مع بداية العام الدراسي تتكرر سنويا بعض العادات والتقاليد المرتبطة بهذا الحدث الهام للأسرة. فبجانب الروتين المعروف من شراء الأدوات المدرسية والملابس، هناك تقاليد أخرى «خفية» تدور حلقاتها بين بعض الأمهات في المجالس. ومنذ طفولتي كنت أحب متابعة هذه المواضيع ولكنني كنت أطرد شر طردة لئلا أستمع «لكلام الكبار». ولا أصف لكم أصدقائي سعادتي بأنني أصبحت اليوم أستطيع الجلوس بقلب الحدث. ومؤخرا شهدت إحدى هذه الصدامات بين الموظفات وربات المنازل من ناحية. والكائنات الليلية والكائنات النهارية من ربات المنازل من ناحية أخرى. فقد طرح للنقاش موضوع إفطار الأولاد قبل الذهاب للمدرسة، ومن يحضّره الأم أم الشغالة. وهنا بدأت حرب ناعمة بأنياب مسننة. فهناك حزب معادٍ للمس العاملات للطعام، وصفت إحدى معتنقاته الأمهات اللواتي يعتمدن على الخدم لإطعام الأطفال بأنهن «رفلات» أو كسولات. «يالطيف على كاس حليب وساندوتش أصحي الشغالة، فين دورك كأم؟» وثانية تقول «بسرعة يكبروا وتصير ذكريات، قومي ياشيخة فطريهم» وثالثة تسرد جرائم الشغالات وتسميم طعام الأطفال، وتقول:«الأم اللي ما تصحى مع أولادها تفطرهم عشان بدها تسهر عالنت والمسلسلات والصاحبات وتكون بالصباح تشخر هذه بدها تلطيش وماتستحق أن تكون أم». قطعت النقاش إحدى الموظفات، وفي هذه اللحظة تنبأت بأن الموضوع سيأخذ منحنى آخر، وقالت: «دعوكم من الفلسفة أرجوكم. فماذا عن الموظفة؟ اللي لا بدها تسهر ولا تطلع. ولا أصلا عندها حياة اجتماعية. ولا ترى أمها وأباها إلا بالويك إند؟ فتستيقظ من فجر الله تداوم مئات الكيلومترات بعيدا عن منزلها وتحتاج تلبس وتطلع، ولديها أولاد يحتاجون التجهيز وبنات يتطلبن التمشيط وتجهيز أحذية ويونيفورمات ولنش بوكسات وملابس رياضة وملابس حفلات. وأطفال يمدون أيديهم مطالبين بمصاريف تخترعها المدارس باستمرار وأوراق توقع من صباح الله لأن الأطفال يتذكرون الأشياء آخر لحظة. هل هو خطأ أن تطلب مساعدة الشغالة بهذا الوقت المتوتر ليلحقوا بباص المدرسة ويبدأوا يومهم؟» وأخرى من ربات المنازل من الكائنات الليلية تفتح حدقتي عينيها على الآخر وتسأل ببرود: «انتوا تعرفوا الساعة كم لازم أصحى عشان أفطر الأولاد؟ ومين أصلا بيفطر الآن؟ يادوب بسكوتة أو كورن فليكس مع حليب تحركه لهم الشغالة وانتهينا». وأخرى تقول: «بندفع للشغالة عشان تريحنا. ما احلاني قايمه البس وامشط واطبخ والشغالة نايمة». وطبعا لا يخلو الأمر من تعليقات طريفة فقالت إحداهن: «طيب إذا الأم موظفة ودوامها بعيد، فين الأب؟ ليش الأب «العلة» (وأنا هنا فقط ناقلة للحديث كما ورد) ما يساعد ولا هو دوره بس الأكل والشرب والتبطح أمام التلفزيون». وحينما سألتها إحداهن عن أعمار أبنائها قالت إنها غير متزوجة! وتضاحك الجميع. وفي الحقيقة ورغم أنني شخصيا لدي آراء معينة في الموضوع، سأحتفظ بها لنفسي، إلا أنني أرى أننا لا يمكننا الحكم على الآخرين إطلاقا. فيا أصدقائي دعوا كل إنسان يعيش بطريقته. فكل منا يرتب حياته وأولوياته حسب قناعاته. فلو كانت قناعتي الشخصية مثلا بأن كل شخص يقوم باختيارات في الحياة ويجب أن يتحمل مسؤوليات وتبعات قراراته من عمل وإنجاب وغيره فسوف أطبق ذلك، ولو استدعى الأمر أن تصير الأم «سوبروومن» لعدة سنوات لتحقق أدوارا مختلفة (وكثير من الأحيان متضاربة) فهذا اختيار ويجب دفع ثمنه، ولكن لا مانع من تسهيل الحياة وطلب المساعدة بشرط أن تكون من ذوي الثقة، وهذا صعب جدا ولكنه ليس مستحيلا. ويجب ألا نحكم على الأمهات الأخريات ونطبق عليهن معاييرنا ومفاهيمنا، فهذه حياتهن لا حياتنا، كما يجب ألا ندعي الكمال وخاصة إن كنا نلعب أدوارا متعددة فنحن بأغلب الأحيان نسدد ونقارب. الأم اليوم ليست كأم الأمس بل انخرطت الكثيرات في القوى العاملة محركات عجلة الاقتصاد القومية. هؤلاء الأمهات أبطال اليوم كما كانت جداتنا أبطالاً في زمانهم. بل هن ربما ببعض الأحيان أكثر بطولة. فتعب الجسد بالزمان الماضي يمحوه نوم ليلة طويلة. ولكن التوتر النفسي والعقلي لموظفات اليوم وهن أمهات وزوجات وأحيانا قائمات بمنازلهن وحدهن ومسؤولات، لا يمحوه شيء، بل هو طريقة حياة نتعايش معها. وأما حزب النساء، هداه الله، الذي يتقزز من لمس الخادمات للطعام، فرغم أنني أدقق في موضوع الطعام وأهواه وتعلمت في مدارس طهو أوروبية كورسات في تحضير الطعام حسب معايير نظافة معينة، إلا أنني لا أحب من يبالغ بتقززه من الآخرين ممن يعملون بالمنازل، فهذا فيه كسر لأنفسهم والأفضل والأفيد للجميع أن نعلم عمالنا طريقتنا باللين والتكرار. ورجاء دعونا من الادعاءات المزيفة، فبعض النسوة اللواتي يبدين التقزز الشديد من أكل الخادمات، تراهن يشمرن الأكمام ويظهرن الضروس بمجرد رؤية تبسي مندي، أو شاورما مجهولة المصدر أو دجاجة بالشواية.