قالت مصادر مطلعة إن روسيا في الأسابيع القليلة الماضية كثفت إمدادات العتاد العسكري لسوريا بما في ذلك عربات مدرعة وطائرات دون طيار وقنابل موجهة. ويقوي هذا موقف الرئيس بشار الأسد في الوقت الذي ضعفت فيه حركة المعارضة المسلحة ضده بسبب الاقتتال بين الجماعات المختلفة. وتحاول موسكو زيادة نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وهي مورد الأسلحة التقليدية الرئيسي لسوريا فأعطت "بشار" دعماً مهماً خلال الحرب الأهلية التي بدأت منذ ثلاث سنوات وعرقلت محاولات غربية لمعاقبته بفرض عقوبات لاستخدامه القوة ضد المدنيين. وتأتي الإمدادات الروسية الجديدة في مرحلة حرجة من الصراع حيث من المقرر عقد محادثات سلام الأسبوع القادم في سويسرا وتفقد المعارضة المتشرذمة مكاسبها بينما يشعر الداعمون الغربيون للمعارضة المسلحة بقلق متزايد إزاء الدور الذي يلعبه متشددون أجانب. بل إن سوريا ذكرت أن بعض الدول التي كانت معارضة للأسد فيما سبق بدأت تناقش التعاون الأمني مع حكومته. وقالت عدة مصادر ل"رويترز" إن قوات "بشار" منذ ديسمبر تسلمت شحنات من الأسلحة والإمدادات العسكرية الأخرى منها طائرات بدون طيار رتبت روسيا تسليمها لسوريا إما مباشرة أو من خلال وكلاء. وقال مصدر أمني في الشرق الأوسط: "تنقل عشرات من طائرات انتونوف 124 (طائرات نقل روسية) مدرعات وأجهزة مراقبة ورادار وأنظمة حرب إلكترونية وقطع غيار لطائرات الهليكوبتر وأسلحة متنوعة منها قنابل موجهة". وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: "يقوم مستشارون روس وخبراء من المخابرات بتشغيل طائرات استطلاع من طراز يو.ايه.في على مدار الساعة لمساعدة القوات السورية في رصد مواقع المعارضين وتحليل قدراتهم وشن هجمات دقيقة بالمدفعية والقوات الجوية ضدهم".
وقال فياشيسلاف دافيدنكو المتحدث باسم شركة (روسوبورون اكسبورت) التي تحتكر تصدير الأسلحة الروسية إنه لا يستطيع التعليق على شحنات الاسلحة إلى سوريا. وكانت روسيا قد قالت إن توفيرها إمدادات عسكرية لسوريا لا يخالف أي قوانين دولية وإنها لا تبيع لدمشق أسلحة هجومية.ولم يتسن الاتصال بمسؤولين سوريين للتعليق. وأكد مصدر من قطاع صناعة الأسلحة الدولي على علم بتحركات الأسلحة في الشرق الأوسط أن هناك زيادة في الإمدادات العسكرية لقوات "بشار" بما في ذلك الطائرات من طراز "يو. أيه.في". وقال المصدر: "العتاد يدخل سورياوروسيا إما تمدها بذلك او تشتريه لحسابها من مناطق على البحر الأسود مثل بلغاريا ورومانيا أو أوكرانيا حيث يوجد فائض في المخزونات". وأضاف: "لا يستطيع الموردون في هذه المنطقة إغضاب الروس". ويقول مراقبون للأسلحة إن بلغاريا ورومانيا وأوكرانيا لديها جميعاً مخزونات من الأسلحة الخفيفة روسية الطراز التي أنتجت في هذه الدول خلال الحقبة السوفيتية حين أقيمت مصانع هناك بمساعدة موسكو. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البلغارية إن المجلس الحكومي البلغاري الذي يشرف على تجارة الأسلحة لم يصدر أي شهادات لصفقات أسلحة متجهة إلى سوريا. وأضاف: "لدينا بيانات تظهر أن بلغاريا لم تصرح ببيع أي أسلحة لسوريا". وقال وزير الخارجية السابق سولومون باسي إن "من غير المرجح للغاية" أن يكون لبلغاريا عضو حلف شمال الاطلسي والاتحاد الأوروبي علاقة بهذه الشحنات. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأوكرانية إن الجمهورية السوفيتية السابقة كانت قد نفت بالفعل مزاعم توفير إمدادات من الأسلحة ونقلها العام الماضي حين قالت إن كييف أوقفت تماماً وطوعاً التعاون العسكري والفني مع سوريا منذ مايو 2011. وقالت وزارة الخارجية الرومانية إن إدارة الرقابة على الصادرات الموجودة بها لم تسجل أو تصرح بأي عمليات تجارية خارجية تنطوي على منتجات عسكرية بما في ذلك الأسلحة الخفيفة مع سوريا خلال عامي 2013 و2014.
وقال المصدر من قطاع صناعة الأسلحة: "من المؤكد أن أشياء تدخل سورياوروسيا تدرك أن عليها الإبقاء على الأسد في السلطة إذا كانت تريد الاحتفاظ بما لديها هناك خاصة في ظل احتياطيات النفط والغاز المتاحة". ووقعت شركة "سويوز نفت جاز" الروسية للنفط والغاز اتفاقاً قيمته 90 مليون دولار مع وزارة النفط السورية في ديسمبر للتنقيب عن النفط وإنتاجه في مساحة 2190 كيلومتراً مربعاً من مياه البحر المتوسط قبالة الساحل السوري بين "طرطوس" و"بانياس". ويقول مسؤولون سوريون في قطاع النفط إنهم واثقون من أن المياه السورية بها احتياطيات ضخمة من النفط أو الغاز مشيرين إلى اكتشافات مهمة في شرق البحر المتوسط قبالة إسرائيل وقبرص ودراسات مسحية واعدة أجريت في مياه لبنان. وتقول موسكو إن جهودها الدبلوماسية في الشرق الأوسط تستند إلى الدفاع عن مبادىء القانون الدولي والتمسك بدور الأممالمتحدة. ويتيح الوضع لروسيا فرصة لإظهار أنها مازال لها ثقل على الساحة الدولية والفوز بعقود مجزية محتملة حين ينتهي القتال في سوريا والخلاف بشأن برنامج ايران النووي. وتحرص روسيا بشدة على ترسيخ موطىء قدم لها والاحتفاظ به في الشرق الأوسط من خلال سورياوإيران بعد الخسارة التي منيت بها خلال انتفاضات الربيع العربي خاصة في ليبيا حيث كانت تساند الزعيم السابق معمر القذافي. وفي الأسبوع الماضي كشفت "رويترز" أن روسيا تتفاوض مع إيران على اتفاق للنفط مقابل السلع قيمته 1.5 مليار دولار شهرياً يهدد بتقويض العقوبات التي ساعدت في إقناع طهران بالموافقة على اتفاق مبدئي للحد من أنشطة برنامجها النووي. وقال توم والاس من جماعة "سي.فور.ايه.دي.اس" لأبحاث الصراعات التي لا تهدف للربح "من المؤكد أن الأسد بحاجة لتجديد عتاده. تذهب أذهان الناس إلى طلقات الرصاص لكنهم يسيئون تقدير ثقل العبء اللوجيستي لجيش حديث. جنازير الدبابات ومراوح الطائرات الهليكوبتر ووقود الطائرات وأجهزة تحديد الاتجاه وكل مكون من كل قطعة من العتاد يمكن أن يتعطل بدون صيانة أو إحلال". وقال جيمس بيفان من مؤسسة "كونفليكت آرممنت ريسيرش" التي ترصد حركة الأسلحة التي تحصل عليها حكومات ومنظمات أخرى إن استخدام سوريا من الذخيرة مرتفع منذ أكثر من عامين.
وأضاف: "هناك مزيد من الأدلة على أنهم يستخدمون براميل متفجرة تسقط من طائرات هليكوبتر وهو ما قد يشير إلى أن ما لديهم من ذخائر تلقى من الجو قد قل". وكانت بريطانيا اتهمت الحكومة السورية بارتكاب "جريمة حرب أخرى" حين قصفت مناطق مدنية بالبراميل المتفجرة وهي براميل نفط أو اسطوانات تعبأ بالمتفجرات والقطع المعدنية وتسقط من الطائرات. وقال مصدر بالمعارضة السورية إنه تم توصيل بعض الإمدادات إلى ميناء اللاذقية في سوريا منذ نحو ثلاثة أسابيع وإن مزيداً من العتاد يصل عن طريق موانىء الشحن الرئيسية في "طرطوس" و"اللاذقية". وقال المصدر إن ميناء "طرطوس" الذي توجد به أيضا قاعدة بحرية روسية أغلق لعدة ساعات في الأسابيع الثلاثة أو الأربعة الماضية. وأضاف: "خلال هذا الوقت لم يسمح لغير المصرح لهم بالدخول وهي علامة أكيدة على وصول شحنة. يحدث هذا من وقت لآخر حين تصل الإمدادات وعادة في الليل". وقال المصدر الأمني من الشرق الأوسط: "نظراً لخطر شن مقاتلي المعارضة هجوماً على مخازن الأسلحة ومدارج الهبوط في القواعد الجوية السورية تشحن روسيا أيضا كميات كبيرة من الأسلحة الصغيرة والذخيرة إلى طرطوس واللاذقية مما يسمح لقوات الأسد بالحفاظ على وتيرة سريعة للقتال". وقال والاس من مؤسسة (سي.فور.ايه.دي.اس) إن شحنات سابقة من العتاد العسكري الروسي وصلت عن طريق الجو والبحر. وأضاف "يحمل العتاد الأخف والأقل فعالية على طائرات بينما تحمل الشحنات الكبيرة والثقيلة على سفن". وقال والاس الذي شارك في إعداد تقرير مؤخراً عن شحنات الأسلحة من روسياوأوكرانيا "يجب أن تنقل المركبات ذات العجلات على نوعية معينة من السفن لكن معظم الأشياء الأصغر يمكن أن توضع في حاويات وأن تحمل على سفينة شحن عادية".