قابلته بمنزل الراحل عبدالكريم الجيهمان بعيد وفاته -رحمه الله- يوم السبت 8 محرم 1433ه الموافق 3 ديسمبر 2011م، فقد حضر ليعزي أولاد وأصدقاء الجهيمان. وعندما عرف اسمي انتقل من مكانه إلى حيث أجلس وأعاد السلام برقته المعتادة، وقال: إن لك فضلاً، إذ ساهمت بمقالاتك في تسمية كلية الحقوق قبل سنوات قليلة بعد أن كانت قسماً من أقسام كلية العلوم الإدارية عند تأسيس جامعة الملك سعود عام 1377ه/ 1957م، فقلت له إنني كتبت مقالاً بعنوان: وأخيراً سميت كلية الحقوق باسمها الصحيح بعد خمسين عاماً من بدايتها. إذ كان المتشددون يريدون عنوانها كلية الشريعة – رغم وجود كليات عدة في الجامعات الأخرى تحمل هذا الاسم. كان من أوائل خريجي كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1962م من السعوديين، تلا ذلك أن تم تعيينه رئيساً لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء على المرتبة الممتازة عام 1976م فور حصوله على درجة الدكتوراة في القانون من جامعة هارفارد، وفي عام 1415ه تم تغيير مسمى «شعبة الخبراء» إلى «هيئة الخبراء» ورفعت مرتبة رئيسها من الممتازة إلى مرتبة وزير، وفي عام 1416ه/ 1995م تم تعيينه وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء. وفي لقاء عزاء آخر بمنزل الدكتور عبدالرحمن الشبيلي –رحمه الله– لوفاة أحد أقاربه، رحب بي وعرف أنني قد حضرت مرافقاً لابني يعرب، فطلب مني أن أرافقه بسيارته ليوصلني للمنزل فاشترطت عليه أن ينزل لتناول القهوة.. وكان الحديث عن البعثة الدراسية وعن مدير البعثات الأستاذ عبدالله عبدالجبار، ومن حسن الحظ أن كانت لديّ مجموعة أعماله التي جمعها وأعاد طباعتها صديقاه محمد سعيد طيب وعبدالله فراج الشريف، فأهديتها له، ولم يقبلها إلا بعد أن أقسمت له أن لدي نسخة أخرى منها. طلب مني زيارته في منزله.. وطلبت منه زيارة مكتبة الملك فهد الوطنية، وذكرت له مشروع التاريخ الشفهي الذي تضطلع به، اعتذر بدعوى أنه مشغول وأن ما لديه من معلومات ليست بذات أهمية. زرته بعد ذلك بمنزله، وأخذني لمكتبته في الطابق السفلي، ومجموعة الأكياس والحزم التي تضم الصحف والمجلات القديمة والتي يتمنى أن يتفرغ ليفرزها ويبوبها ليستفيد منها. علم بخروج صديقه وزميله الدكتور إبراهيم المديميغ من المستشفى فطلب مني مرافقته لزيارته بمنزله، إذ كان المديميغ زميلاً لي بالمعهد العلمي بالرياض قبل نحو ستين عاماً. كتب عنه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في الجزء الأول من كتابه (أعلام بلا إعلام)، وقال إنه ولد في بلدة رياض الخبراء بالقصيم عام 1356ه ودرس الابتدائية فيها، ثم التحق بمعهد الرياض العلمي مع متابعته الدراسة بمدرسة اليمامة الثانوية بالرياض حيث نال شهادتها عام 1958م، ثم ابتعث ليحصل على البكالوريوس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وقال إن علاقته بالوظيفة الحكومية بدأت عام 1382ه/ 1962م بالعمل مستشاراً قانونياً في مجلس الوزراء، وعند إنشاء معهد الإدارة تم تعيينه نائباً لمدير عام المعهد، ابتعث للحصول على الماجستير. والدكتوراة في القانون من جامعة (هارفرد) الأميركية. وبعد عودته عين رئيساً لشعبة الخبراء في مجلس الوزراء، وفي عام 1414ه أصبحت تسمى هيئة الخبراء المعنية بتهيئة الأنظمة واللوائح (القوانين) التي تصدر من المجلس، وقال: «.. وما من شك في أن هذه الهيئة التي تضم في تكوينها نخبة من المستشارين الشرعيين والقانونيين وقد أصبحت تتكامل في مسؤوليتها مع ما ينتجه مجلس الشورى من أنظمة...». وقال: «إن الدكتور النفيسة عيّن منذ عام 1416ه/ 1995م وزير دولة وعضواً في مجلس الوزراء، لكنه ظل لصيقاً بالعمل ذي الصبغة القانونية، في وقت تخلو الدولة من وزارة تعنى بهذه الوظيفة، فهو مثلاً يمسك بشكل أساسي بملفات تتعلق بقضايا الحدود مع الدول المجاورة، ويُعدّ أحد الخبراء السعوديين المعتمدين في هذا المجال». وهو إلى جانب عمله هذا عضو في المجلس الاقتصادي الأعلى، وعضو الأمانة العامة للمجلس الأعلى للبترول والمعادن، وعضو في عديد من المجالس التنظيمية والإشرافية من بينها: مجلس الخدمة المدنية، ومجلة الخدمة العسكرية، وقال إنه شارك في دراسة الأنظمة الأساسية الأربعة (النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق)، وكذلك الأنظمة القضائية والتجارية والمالية. والدكتور النفيسة يعد أحد أركان مراجعة مشروعات الأنظمة والقوانين المهمة في الدولة وهو يحرص على البقاء قريباً من البيئة الأكاديمية، فقد مارس التدريس في معهد الإدارة العامة وفي قسم القانون بجامعة الملك سعود. وقد ذكر الدكتور علي جواد الطاهر في (معجم المطبوعات العربية في المملكة) أن له كتاب (واجبات الموظف العام وتأديبه). قال عنه زميله الدكتور إبراهيم المديميغ: «تعود علاقة الصداقة بالدكتور مطلب النفيسة –شفاه الله وأمد في عمره- إلى نحو أربعة عقود مضت منها ثمانية أعوام رئيساً لي في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. يمتاز علاوة على حسن الخلق والمعشر بهدوء الطرح ورجاحة العقل، ويغلب عليه الصمت والإنصات حتى يظن محدثه أن ليس في جعبته شيء ليقوله، فإذا تحدث أوجز وتناول موضوع النقاش تناول الخبير المطلع المنكر للذات فهو يمثل بحق مقولة «خير الكلام ما قل ودل» و»الصمت حكمة وقليل فاعله»، وتلك الصفات التي أشرت لها يلاحظها كل من ارتبط مع الدكتور مطلب بعلاقة عمل أو زمالة أو صداقة.». وذكر صديقه وابن بلدته الأستاذ الدكتور فالح زيد الفالح: «بدأت علاقتي بالدكتور مطلب النفيسة في بداية الستينات الميلادية حينما عدت لزيارة أسرتي بالرياض حيث كنت مبعوثاً لدراسة الطب بألمانيا وكانت تربطني علاقة قديمة بحكم انتمائنا للخبراء ورياض الخبراء. والطريف في الأمر أنه قال لي دعنا نتفق على عقد بيننا: أنت تعالجني لو مرضت وأنا أدافع عنك كمحامي لو حصل لك مشكلة، ومنذ ذلك الوقت ربطتنا علاقة صداقة وما زالت مستمرة، أبو خالد الدكتور مطلب النفيسة يتميز بالوفاء لأصدقائه والتواصل المستمر معهم، ورغم المهام المتعددة التي مارسها وما زال إلا أنه ظل هو مطلب النفيسة الإنسان الذي نعرفه ونحبه ونفرح بلقائه وندعو له بالصحة والعافية». ترجم له في (موسوعة الشخصيات السعودية) لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، ط2، ج2 وقالت عنه أيضاً: «.. عمل محاضراً بمعهد الإدارة العامة، وكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود، ورأس الجانب السعودي في المحادثات السعودية – اليمنية حول الحدود في جانب منها، اكتسب عضوية مجلس الخدمة المدنية 1415ه لمدة ثلاث سنوات، له عديد من المقالات والأبحاث المنشورة في المجلات القانونية والإدارية، وفي عام 1424ه عين عضواً بالمجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، وأمين عام المجلس، وعضواً بمجلس الخدمة العسكرية»، ص 1018. وقد تابعت كتاباته أثناء دراسته بجامعة القاهرة بجريدة اليمامة بالرياض من العدد 261 ليوم الأحد 26 شعبان 1380ه 12 فبراير 1961م فقد كتب بصفحة القراء تحت عنوان: (الثقافة للجميع) وفي العدد 273 يكتب بالجريدة تحت عنوان: (مسؤولية الكاتب بين مذهبين) معلقاً على ما كتبه الأستاذ سعد البواردي بالعدد 268. لمن يكتب الكاتب؟.. والمشكلتان مختلفتان، ولكنهما من مشكلات الثقافة، وسوف لا نتعرض للحلول التي قيل بها، وإنما نبحث المشكلة الأساسية التي تتصل بكل أنواع الفنون والآداب وتعتبر حجر الزاوية في جميع مشاكل الثقافة. المشكلة هي: هل على الكاتب أن يكتب للأدب والفن أم للحياة والمجتمع؟ هل على الأديب أن يكتب للترويح أم يكتب ليحل مشكلات المجتمع ولو كان في كتابته ما يعكر صفو طالبي التسلية؟ الواقع أن هذه المشكلة ليست فلسفة، بل هي انعكاس للواقع، ولذا فقد عاشت مع المثقفين طوال التاريخ، دون حل، وما زال إلى اليوم لكل مذهب أنصاره، والمدافعون عنه، بغض النظر عن اقتناعهم بصحة هذا المذهب أو ذلك (....) واختتم مقاله بقوله: «... وهناك فريق آخر من الناس (كُتاّب وقراء وجماهير لم يكتب ولم يقرأ بعد) يعانون مشكلات الحياة، ويقضون معظم أعمارهم في حلها، ويسلكون في سبيل ذلك كل طريق، مهما كان شاقاً فيسيرون في الشوارع، ويرون الدنيا على حقيقتها هؤلاء يعيشون الواقع ولا يطلبون إلا الوصفة). وقد ذكر سحمي الهاجري في كتابه (القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية) أن مطلب النفيسة قد نشر قصة قصيرة بعنوان (إنسان وصحيفة) في مجلة قريش في 30 /5 /1961م. الكاتب والمؤرخ محمد عبدالرزاق القشعمي