ويواصل فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان نثر إضاءته على المدرسين بالمسجد الحرام، فيقول: يعد التدريس بالمسجد الحرام في هذه الفترة الزمنية في الوسط العلمي بمكةالمكرمة لقبا، ودرجة علمية عالية، لا يبلغها إلا من كان أهلا لها، وأثبت الامتحان كفاءته لحمل هذا اللقب، فمن ثم نجد علماء مكة المتأخرين، المدرسين بالمسجد الحرام يقرنون هذه العبارة في مؤلفاتهم وكتاباتهم (المدرس بالمسجد الحرام) بعد تدوين الاسم استشعارا لمكانته العلمية. يكاد لا يعترف لأحد في المجتمع المكي بلقب (فقيه) أو (عالم) إلا إذا باشر التدريس بالمسجد الحرام غالبا. مع مطلع القرن الرابع عشر الهجري توافر للمسجد الحرام عدد كبير من الفقهاء، والعلماء للتدريس فيه، تتمثل جماعتهم من أبناء مكة، والمقيمين فيها من علماء الأقطار الإسلامية الأخرى، يصف العلامة الفقيه الشيخ زكريا عبد الله بيلا رحمه الله تعالى البيئة العلمية في مكةالمكرمة في حديثه عن رحلة والده لطلب العلم بمكةالمكرمة، وقصده الدراسة، وتلقي العلم على علماء المسجد الحرام بخاصة قوله: لأن المسجد الحرام كان محط أنظار أهل العلم، ورواد الفضيلة، ومرجعهم في طلب العلوم، فهو جامعة كبرى إسلامية، يتلقى فيه أنواع الفنون، ومختلف العلوم، وكان أفاضل العلماء يدرسون فيه، وهم محط أنظار العالم الإسلامي لمكانتهم العلمية، وقوة مداركهم، وسعة أفق علومهم المختلفة، ففيهم العلامة المكي، والجاوي، والهندي، والبخاري، والداغستاني، والمغربي، واليمني، يعلمون الناس، ويرشدونهم في أمور دينهم بجد، وصدق، وعزيمة آناء الليل، وأطراف النهار، وأنا (زكريا بيلا) قد أدركت طرفا من هذا، ووقفت على أداء العلوم منهم بإخلاص، وآداب إسلامية جليلة، والطلاب شبه مشايخهم الفضلاء. جاء تقدير أعداد الذين يدرسون فعلا، ولهم حلقات بالمسجد الحرام بين الخمسين والستين، ثلث هؤلاء من علماء الحنفية». هذا كتاب يحترم لأن مؤلفه محترم بعلمه وفقهه وأدبه الذي هو الأستاذ الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان فجزاه الله خيرا على ما قدم والتقدير على زيارته المحمودة والشكر على إهدائه الكريم. وقد قامت مكتبة الرشد بالرياض بنشره. السطر الأخير: قال فضيلته في مقدمة الكتاب: «التاريخ أكبر ملهم وأعظم معلم». [email protected]