لو قيل لك إن فلانا من الناس بنى ثروته من المتاجرة ببيع الهواء، هل تصدق ذلك، أم تمتعض لظنك أنك مكذوب عليك؟ إن آخر ما يمكن تصديقه أن يصير الهواء مادة للكسب المادي، فيعلب ويسعر ثم يصدر لمن يستهلكه!! هل هو ذكاء من التجار؟ أم غباء من المستهلكين؟ وهم كثر، وموجودون في كل مكان. نشرت مجلة العلم والتقنية الكندية، تقريرا عن أحدث صيحة تجارية، تعليب الهواء وبيعه، حيث قامت إحدى الشركات الكندية في إقليم البرتا في كندا، بتعبئة الهواء النقي في أوعية بمقاسات متفاوتة تعرضها للبيع بأسعار تتراوح ما بين 15 إلى 46 دولاراً للعبوة حسب حجمها. وعلى ذمة هذه الشركة، فإن عملها يتلخص في جمع الهواء النقي الخالي من الملوثات من جبال بانف وبحيرة لويس، وتعبئته في عبوات مختلفة الأحجام وتصديره للاستهلاك، وأن هذا الهواء النظيف يمكنه مساعدة الناس على التخلص من مشكلة تلوث الهواء المحيط بهم. وما يدرينا لعل هذه خطوة أولى من نشاط الشركة، وقد تعقبها خطوة أخرى تتعلق بتعبئة الهواء البارد لخدمة المناطق الحارة، حيث يمكن لتجار الهواء أن يبيعوا الهواء البارد لسكان الصحارى الملتهبة، إسهاما منهم في التخفيف عنهم من لهيب السموم أيام الصيف. تجارة بيع الهواء تبدو غريبة، مثيرة للسخرية، وباعثة على التهكم، لكننا مع ذلك لا نستطيع الحكم عليها بالفشل، فطالما هناك سوق مفتوح يلقف كل ما يلقى إليه، فلا خوف عليها من البوار، خاصة أنها كما تظهر موجهة لتدليل المترفين، وقد تشيع وتنتشر، وربما يأتي يوم يصير فيه من مستلزمات إكرام الضيف تقديم زجاجات الهواء المعلب مع المفطح جنبا إلى جنب، فالأمر يتوقف على توفر السيولة في الجيوب، وسهولة تدفق المال إلى بعض الجيوب كفيلة بضمان نجاح أمثال هذه البدع، فمن عادة الجيوب الممتلئة شراء ما يلزم وما لا يلزم.