حلت في27 يوليو ذكرى وفاة الفنان الكبير يوسف شاهين، الذي كان شعلة مشرقة بالحيوية والمشاريع السينمائية وقلبا نابضا بحب السينما الطليعية الجميلة. كان يرى العالم بمنظور بصري وجمالي ويفكر في العالم بمنظور إنساني ملتزم بقضاياه الاجتماعية والسياسية. نجد في كل لقطة من لقطات أفلامه، طريقته الخاصة في تأطير الوجوه والتركيز على النظرات ومعها الشكل الخارجي للفضاء، إيقاعه السينمائي غاضب باستمرار، يتمظهر في طريقة تحريك الكاميرا داخل ديكورات ضيقة، ترافقها اندفاعات غنائية مفعمة بالإنسانية - سواء كانت مأساوية أو سعيدة – يكتب يوسف شاهين سيناريو يختلط فيه السيرذاتي بالمتخيل ويمزج ما بين المتعة والحب والمرارة من إحباطات الواقع الاجتماعي الناتج عن الواقع السياسي المخاتل. الحوارات لديه جدلية ونقدية وأحيانا كثيرة نوستالجية أو طوباوية. أفلام يوسف شاهين لا يتوقف تأثيرها عند المشاهدة الأولى بل تخلق لنفسها ديمومة من التلقي والتأويل. بل إنها مليئة بالنسبة - للمبدعين- ببذور خصبة لتشييد مشاريع متخيلة. لا يمكن لمشاهد أفلام يوسف شاهين إلا أن يحس بتقمص وجداني، يتماهى مع أبطاله، يحلم أحلامهم، ويحبط إحباطاتهم. يعود يوسف شاهين وعن طيب خاطر إلى الموضوعات الأثيرة لديه: الذاكرة الضائعة المستعادة بوعي جديد. تراجيديات الواقع العربي المعاصر. النضال المستميت من أجل الحب والجمال والعدالة.. تنتظم هذه الموضوعات داخل حبكة شاقة، ليس القدر صاحبها وإنما السلطة المهيمنة، سواء كانت من داخل الأسرة أو من جهات متحكمة أخرى. يفضح شاهين دواليبها المحافظة ظاهريا والفاسدة باطنيا، ومن هنا يتيح لأبطاله الفرصة للتمرد على الأخلاق المفروضة، والأوضاع المتواطأ عليها. ولد المخرج يوسف جبرائيل شاهين في 25 يناير 1926 في مدينة الإسكندرية التي خلدها بأفلام سيرذاتية هي إسكندرية ليه؟ (1978)، وحدوتة مصرية (1982)، وإسكندرية كمان وكمان (1990) وإسكندرية – نيويورك (2004) ثم تناول قضايا فنية واجتماعية وفكرية في أفلام أخرى مثل المصير، (1997) والآخر (1999) وسكوت حنصور (2001) وهي فوضى (2007) تنويعات سينمائية تنتظم في عقد فريد صاغه يوسف شاهين ببصمة لا يعرف سحرها وأسرارها سوى المخرج نفسه، لكنها رغم ذلك تتجلى إشراقاتها لمريدي سينما يوسف شاهين الذين يكتشفون يوما بعد يوم أن أفلامه تحمل من هوية صاحبها قدرا كبيرا، لكنها تتوغل أيضا في وجدان المشاهد كصدى كوني لما هو إنساني وجمالي.. حارب يوسف شاهين طيلة مشواره جميع أشكال التطرف الفكري والديني والتسلط الاجتماعي والسياسي وواظب على ذلك خلال مسيرته الفنية التي لم يخسر معاركها، باسثتناء معركته مع مرض القلب الذي أرقده في حالة غيبوبة وعلى إثرها فارق السينمائي الكبير مسرح الحياة على الساعة الثالثة فجرا من يوم الأحد 27 يوليو 2008، حيث ووري الثرى بمدينته الروحية الإسكندرية.تاركا فيلموغرافيا باذخة بأكثر من أربعين فيلما و مدرسة سينمائية عربية وعالمية بارزة علمت الكثيرين من نجوم السينما في التمثيل والإخراج تقنيات ورؤية ومواقف ملتزمة تجاه الإنسان دون تمييز أو عنصرية أو تطرف.