الأصل في الطفولة أن تطغى الفطرة الطبيعية لهذه المرحلة في سلوكيات البراءة المسالمة.. لذلك حين يصدر السلوك العدواني من الطفل يكون مستنكراً وخطيراً يدعو إلى علامة استفهام كبيرة تبحث عن الأسباب وتكاتف الجهود لوضع الحلول.. وقبل الخوض في هذا الموضوع دعونا أولاً نعرف ما معنى السلوك العدواني.. إنه أسلوب ينتهجه الطفل لإلحاق الضرر أو الأذى بالآخرين أو ممتلكاتهم وقد يكون الإيذاء ظاهرا سواء كان لفظيا أو ماديا كالتعدي بالألفاظ النابية أو ركل طفل لآخر أو ضربه أو عضه أو دفعه.. وقد يكون هذا الإيذاء بصورة مستترة كالوشاية أو الاعتداء على مقتنيات الآخرين وقد يكون الأذى نفسياً في شكل التحقير... هذا ما تراه الأخصائية النفسية بمجمع الرياض الطبي الأستاذة حنان العرفج وهي صاحبة رسالة الماجستير حول فعالية التدريب على الضبط الذاتي في خفض السلوك العدواني لدى عينة من التلميذات في الصفين الخامس والسادس الابتدائي بمدينة الرياض وتضيف أن هناك اختلاف في هذا التعريف وتعلل ذلك إلى صعوبة تفسير هذا السلوك وتعدد أسبابه وتشابه أصنافه معتبرة السلوك العدواني من أكثر المشكلات السلوكية شيوعا بين الأطفال. وأضافت "لقد أشارت الدراسات والبحوث إلى زيادة انتشار السلوك العدواني مقارنة بالمشكلات السلوكية الأخرى التي يعاني منها التلاميذ في المدارس وهو من أصعب المشكلات التي تواجه الآباء والمعلمين فالسلوك العدواني في سن الطفولة هو السمة الانفعالية الأساسية التي تبرز كأقوى مؤشر على عدم التوازن في الحياة اللاحقة كما أن الأطفال العدوانيين هم أكثر الأشخاص مواجهة للمتاعب في سنوات حياتهم التالية ويمثل هذا السلوك للأطفال مشكلة كبرى حيث يعرقل علاقتهم الإنسانية مما يسئ إلى نوعية العلاقة بينهم وبين والديهم كذلك تؤثر على مستوى تعليمهم وتزيدهم صعوبة، إضافة إلى المعاناة التي يعانيها الآباء والمربون من سلوك هؤلاء الأطفال مما يؤثر في البناء الداخلي للأسرة كما يسئ أيضا إلى حسن سير العمل التربوي وكذا النمو النفسي" أشكال السلوك العدواني توضح الأستاذة حنان العرفج أن السلوك العدواني لدى الأطفال يتخذ عدة أشكال وأنواع مختلفة منها: العدوان المباشر وهو ذلك العدوان الذي يوجه مباشرة للشخص أو الشيء المقصود، العدوان غير المباشر وفيه يوجه الطفل العدوان لشخص أو لشيء خلافا لمن هو مقصود، العدوان العدائي، العدوان المرتد نحو الذات، العدوان اللفظي، العدوان التعبيري . فروق بين الجنسين وتفيد الأخصائية حنان أن هناك فروقاً بين الجنسين في السلوك العدواني فتقول "أثبتت الدراسات أن الأطفال الذكور يميلون إلى العنف ويكونون أكثر عدوانية من الإناث ويرى الباحثون أن السبب في ذلك ليس التركيب البيولوجي أو البيئي بل يعزون ذلك إلى أن الآباء والأمهات يشجعون العدوان ويعززونه عند الذكور أكثر مما يسمحون به عند الإناث ويعتبرونه نوعا من الرجولة ويعزز الآباء والأمهات لا شعوريا هذا النوع من السلوك، كما يكثر التسامح مع عدوان الولد وأحيانا يشجع عليه مما يدعم العدوان عند الذكور، فقد تبين في كثير من الدراسات أن الأمهات أقل تسامحا مع عدوان بناتهن من أبنائهن لأن العدوان لا يتفق مع النمط السلوكي الأنثوي حسب الثقافة ولوحظ أن شجار البنات وعدوانهن في الغالب يكون لفظيا كلاميا ويدور حول موضوعات محدودة (عتاب..غيرة.. تفاخر) كما قد يتجه عدوانهن نحو أنفسهن وذلك من خلال ممارسة العقاب الذاتي والتضحية؛ بينما يكون عدوان الذكور فيزيقيا ويدور حول الملكية وانتزاعها والقيادة ومخالفة تعاليمها وخرقها ويتخذ شكل الهجوم الجسمي ويتجه هذا الهجوم بخاصة نحو الصبيان الآخرين". وتتابع "أما أسباب السلوك العدواني فيمكن حصرها في @ العوامل البيولوجية وهي التي تشتمل على الوراثة ودورها في ظهور السلوك العدواني. @ عوامل اجتماعية (مثل شعور الطفل منذ صغره أنه غير مرغوب فيه من والديه وأنه يعيش في جو أسري عدائي بالنسبة لمعاملة والديه له . الحياة التي يسودها شجار دائم بين الأبوين على مرأى ومسمع الطفل المنزلية حيث يلعب الآباء دورا كبيرا في اكتساب الأطفال السلوك العدواني من خلال محاكاة أو تقليد الأبناء للاستجابات العدوانية التي تصدر من الآباء وكذلك مشاهدة أفلام العنف في السينما والتلفزيون تلعب دورا كبيرا في إكساب الطفل للسلوكيات العدوانية عن طريق النمذجة والتقليد، الآباء الذين يتسمون بالغلظة والقسوة مع أبنائهم يتعلم أبناؤهم السلوك العدواني الآباء الذين يشجعون أبناءهم على المشاجرات مع الآخرين والانتقام ممن يتعدى عليهم والحصول على مطالبهم بالقوة والعنف كذلك مكافأة الأطفال لقيامهم بتصرفات عدوانية. @ عوامل نفسية ومنها اضطراب علاقة الطفل بالأم أو من ينوب عنها؛ الإهمال أو الحرمان ؛ الشعور بالنقص ؛ الحقد ؛ الكراهية ؛ وتعرض الطفل لأزمات نفسية ومواقف وتجارب جديدة انفعالية وعاطفية مثل دخوله المدرسة لأول مرة ؛ أو تغييره للمدرسة أو الفصل نقص مستوى الذكاء أو التأخر الدراسي أو إصابة الطفل بعاهة أو تشوه عضوي مما قد يضعف قدرته على مواقف الحياة أحيانا قد يؤدي إلى ظهور السلوك العدواني لديه. وتتحدث الأستاذة العرفج عن طرق الوقاية والعلاج قائلة "على الآباء ضرورة تفهم الأسباب التي تدفع الطفل إلى إصدار استجابات عدائية حيث معالجة الأسباب قد تؤدي إلى تلاشي هذه الاستجابات أو التقليل من حدوثها فقد يكون السبب جسميا نتيجة لتعب أو مرض راجعا لنقص أو عاهة جسمية وشعور بالنقص أو الإحباط أو الاكتئاب والكبت كما يجب بحث حالة الطفل النفسية والمدرسية وقدراته على التحصيل وعلاقته بوالديه ومعلميه وكيفية شغل وقت فراغه، تشجيع الطفل على إشباع رغباته العدوانية بالرياضة البدنية والمنافسة الدراسية الحرة إيجاد ميادين للنشاط المخزون، عدم الإكثار من التدخل في أعمال الطفل أو تحديد حركاته أو إرغامه على الطاعة لمجرد الطاعة، أن يقوم الآباء والأمهات بضبط السلوك العدواني إما بالإثابة (التعزيز) عندما يأتي الطفل بموقف يخلو من العدوانية يتفاعل فيه مع صديق له بشكل جيد، ونقدم له إثابة كالمديح اللفظي أو أي شيء يحبه أما إذا قام بسلوك عدواني فيستوجب الحزم ويمكن للآباء استخدام أسلوب العزل لبعض الوقت حيث يتم عزل الطفل فترة زمنية محددة بديلا للعقاب البدني، يجب على الوالدين والمربين عدم مواجهة أي نوع من أنواع السلوك العدواني بالنوع نفسه من السلوك وإنما ينبغي مواجهته عن طريق استخدام أساليب التوجيه والإرشاد كذلك عدم العقاب بالضرب أو اللوم الشديد أو بالتقريع أو السخرية والاستهزاء لأنها قد تأتي بنتائج عكسية، تجنب الممارسات والاتجاهات الخاطئة في تنشئة الأطفال مثل التسيب في النظام والاتجاهات العدوانية لدى الآباء فالأب ذو الاتجاهات العدوانية لا يتقبل غالبا الطفل ولا يستحسنه وبالتالي لا يعطيه العطف والفهم أو التوضيح كما أنه يميل لاستخدام العقاب البدني القاسي واستمرار هذا المزيج من ضعف العطف الأبوي والعقاب البدني القاسي بفترة طويلة من الزمن يؤدي إلى العدوانية والتمرد وعدم المسؤولية لدى الطفل، وكذلك التسامح أكثر من اللازم حيث يستسلم للطفل ويستجيب لمتطلباته ويدلله ويعطيه قدراً أكبر من الحرية إما بسبب انصياعه للطفل أو إهماله. عدم السماح للطفل بأن يحصل على ما يريد بطريقة الصراخ أو محايلته وتدليله في هذه الحالة وعدم اغتصاب ممتلكات الأطفال أو تخريب أدواتهم خصوصا في ساعة الغضب، تجنت عدم مناقشة سلوكه مع غيره على مسمع منه وعدم إثارة الغيرة بين الأطفال وعدم خلق جو يشعر الأطفال بالتفريق بينهم، وعند تشاجر الأخوة يستوجب على الآباء تركهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم وإذا تدخلوا فليكن تدخلا موجها خاليا من التحيز وتعليمهم كيفية حل مثل هذه المشكلات بأنفسهم إذا ظهرت بعد ذلك في مناسبة أخرى، تغيير البيئة عن طريق إعادة ترتيب بيئة المنزل فكلما أتيح للطفل حيز مكاني أوسع للعب قل احتمال العدوان بين الأخوة بالإضافة إلى أن اللعب الخارجي يعطيه فرص اللعب مع أطفال أكبر سنا يمكن أن يساعد في تخفيض المشاجرات.