رحل أدوار خراط، ولكنه يظل في المشهد الثقافي العربي روائيا وناقدا ومفكرا استثنائيا، قياسا علي حجم إسهاماته كما ونوعا، متفردا بخصوصية في كتاباته السردية، وقيمة مضافة القيمة المضافة للمشهد الروائي العربي. استطاع الخراط أن يصنع لنفسه عالما أدبيا مغايرا يستم فيه بعق التمرد والتجديد والحداثة مع الاحتفاظ بلغة عربية مبدعة، استطاع أن ينحت ببراعة مفرداتها مما جعله من أهم الروائيين العرب. ويمثل إدوار الخراط تيارا يرفض الواقعية الاجتماعية التي جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات، لكنه يؤمن بحقيقة الذات، ولذلك جاءت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 مغايرة تماما للواقعية السائدة، حيث ركز فيها على وصف خفايا الأرواح وهي تواجه الإحباط واليأس، وجاءت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) لتؤكد هذه النزعة مجددا عبر رسمه لشخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد. ولا غرابة إذن تتطور تجربة الخراط في انعطافة أدبية جديدة لما عرف بالحساسية الجديدة في مصر بعد 1967م. هذ التفرد للخراط في الحساسية الجديدة في الكتابة التقطها الناقد المغربي د.عبد المالك أشهبون في إحدى دراساته النقدية. فقد أفرد «أشهبون» كتابا يسلط فيه الضوء على مظاهر التجديد في متون السردية (الروائية والقصصية) عند إدوار الخرّاط. يوضح فيه التغيير في الكتابة الروائية العربية وظهور هذه الانعطافة الأدبية التي نعتها الكثيرون بأنها: «حساسية جديدة»؛ فالحساسية هي باختصار شديد «كيفية تلقي المؤثرات الخارجية والاستجابة لها». ويبرز الناقد أن «الخرّاط» من طليعة كتاب الرواية والقصة والنقد الأدبي في الوطن العربي، وأرسى تقاليد نقدية وإبداعية مغايرة عما هو مألوف في أدبنا العربي من خلال انفتاحه على التجارب الإبداعية الجديدة، يتجلى ذلك في أعماله السردية بمجملها التي تتجاوز المألوف بهدف إنتاج صور ورموز وأفكار إبداعية مغايرة، في أفق استشراف عوالم روائية جديدة. و يفسر «أشهبون» هذا الانتقال أو التحول الثقافي كما يسميه فيقول: من هنا نؤكد أن الانتقال من «الحساسية التقليدية» إلى «الحساسية الجديدة» في تاريخ الرواية العربية لم يكن انتقالا عاديا، ذلك أن صفة «الحساسية الجديدة» هي إشارة ضمنية إلى التغييرات التي لحقت الإشكالات المطروحة على المجتمعات العربية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، وطبيعة تمثل الروائي العربي لهذه التغييرات. لأجل ذلك، تأتي أهمية الكشف عن هذه الحساسية الجديدة في الرواية العربية. ففي شرحه لمفهوم «الحساسية الجديدة» يقول إدور الخراط: كان الكتاب القدامى يضعون الحلم، ولكن بوصفه حلما، كما لو كان شيئا غريبا، أو كما لو كان شيئا مقحما على الحياة الواقعية. فالحلم هنا في «الحساسية الجديدة» أصبح جزءا أساسيا من الحياة. وبذلك فإن الفانتازيا دخلت بقوة، و«شطح الخيال» دخل بقوة، ثم استدعى ذلك، للضرورة، تفجير قوالب اللغة وما سمي بتفجير اللغة. طبعا الشرط الضروري لهذا هو الإلمام أولا باللغة إلماما تاما ثم الانطلاق من هذه المعرفة التامة باللغة إلى تجاوزها وإلى تفجيرها وإلى تحطيمها. ثم يعود ليقول أيضا: «الحساسية الجديدة» التي أوشكت الآن، بعد مرور نحو ثلاثة أو أربعة عقود، لا أدري، أن تصبح كلاسيكية وأن تصبح هي نفسها تقليدية، أصبح الكتاب الجدد من قصاصين وشعراء يأخذون بهذه التقنيات والرؤى. طبعا هذه التقنيات ليست مجرد شكليات وإنما تنصهر وترتبط برؤية معينة للعالم بل رؤى للعالم وللكون الداخلي والخارجي. فالتقنيات والرؤى شيء واحد. لم تعد هذه التقنيات والرؤى شيئا يبدو غريبا الآن بل أصبح الكتاب الجدد يأخذونها مأخذ المسلم به.