خلال الأسبوع الماضي، تداولت وسائل التواصل الإلكترونية فيديو يصور أطفالا يلعبون ببراءة في مجلس بيتهم، وفجأة يقتحم عليهم المكان رجل ضخم الجثة يمسك بيده عصا رفيعة ينهال بها ضربا على الصغار، كان يضربهم بقسوة بالغة، والصغار يتقافزون من حوله يصرخون ويبكون هلعا وألما واستجداء أن يكف عن ضربهم، بينما هو يتجول وسطهم متعقبا لهم مزهوا بما لديه من قوة وسلطة!! منظر خال من الإنسانية ومن أبسط مبادئ التربية الإسلامية الصحيحة، التي تحث على الرفق والبعد عن الغلظة، وتنهى عن إهانة المسلم وتنشئته تنشئة مؤسسة على احتقار الذات وفقد الشعور بالعزة والكرامة، حتى أن ابن خلدون في القرن الثامن الهجري نهى في مقدمته عن إهانة الصغار والغلظة عليهم، فهو يرى أن من كان مرباه بالعسف والقهر، يسطو به القهر ويحمله على الكذب والخبث، وهو ما تؤكده الدراسات النفسية المعاصرة، التي وجدت أن تعرض الأطفال للعنف والإهانة خلال تربيتهم يدفع بهم إلى الفساد أكثر من الصلاح، فالقسوة والشدة تولد لديهم الخوف ويعيشون في قلق وتوتر يسوقهم إلى الكذب والعناد والاعتداء على من هم أضعف منهم، كما أن شعورهم بالذل وفقدهم احترام الذات يصيبهم بعدم المبالاة وتهون عليهم أنفسهم فيعتادون المهانة. إن كنا لا نريد أن ينشأ أبناء المسلمين أذلاء فاقدي الشعور بعزتهم وكرامتهم، ولا نريدهم أن ينشأوا عدوانيين يميلون إلى حب العنف وإيذاء الآخر، ولا نريدهم أن ينشأوا معتادين على ألا يتبعوا الصواب إلا متى شعروا بالخوف من العقوبة، فإن من الواجب كف يد العم معيض وأمثاله عن الانسياق وراء تلك المفاهيم التربوية الخاطئة، التي لا تعرف طريقا لتربية الصغار سوى ضربهم وإيذائهم، فهناك أساليب أخرى وطرق عديدة لتقويم السلوك لا تهين ولا تؤذي وليس لها آثار ضارة تبقى كامنة في شخصية الفرد بعد أن يكبر. ما يبعث على الضيق والتشاؤم، أن نسبة كبيرة من تعليقات القراء امتدحت ما ظهر في الفيديو، فهم يرون أن العم معيض قد أحسن إلى أبناء أخيه بضربهم بالعصا، فحسب رأيهم هذا الضرب هو ما يصلح سلوك أولئك المشاغبين ويجعل منهم (رجالا)، والشاهد أنهم أنفسهم ذاقوا في صغرهم مثل ذلك الضرب وأنه لم يضرهم وهاهم رجال! ولا أدري ما تعريف (الرجال) عندهم، لكن يؤسفني أن أقول إن الرضا عن مشهد ذلك العنف الذي تعرض له الصغار، والدفاع عن غلظة العم معيض، هي مؤشرات على وجود مشاعر عدوانية مختبئة داخل نفوسهم ولعلها إحدى ثمرات العنف الذي تعرضوا له في الصغر.