اعتقد الكثيرون أن المليارات التي ضخت لوزارة الإسكان، بعد تأسيسها كوزارة مستقلة قبل ما يقارب خمس سنوات، أن تلك المليارات سوف تحل مشكلة الإسكان نهائيا. لكن بمرور الوقت دون نتائج توازي المليارات التي قدمت للوزارة بدأ البعض بل الغالبية من الناس يصابون بالإحباط، ولا لوم عليهم. وأرجع الكثيرون ومنهم مختصون اقتصاديون وعقاريون السبب في ذلك الفشل إلى وزارة الإسكان، ومعهم بعض الحق فيما ذهبوا إليه، لكن الحقيقة أن مشكلات الإسكان التي ورثتها الوزارة من عدة جهات حكومية مشكلات هيكلية كبيرة ومعقدة تفوق قدرة الوزارة المالية وصلاحياتها الإدارية، ولا يمكنها بحال حل تلك المشكلات بمفردها، وحلولها مؤلمة ومكلفة وتحتاج لوقت طويل وقرارات عليا وتضافر جهود رسمية وشعبية. فالتأخر الكبير جدا في وضع حلول حقيقية وعملية لمشكلة الإسكان جعلها طوال عقود من التراكم تتفاقم وتتعقد وأصبحت عصية على الحل. بل أصبحت في جوانب منها مصدرا للتجارة وتكوين الثروات الهائلة، ما يعني أن بعض الحلول ستقاوم بقوة من قبل أولئك المستفيدين من وجود تلك المشكلة، وقد يسعى البعض إلى استمرار المشكلة لحلبها واستنزاف جيوب المواطنين. وليست مشكلة الأراضي البيضاء داخل المدن هي العائق الوحيد أمام الوزارة لحل قضية الإسكان، بل هناك مشكلات أخرى تتفاوت من مدينة إلى أخرى. فجدة مثلا وغيرها من المدن تعاني من وطأة العشوائيات عليها ومعظم العشوائيات سواء في جدة أو غيرها كانت نتيجة للتعديات على الأراضي العامة والخاصة، وفرض الأمر الواقع بالبناء عليها. أما المدن الريفية فنتيجة لتوسعها العشوائي غير المخطط له، فقد ابتلعت داخلها القرى القريبة منها بأراضيها الزراعية وبمشكلاتها المعقدة لتكون عشوائيات من نوع مختلف؛ ورغم أن مشكلات الإسكان لدينا فريدة إلا أن متطلباتنا الاجتماعية في تصميم منازلنا أكثرها فرادة، فحين يصبح البيت المتربع على مساحة 750م مربع وأكثر لا يكفي سوى أسرة واحدة ، وحين يرفض معظم السعوديون السكن في الشقق مهما بلغت مساحتها وتوفرت خدماتها، فإن أي حلول ستقف عاجزة عن تجاوز هذه الإشكالية في التوسع الأفقي للبناء. مع كل تلك العوائق تأتي معضلة النمو السكاني في المملكة والذي يقترب من 3% وهو معدل نمو كبير جدا إن لم يكن الأعلى على مستوى العالم. أخيرا أعتقد أن حل مشكلة الإسكان لا يمكن أن يتم بمعزل عن مسبباتها الرئيسية مجتمعة، والتي تمثل كل منها قضية قائمة بذاتها تتطلب حلولا خاصة بها.