دأب القادة العسكريون والسياسيون الروس على القول إن قاعدتهم العسكرية في طرطوس ذات مهمات تقنية وصيانة وليست عسكرية، حتى أن القائد العام للقوات الروسية قلل من أهمية الموضوع إلى درجة اعتباره سخيفا قائلا إنه لا يوجد فيها سوى بضعة عمال صيانة، لكن وكالة أنباء روسيا قالت بتاريخ 27 / 7/ 2012 إن مهمة الأسطول مفتوحة على كل الاحتمالات. وربطت بينها وبين سفن الناتو التي تبحر في المتوسط. كما ذكرت صحيفة “أرغومينتي نيديلي” أن مجموعة السفن الروسية التي دخلت البحر المتوسط تضم سفينة النجدة “أس أس-750″ التي تحمل على متنها غواصة “أ أس-26″ القادرة على الغوص في أعماق البحر، وقالت إن سفينة من هذا النوع لا تذهب إلى البحر إلا عندما ترافق غواصة تعمل بالطاقة النووية، مشيرة إلى أن “خبراء يعتقدون أن غواصة تحمل صواريخ جوالة أو غواصتين من نوع “ياسين” أو “أنتي” دخلت البحر المتوسط”. وزادت الصحيفة: صُنعت غواصات من هذين النوعين خصيصا لمكافحة حاملات الطائرات “المعادية” والسفن المرافقة لها. ومن هنا فإن مجموعة كبيرة من السفن الحربية التي حشدها حلف شمال الأطلسي قرب شواطئ سورية، وبضمنها حاملات طائرات، ستجد نفسها “مقيدة” في بداية أغسطس. قاعدتان خارج روسيا مع تسارع وتيرة التنافس الدائر بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية على بسط النفوذ والتمدد الجغرافي والاستراتيجي في مناطق متفرقة من العالم سيما التي تحتل أهمية سياسية وعسكرية بالغة للطرفين، بدأت المساعي الروسية الحثيثة للبحث عن قواعد عسكرية لها خارج حدودها التقليدية إن صح التعبير وهي حدود الاتحاد السوفييتي سابقاً، ومع انتقال حرب النفوذ إلى حرب للقواعد العسكرية لكلا الطرفين وزيادة انتشار ووضع يد الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلف الناتو على قواعد عسكرية في كافة المناطق الحساسة بالنسبة لروسيا سيما في آسيا الوسطى، وحصارها المستمر بقواعد الدرع الصاروخي، كان لا بد لروسيا من النظر والبحث الحثيث عن قواعد عسكرية خارج حدودها الجغرافية وفي مناطق النفوذ الأمريكي حفاظاً على أمنهم القومي ودفاعاً عن مصالحهم الاستراتيجية وبقائهم على الساحة الدولية كقوة فاعلة ومؤثرة في الأحداث العالمية، سيما بعدما خسرت روسيا الكثير من قواعدها الجوية والبحرية بشكل اضطراري واستفاد منها الخصم الأمريكي بالدرجة الأولى. لكن وبعد خسارة روسيا الكثيرة لقواعدها في آسيا الوسطى وحتى في ليبيا رغم عدم وجود قاعدة لها هناك في أي وقت من الأوقات، إلا أنها استطاعت مؤخراً أن تحافظ على قواعدها البحرية الهامة والاستراتيجية في كل من أوكرانيا وسوريا على البحرين الأسود والمتوسط، وهو ما شكل قلقاً بالغاً لدى الإدارة الأمريكية. إذ استطاعت روسيا مؤخراً في 27 أبريل الماضي من تجديد عقد استئجارها لقاعدة سيفاستوبول على البحر الأسود بعد وصول الرئيس الأوكراني الحالي إلى السلطة، ونجحت بتمديد ذلك العقد إلى العام 2042م رغم قلقها البالغ من احتمالات مؤكدة بعدم تجديده أيام الإدارة السابقة لأوكرانيا والذي كان من المفترض أن ينتهي في العام 2017م، ورغم كافة الاحتجاجات الشعبية الأوكرانية الرافضة لتجديده، بالتالي ربحت روسيا هذه الجولة في أوكرانيا من حرب القواعد تلك. قاعدة طرطوس استطاعت روسيا الحصول على موافقة الرئيس السوري بشار الأسد عام 2008 لتطوير وتوسيع قاعدتها في طرطوس لتسمح باستقبال السفن النووية وغيرها من التجهيزات الحربية الروسية، وهنا نتناول الوجود العسكري الروسي في ميناء طرطوس السوري وأهميته لروسيا وأبرز التحركات العسكرية الروسية من وإلى تلك القاعدة منذ بداية الاحتجاجات الشعبية السورية وحتى الآن، وكافة تطورات المشهد السياسي والعسكري بين موسكو ودمشق على ضوء تلك القاعدة. أهمية سوريا والقاعدة العسكرية لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تنشئ روسيا قاعدة عسكرية خارج حدودها السوفييتية السابقة، وتعتبر روسيا أن تلك القاعدة ستمكنها من استرجاع دورها السياسي الذي تسعى إليه في الشرق الأوسط بالتالي استرجاع هيبتها ونفوذها من خلال ما يسمّى البوابة السورية. في سبتمبر من العام 2011 نقلت وكالة انترفاكس الروسية عن قائد القوات البحرية الروسية الأميرال فلاديمير فيسوتسكي إعلانه نية بلاده تطوير قاعدتها التقنية في طرطوس بالطريقة التي ستسمح لها بتنفيذ كافة المهام الموكلة لها دون تحديد طبيعة أو حجم تلك المهام ومكانها. بينما أعلن أناتولي إيسايكين رئيس شركة “روس أوبورن اكسبورت” أن شركته لن توقف التعاون العسكري التقني مع سورية إلا في حال صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص، وأضاف في تصريح لصحيفة كوميرسانت أن عقوبات مجلس الأمن الدولي فقط يمكن أن تشكل حظرا رسميا على توريد السلاح إلى أي بلد، وأنه لا توجد مثل هذه العقوبات ضد سوريا، وحتى في حال فرضت بعض الدول حظراً على توريد السلاح لسوريا وليس مجلس الأمن فإنه “لا توجد أسباب تفرض علينا الالتزام بقرارات داخلية تتخذها بلدان معينة” حسب تعبيره. هذا وكان مسؤولون روس قد أبدوا تخوفهم من تهديد المعارضة السورية للقاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، نظراً لاقتراب الاشتباكات المسلحة منها، حيث وصلت الاشتباكات إلى مدينة اللاذقية التي تبعد مائة كيلومتر فقط عن طرطوس، وضربت القوات البحرية السورية مناطق في اللاذقية بالمدفعية، ما أدى وقتها لسقوط عشرين قتيلاً، وذهب المحللون السياسيون الروس إلى تحليل ودراسة احتمالات تهديد المعارضة السورية لقاعدة طرطوس، فمنهم من رأى فيها تهديداً مباشراً سيما في حال وصل إسلاميون للحكم، بينما استبعد آخرون ذلك معتبرين أن محادثات روسيا مع النظام السوري من جهة والمعارضة السورية من جهة ثانية كان بمثابة خطوة احترازية مما يمكن أن يحدث مستقبلا سيما وأن روسيا أيدت نظام الأسد في قمع المظاهرات الشعبية، ولديها في سوريا مواقع حيوية هامة كثيرة غير القاعدة البحرية في طرطوس حسبما ذكرت صحيفة إزفيستيا الروسية في أغسطس 2011م. روسيا ستحمي قاعدتها في طرطوس أما في نوفمبر من العام 2011، فقد أوردت صحيفة “كومرسانت” الروسية تقريرا قدمه النائب الأول لوزير الدفاع الروسي قائد أركان الجيوش الروسية الجنرال نيكولاي ماركوف، شمل عناصر ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار وجر روسيا إلى عمليات حربية قد تؤدي لمواجهة بين روسيا والناتو، وأشار التقرير إلى تزايد احتمالات نشوب نزاعات محلية أو إقليمية قد تتحول في ظروف معينة إلى حروب واسعة تستخدم فيها أسلحة نووية. وفي أحدث تصريحات المسؤولين الروس في 25 يونيو الماضي، قال القائد العام للقوات البحرية الروسية الفريق فيكتور تشيركوف في تصريح لوكالة الأنباء الروسية “نوفوستي” إن روسيا لا تعتزم التخلي عن قاعدتها البحرية العسكرية في ميناء طرطوس السوري، مؤكداً ضرورة استمرار عمل هذه القاعدة التي تقوم بإمداد وصيانة السفن الروسية الموجودة في البحر الأبيض المتوسط والبوارج الحربية التي تشارك في مكافحة القرصنة في خليج عدن أو المحيط الهندي. من جهة ثانية ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية يوم 18 يونيو 2012 في تقرير ل سيرغي كانوفالوف بعنوان “الجيش الروسي سيحمي القاعدة البحرية في الشرق الأوسط”، “إن القيادة الروسية ارتكبت الكثير من الأخطاء في السابق عندما تركنا القاعدة البحرية في فيتنام للأمريكيين، وتركنا كوبا، ومنشآت عسكرية في البلقان خاصة المطار العسكري في “يوغوسلافيا”، كما خسرنا القدرة على الحصول على قاعدة عسكرية في ميناء طرابلس بليبيا رغم أننا لم ندعم نظام معمر القذافي في ليبيا، لذا على الأقل يجب أن تبقى لنا قاعدة طرطوس !! (نقلا عن الدكتور في علوم التاريخ والخبير العسكري فلاديمير بوبوف). ونقلت الصحيفة عن نائب القائد العام لسلاح الجو الروسي الجنرال فلاديمير غرادوسوف في وقت سابق استعداد قواته لتأمين الغطاء الجوي للسفن الروسية الحربية لدى توجهها إلى سورية، وذلك فيما يتعلق بسفن الإنزال الحربية والبوارج التي كانت تنوي التوجه إلى سوريا آنذاك وتحمل عتاداً وسلاحاً إلى سوريا وفرقة من مشاة البحرية لحراسة القاعدة في طرطوس. تكلفة موافقة الأسد عام 2008 بدأت القوات البحرية الروسية باستخدام ميناء طرطوس في السبعينات وذلك بموجب اتفاقية عام 1971م بين سوريا وروسيا أي منذ الحقبة السوفييتية وبموجب الاتفاقية يستضيف ميناء طرطوس قاعدة روسية للإمداد والصيانة، وكان الهدف آنذاك دعم الأسطول السوفييتي بالبحر المتوسط. وقد سعت روسيا جاهدة لتطوير وتوسيع هذه القاعدة منذ عدة سنوات وحتى الآن، كي تستطيع استقبال السفن الحربية الروسية الضخمة، وفي سبيل ذلك قامت بشطب عشرة مليارات دولار من إجمالي الديون السورية التي تجاوزت ال 13 مليار دولار، حتى تمكنت في العام 2008 م من الحصول على موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة ثابتة للسفن النووية الروسية في الشرق الأوسط.. ومنذ ذلك الحين بدأت فعليا بتوسيع وتطوير تلك القاعدة. روسيا التي سعت جاهدة لنيل تلك الموافقة وحجز مكان استراتيجي لها في الشرق الأوسط بعيدا عن حدودها التقليدية المعهودة، دفعت الكثير للحصول على تلك الامتيازات وتخلت في سبيل ذلك عن الكثير أيضاً، لكن ومنذ بداية الأحداث السورية في العام 2011 تغيرت موازين من يقدم التنازلات ومن يسعى لها ومن يقبلها.. فموافقة الرئيس السوري “على تحويل ميناء طرطوس لقاعدة ثابتة للسفن النووية الروسية” كلفت روسيا شطب معظم الديون السورية، إضافة لصفقة أسلحة روسية إلى سوريا تتمثل في شراء سوريا “بالتقسيط أو الدين” : “طائرات ميج 29 SMT مقاتلة، ونظم بانتسير إس 1 إي الدفاعية، ونظم صواريخ اسكندر الدفاعية، وطائرات ياك 130، وغواصتين من طراز آمور 1650″. عقود بأربعة مليارات دولار وبلغت عقود سوريا مع روسيا عام 2011م أربعة مليارات دولار، إذ سعت سوريا في السنوات القليلة الماضية إلى الحصول من روسيا على أسلحة حديثة تشمل الكثير من نظم الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات لتحسين قدراتها الدفاعية ولتحتل سوريا بموجب كل ذلك المرتبة السابعة بين الدول التي تشتري الأسلحة الروسية، حيث أصبحت روسيا منذ تاريخ شطبها للديون السورية المزود الرئيس لسوريا بالأسلحة. فيما بلغت استثمارات روسيا في الدولة السورية عام 2009 ، حوالي عشرين مليار دولار أهمها في مجال التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما. و وقعت شركة ” توبوليف أند أفياستار اس بي ” مذكرة تفاهم لتزويد الخطوط الجوية السورية بثلاث طائرات ركاب طراز TU24SM وبمركز خدمات لهذه الطائرات، كما تقوم هذا العام 2012 شركة ” سويوزفتغاز ” ببناء مصنع لمعالجة الغاز الطبيعي قرب الرقة شمال شرق سوريا.