ما إن ينتهي عدد من الحجاج من أداء مناسك الحج، ويتحللوا من الإحرام، حتى تتسارع خطاهم باتجاه مسجد التنعيم في مكةالمكرمة، للإحرام من جديد، بنية العمرة سواء لأنفسهم أو لغيرهم من أقاربهم المتوفين. بعضهم ربما لم يؤد طواف الإفاضة، ومع ذلك يصر على العمرة بعد ساعات من أيام التشريق، فيزاحم الطائفين والحجاج المودعين، فيؤدون العمرة، ولا يعيرون للآخرين بالا. وإذا كان الكثير من سكان مكةالمكرمة، يحرصون بفضل التوعية، على تأخير طواف الإفاضة، لإفساح المجال لحجاج الخارج والبعيدين، فترى هل يجوز شرعا تكرار العمرة، وإذا كان يجوز فماذا عما يترتب من ضرر على الحجاج فيبقى الزحام حائلا دون قدرة الكثير من العجزة وكبار السن من حجاج الخارج على الطواف. يؤكد الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور صالح بن زابن المرزوقي أنه لا يستطيع القول بعدم جواز تكرار العمرة في أيام الحج أو رمضان، وقال: لكنها خلاف الأولى ويرى بعض العلماء أنه لا ينبغي للمسلم أن يكرر العمرة وإنما يترك الفرصة لغيره ويرى بعضهم أنه يمكن تكرارها بعد أن ينبت شعره ويسود بعد حلقه ولم يؤثر عن الرسول -صلى الله عليه وسلم - ولا من الصحابة أنه كرر العمرة، ومن الثابت حرصه صلى الله عليه وسلم على الفضيلة والله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة). وأضاف: نصيحتي لإخواني زوار بيت الله الحرام أن يفسحوا المجال ولا يكونوا سببا للزحام لأنه يؤدي إلى مضار كثيرة، وقال: من القواعد الأصولية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح أما إذا طال العهد بهم ووجدوا في الحرم سعة وليس هناك زحام فلا مانع من التزود لأن الله يقول (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). وأردف: أوصي الحجاج والعمار والزوار أن يراعوا عدم إكثار العمرة لاسيما في مواسم الزحام وثانيا إذا أرادوا ذلك فعليهم أن يعطوا فرصة من الزمن حتى تنبت شعور رؤوسهم وتسود وإن لم يكن هناك زحام فلا مانع. غير مشروع أما عضو الإفتاء وأستاذ الفقه بجامعة القصيم الشيخ الدكتور خالد بن عبدالله المصلح فقال: تكرار العمرة مما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم على وجه العموم في قوله تعالى: (والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، لكن ذلك لا يعني أن يكرر الإنسان العمرة في سفر واحد فإن ذلك لم ينقل عن النبي ولا أصحابه ولا السلف، فالإمام مالك يرى أن أكثر من عمرة ولو كانت لسفرات مستقلة في عام واحد مكروه، وأما في ما يتعلق تكرارها في سفرة واحد فهذا مما جرى فيه من العلماء قولان فمنهم من يرى أن ذلك لا يشرع وأنه غير منقول عن أهل العلم، وذهب طائفة من العلماء أن ذلك يندرج في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) واختلفوا في المدة بين العمرتين منهم من قال عشرة أيام وقال آخرون بأقل من هذا وقال جماعة من أهل العلم إنه لا حد له بل له أن يكرر أكثر من عمرة، إلا أن ما يظهر أن التكرار من غير سبب لا يشرع فإن النبي إنما أذن لعائشة أن تعتمر بعد حجها لكونها أحرمت بالعمرة وحاضت لم تتمكن من أن تعتمر بعمرة مستقلة فهذا لا يصلح دليلا على مشروعية التكرار بدون سبب. وأضاف: أما من ناحية النظر إلى الواقع فمراعاة المفاسد والمصالح تقتضي أن يكف الإنسان عن هذا التكرار لأنه يوجب الازدحام والتضييق على الناس في أعمال النسك في أمر متطوع به سواء عن نفسه أو عن الأموات أو العاجزين، وبعض الحجاج يلحظ شدة حاجته في تكرار العمل وهؤلاء يخشى أن يندرج أمرهم تحت قول ابن عباس رضي الله عنه: «هل يؤجرون أم يأثمون» وكان هذا بالنظر إلى نفس التكرار بغض النظر عما يحدثه من زحام وغيره، فبعض الناس يكرر ويكون سببا لزيادة الزحام، ومعلوم أن السنة تترك إذا تترتب عليها أذية فكيف إذا كان فيها أيضا مضايقة وتلف بتأذي الحجاج بسبب التدافع والازدحام الذي يترتب عليه الضرر الكبير. وخلص إلى القول: أوصي الحجاج أن يستكثروا من العمل الصالح بذكر الله ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله في العمل فهذا أعظم أجرا من أن يكرر المسلم العمرة مرات.