام ودورات المياه في مِنى وعرفات ارتفعت إلى أكثر من 2000 ريال، ولا يمكننا تغطيتها إلا برفع السعر حسب الفئات والخدمات المقدمة ونوعيتها وقربها من قطار المشاعر". من جانبه، استغرب عبد الله الدغيم أحد أصحاب الحملات الضجة من ارتفاع الأسعار، وقال: "يجهلون ما نعانيه من مشكلات وتكاليف.. والأسعار عادية وفي متناول الجميع، لكن تحكمها المواقع التي يتم تحديدها من قِبل وزارة الحج في مِنى، وعموماً كل فئة لها سعرها الخاص، فعلى سبيل المثال أغلب الموظفين في مكاتب الحج رفعوا رواتبهم إلى أكثر من 4000 ريال.. فكيف نغطيها؟". ويقول صالح الجميعة صاحب حملة: "نحن نقدم خدمات مطلوبة ومرغوبة فبعض الحجاج مثلاً يفضل السفر بالطيران ولا يريد الحافلة، وهذا يكلفه 1500 ريال زيادة، كذلك بعض الحجاج يرغب في السكن المريح بجانب قطار المشاعر حتى لو تكلف 40 ألف ريال ونلبيها له، وهناك شروط أخرى فيها رفاهية وحملات خمس نجوم أكثر من غيرهم". من جانبه، ذكر نائب رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة بالغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرّمة عبد القادر الجبرتي، في بيان صحفي: "أن ما يلاحظ من ارتفاعٍ في بعض الأسعار جاء نتيجة ارتفاع تكاليف التجهيزات الأيدي العاملة النظامية، وتوظيف السعوديين، لذا نطالب مساواة مؤسسات حجاج الداخل بمؤسسات حجاج الخارج في التراخيص والحصول على المواقع مما سيقلل عليهم المصروفات ويخفض الأسعار". الجدير بالذكر أن وزارة الحج ذكرت أن حصة حجاج الداخل من السعوديين والمقيمين 160 ألف حاج.. بينما تبين ل "سبق" أن هناك حملات حج منظمة لكن غير رسمية تقودها بعض مكاتب الحج، وتنقل بها آلاف الحجاج وتمررهم بطرق غير نظامية من نقاط التفتيش دون تصاريح رسمية، وبأسعار تبدأ من 1000 ريال إلى 1500 ريال للحاج الواحد، وهؤلاء الحجاج لا تلتزم المكاتب بتقديم أي خدمات لهم، فقط تعمل على تسكينهم في منطقة المشاعر التي تبعد أكثر من 5 كم ثم تتخلى عنهم.