صُدِم عدد من مشتركي شركة الكهرباء بالارتفاع الكبير على قيمة فواتيرهم الأخيرة التي تم توزيعها بداية شهر شوال الحالي، وشخصيا لم أسلم من وقع تلك الصدمة (الكهربائية) لأن وضع فاتورتي لم يكن أحسن حالا من فواتير أولئك المشتركين (المدلّعين!)، حيث بلغت قيمتها نحو أربعة آلاف ريال عن الشهر الماضي فقط!، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الأسرة!، (علما بأن متوسط قيمة فواتيري الشهرية هو 1600 ريال)، وبذلك فإن قيمة فاتورتي الحالية هي بمثابة (رقم قياسي) جديد لاستهلاك منزلي؛ وذلك منذ أن اخترع توماس أديسون المصباح الكهربائي!، لذلك أفكر في توثيق مبلغ الفاتورة لدى موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية!. على ضوء ما تقدم، فإن هاجسي الأكبر الآن هو توفير مبلغ الفاتورة استباقا لقيام الشركة بقطع التيار (وربما شيل العدة!)، لذلك فقد فكرت في اقتراض المبلغ من أحد البنوك، ولكن خوفا من احتمال تعثري في السداد ووضع اسمي في قائمة العزيزة (سمة)، فقد استبدلت فكرة القرض بعمل (جمعية) مع بعض أصدقائي من محدودي ومتوسطي الدخل، على أن أقوم بتقسيط مبلغها لمدة عام؛ شريطة أن أكون أول من يستلم المبلغ؛ أما إذا لم أجد من ينضم معي للجمعية فقد أفكر في الانتقال مؤقتا للقطب الشمالي؛ لحين انتهاء فصل الصيف، أو سأضطر أن أعيش مع جميع أفراد الأسرة في غرفة واحدة لتوفير استهلاك كهرباء المكيفات. وبعيدا عن الهزل السابق، فقد يكون من الحكمة قيام أجهزتنا المعنية بمراجعة متأنية لعملية الرفع التدريجي للدعم الحكومي، وإعادة دراسة البدائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف، ولكن بصورة أخف وطأة؛ مراعاة لظروف الشريحة الأكبر من المواطنين الذين باتوا يعانون من ضغوط مالية لا قِبل لهم بها وهو ما انعكس سلبا على معيشتهم، وانخفاض قدراتهم الشرائية. وبالعودة لشركة الكهرباء، فإن من المهم مبادرتها لاتخاذ إجراءات أكثر مهنية وإنسانية ووطنية، من شأنها التخفيف من معاناة المواطنين من ارتفاع قيمة فواتيرها، أذكر منها: 1. السماح بفصل عدادات المنازل ذات القواطع الكبيرة (بدون تعقيدات وشروط تعجيزية) باعتبارها أحد أبرز أسباب ارتفاع قيمة الفواتير، لأن استهلاك تلك المساكن يتركز على عداد واحد، وبالتالي يدخل المشترك (مجبرا) في الشرائح العالية، حتى مع حرصه على تقنين الاستهلاك؛ علما بأن خدمة فصل العدادات ليست مجانية بل مدفوعة القيمة. 2. تعديل (حجم) الشرائح السكنية الثلاث الأولى إلى الضعف لكل منها، وهو ما سيسهم في حصول المواطنين على حاجتهم (الضرورية) من الكهرباء بسعر معتدل؛ بدون التأثير كثيرا على ربحية الشركة؛ نظرا لزيادة الإيرادات وما يتركه ذلك من أثر إيجابي على صافي الدخل. 3. إعطاء حوافز للمشتركين على شكل تخفيض على التعرفة بنسبة معيّنة، وذلك مقابل تخفيض استهلاكهم أوقات الذروة؛ أي من الساعة 11 صباحا حتى الساعة 4 عصرا. 4. تعويض المشتركين المتضررين من انقطاع التيار الكهربائي، على أن يتم ذلك وفق آلية واضحة وعادلة ومعلنة، سواء بإعطائهم خصما على فواتيرهم أو بمنحهم رصيدا (مجانيا) من الكيلو وات مقابل كل انقطاع. 5. تركيب عدادات ذكية تتضاءل معها أخطاء القراءات اليدوية، واجتهادات قرائها أو تقاعسهم، كما تسمح للمشتركين بتوزيع الاستهلاك على ساعات اليوم بعيدا عن أوقات الذروة. 6. الإعلان عن استراتيجية مختلفة تدعمها خطط محددة لإنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة وأبرزها الطاقة الشمسية. 7. استبدال الطريقة الحالية للفوترة (للمشتركين الراغبين في ذلك)، بأخرى تعتمد على مبلغ شهري (ثابت) هو (متوسط) قيمة الاستهلاك الشهري للمشترك طوال العام، وهو ما سيجنب المشتركين الفواتير العالية صيفا. 8. يمكن أيضا التفكير في وضع (تعرفة موسمية) منخفضة نسبيا لفصل الصيف؛ الذي تزداد فيه حاجة الناس لتشغيل المكيفات، مع تعويض تلك التعرفة المنخفضة بأخرى أعلى منها خلال باقي فصول السنة التي يقل فيها طلب المشتركين على الكهرباء. 9. تطوير محطات توليد الكهرباء الحالية لزيادة كفاءتها، وتخفيض تكلفة الإنتاج ومصاريف التشغيل، بدلا عن تحميل المواطنين ثمن تقاعس الشركة التقني والإداري طوال العقود الماضية. 10. التعجيل في تنفيذ خطة الشركة لإعادة الهيكلة، وفصل نشاط التوليد عن التوزيع، وتأسيس شركة منفصلة لقطاع نقل الطاقة، وهو ما سيؤدي لتطوير صناعة الكهرباء في المملكة، وإيجاد بيئة تنافسية تشجع المستثمرين للدخول إلى سوق إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في السوق السعودي. ويمكنني الزعم هنا أن تصوراتي السابقة المقدمة لشركة الكهرباء هي بمثابة خلاصة مطالب شعبية لا تنقصها الموضوعية؛ وتقل كثيرا عن ما تتمتع به الشركة من مزايا كبيرة لا تحلم بمثلها الكثير من شركات الكهرباء حول العالم، وفي مقدمتها: 1) السعر المنخفض نسبيا للوقود اللازم لمحطات توليد الكهرباء (حتى بعد الرفع الجزئي للدعم الحكومي)، وذلك مقارنة بتكلفته المرتفعة على الكثير من شركات الكهرباء حول العالم. 2) عدم احتساب ضرائب على أرباح الشركة، أو إلزامها بدفع مبالغ محددة لخدمة المجتمع. 3) عمل الشركة في بيئة احتكارية تحسدها عليها جميع الشركات المشابهة في معظم دول العالم. 4) قيام الدولة، وعلى مدى عقود، بمنح الشركة قروضا ميسرة بدون فوائد ولا تخضع لمعايير الإقراض التجاري، وقد بلغ إجمالي تلك القروض عشرات المليارات من الريالات. ختاما، نثق كمواطنين في حرص الدولة على كل ما فيه الصالح العام، بقدر ثقتنا في أن ولاة الأمر-يحفظهم الله- لم يقصروا قط في دعم المواطنين المستحقين للدعم، لذلك أملنا كبير في القيام بما يجب لتصحيح وضع فاتورة الكهرباء.